بعد مضي قرابة الشهرين من الحرب بدون حسم عسكري وبدون تحقيق أي انتصار حقيقي على الارض لاحد الاطراف المتحاربة ، إتضح أن الطرفين متكافئين في القوة مع الفارق في النوع ، الجيش يتفوق بالطيران والمدفعية والدعم السريع يتفوق بالمشاة والانتشار وسرعة الحركة. هذا التكافوء في القوة يرجح ان تكون هذه حرب طويلة جدا اذا تركت للطرفين ، فهما في النهاية عسكر، الحرب وظيفتهم وحياتهم ، لن يملوا منها ولن يخسروا الكثير من استمرارها حتى ولو استمرت لسنوات. وكلما طالت الحرب كلما حاول كل جنرال ان يستخدم الحرب من أجل تحقيق تطلعاته السياسية في حيازة السلطة واحتكارها ولن يهتم بالمواطن ولا الوطن الا فيما يحقق له هذه التطلعات. لذلك لا يجب ان ينتظر أحد حسما عسكريا قريبا ولا بعيدا ، وهذا بالضبط ما يجب ان يشحذ عزيمة المتضررين الأساسيين من هذه الحرب وهم المدنيون. تضرر المدنيون بصورة كارثية في هذه الحرب ، انتهكت بيوتهم واعراضهم ووظائفهم ومصادر دخلهم ، ولم يسلموا من القتل والمرض والخوف والمجهول. لذلك مهم ان يتحرك المدنيون، وأن لا يتركوا الساحة رهبا للعسكر من الطرفين ، مهم ان يسحب المدنيون البساط من تحت الجنرالات ، وأن لا يكونوا ورقة ضغط ضمن أوراق الحرب التي يستخدمونها لتحقيق مطامعهم في الحرب ، عليهم ان يقيموا كتلة مدنية رافضة للحرب ، تقود الشعب لتكوين كتلة صلبة كالتي صنعتها في ثورة ديسمبر ، مما سيجبر الطرفين على ايقاف الحرب والنزول تحت أرادة الشعب. كيف تتكون هذه الكتلة؟ هناك اصلا كتل متعددة رافضة للحرب وترفع شعار لا للحرب موجودة وناشطة وهي (الاحزاب السياسية ، لجان المقاومة ، والنقابات) . هناك اختلافات في السابق بين هذه الكتل الثلاث ، ولكنها الان لا تملك رفاهية مواصلة هذه الخلافات ، اذ تواجه خطرا ماحقا اكبر من كل الاخطار التي يمكن ان تواجهها من المدنيين الاخرين ، فالحرب الحالية تمثل مخاطر وجودية تهدد وجود العمل المدني كما تهدد وجود السودان. عليه مطلوب ان تتجاوز هذه القوى خلافاتها وأن تشرع في التنسيق فورا من أجل تكوين كتلة مدنية عريضة لمواجهة الحرب ، ويلزمها ان تتفق على برامج عمل لرفع الوعي بمخاطر الحرب وسط الجماهير والقيام بالمسيرات والندوات والاعتصامات في المدن الامنة بهدف إنقاذ الخرطوم من الحرب وإيقاف الحرب واحلال السلام.