عند التأمل في أحد جوانب الإبداع في السودان و هو جانب الغناء و الطرب – من غير الدخول في المحتوى – يجد المتامل أنه ربما كان المجال الوحيد الذي سمح أهل السلطة للسودانيين الدخول فيه و ممارسته و إفراغ كل طاقتهم و جهدهم فيه و بالتالي تم صرفهم عن المجالات الأخرى الأكثر جدية و التي يمكن أن يقدم من خلالها ما يفيد في تحرير و بناء الوطن مستقبلا. و تحت شرط السلطة هذا الذي لا بديل عنه ظهرت الكثير من الأصوات ما عرف بطبقة الشعراء و المغنيين الذين أنتجوا ما بات يعرف بالحقيبة التي "برطعوا فيها" دون قيد أو شرط طالما التزموا جانب الحياد تجاه القضايا الحقيقية التي يهم السلطة الحاكمة عدم الإقتراب منها. هناك القليلون من الشعراء الذين لم يلتزموا بشرط عدم تناول قضايا الوطن و لم يكن أمامهم إلا الهروب و مغادرة "أمدرمان" إلى الأصقاع البعيدة عن مركز السلطة و مراقبتها و كان ذلك حلا مرضيا للجانبين. هذا ما كان في زمان المستعمر. و بتتالي الليالي و كر الأيام أصبح الغناء و الطرب هو الأكثر تشجيعا من قبل السلطة و الأكثر إنتشارا في المجتمع و الأعلى صوتا في أجهزة الإذاعة و التلفزيون حتى كاد أن يكون هو المعني ب"الإبداع" عند الحديث عن الإبداع. ثم يتلوه في المرتبة من المسموح به بل و الذي يتم تشجيعه أيضا ليتكامل مع "الغنا و الرقيص" كانت كرة القدم أيضا و لا تزال من المجالات التي يمكن للفرد أن يعبر فيها عما يجيش في خاطره و يفرغ فيها آلامه و إحباطاته بأريحية تامة دون مساءلة. ثم جاءت فيما بعد السينما و المسلسلات و "من ديك و عيييييييك". إنه ليحار المرء كم من الوقت أهدرت الأسر السودانية أمام شاشات التلفاز لمشاهدة المسلسلات التي تعرض أحداثا لا علاقة لها البتة بالمجتمع بل تناقش قضايا مجتمعات أخرى أو لعلها قضايا في خيال كتاب سيناريوهاتها و مخرجيها تصب مباشرة في صندوق التذاكر و في صندوق السلطة الحاكمة كونها أستطاعت أن تشغل المواطن طوال هذه الساعات عن أن يفكر في حاله و في حال الوطن. القليلون هم من تنبهوا لخطورة ما تم نصبه من شراك لهذا المجتمع حتى لا ينتبه من الغفلة التي سادت فيه دهرا طويلا و لا تزال ليتفاجأ الجميع بحقيقة أن الوطن بكامله قد أصبح في "كف عفريت". [email protected] 6 أبريل يحبنا و نحبه