المستقبل لا يمكن فصله ميكانيكياً عن الحاضر، وإيقاف الحربيتم على أساس خط وبرنامج سياسي "لن يوجد وطن في ظل بقاء الشراكة وشرعنة أطراف اللجنة الأمنية للإنقاذ" (في الرد على المقال السابع للدكتور صديق الزيلعي) ختم صديقي د. صديق الزيلعي بمقال تجميعي للأفكار الواردة في مقالاتهالست التي رد فيها على أحد مقالاتي، وعنونه "ما قيمة أي مشروعمستقبلي للتغيير عندما نفقد الوطن". والعنوان يوحي للقارئ بأنبرنامج قوى التغيير الجذري مستقبلي، وأنه بدون التنازل عنه والتحالف مع(قحت) سيضيع الوطن، وهذا بالحتم غير صحيح. فبرنامج قوى التغييرالجذري حاضر وآني، وخطها السياسي ينطلق من أنه منالمستحيل الفصل الميكانيكي بين الحاضر والمستقبل الذي يبدأ منالغد، وعدم إمكانية وضع خط سياسي بمعزل عن الإستراتيجيةالمتمثلة في البرنامج المرحلي للإنتقال. لذلك هي ضد من ينادون بأنالمهمة الآن تتقوم في وقف الحرب فقط، وتأجيل أي إختلافات لما بعد وقوفها، وهو موقف من يريد الخروج من الحرب بأي ثمن ويبحث عن أي مخلص، منمواقع الخضوع للأزمة لا مواقع الخروج الصحيح منها. وذلك لأن الخروج منالحرب سيتم حتماً وفقاً لخط سياسي وبرنامج سياسي، يجاوب على أسئلةلا تحتمل التأجيل مثل: هل سيتم وقف الحرب بالإعتراف بطرفيها وقبولهم فيالمعادلة السياسية المستقبلية أم لا؟ هل ستتم على أساس مشاركتهم فيالسلطة عبر إستكمال الإتفاق الإطاري أم بإبعادهم تماماً وتجاوز ذلكالإتفاق الذي قبرته الحرب؟ هل ستكون هناك شراكة من أي نوع معهما أومع طرف منهما أم لا؟ هل ستتم محاسبة المجرمين من الطرفين أم سيتمالسماح لهم بالإفلات من العقاب مجدداً؟ كيف ستتم عملية عودة المشردينإلى ديارهم وتعويضهم عن خسائرهم ومن هو المسئول عن ذلك؟ من سيقومبعملية إعادة الإعمار ومن سيشرف عليها؟ من هي القوى المدنية التي ستقومبإعادة بناء الدولة المنهارة وما هو برنامجها السياسي والإقتصادي الذيسيتم على أساسه هذا الأمر وفي قلب ذلك كيف ستتعامل مع مؤ سساتالتمويل الدولية من مواقع التبعية أم السيادة الوطنية؟. هذه الأسئلة ليستمؤجلة كما يظن دعاة التحالف من أجل إيقاف الحرب للحفاظ على الوطن، لأنها بطبيعتها آنية تحدد كيف سيكون حاضر ومستقبل الوطن، هذا فيحال أن هناك وطن قد تبقى للحفاظ عليه. فالواقع الآن يقول بأنه ليس هناكدولة بمفهوم الدولة الحديث، حيث لا توجد سلطة تشريعية، ولا سلطة قضائية، ولا حتى حكومة أو سلطة تنفيذية، كذلك لا توجد خدمة مدنية ولا موظفونيعملون ويصرفون رواتبهم من الدولة، وسلطة الأمر الواقع غير قادرة علىالسيطرة حتى على مظاهر سيادتها، ومليشيا الجنجويد المجرمة مسيطرةعلى عاصمة البلاد، والقتل على الهوية وجرائم الحرب والجرائم ضدالإنسانية مستمرة بشكل يومي في العاصمة وفي دارفور، والمدن التي نجتحتى الآن تحت سيطرة جهاز أمن الإنقاذ وإستخبارات الجيش المختطف منقبل الحركة الإسلامية، مما يجعل السؤال مشروعاً عن أي وطن يريد أنيحافظ عليه دعاة إيقاف الحرب بمعزل عن برنامج إيقافها؟ والحقيقة أنهمثلما أن الإنتقال برمته يحتاج للتوافق على برنامج حد أدنىيسمح بتحالف القوى المدنية الراغبة في دولة مدنية تؤسسلتحول ديمقراطي، إيقاف الحرب يحتاج لبرنامج حد أدنى يحددكيفية وقف الحرب والتأسيس للإنتقال المدني، أي أن وقف الحربإذا إعتبرناه تكتيكاً، يجب ألا يتم فصله عن الإنتقال من دولةاللجنة الأمنية "الإنقاذ" إلى دولة السودانيين المدنية الإنتقالية، التي تؤسس للتحول الديمقراطي. والقول بغير ذلك يعني فصلاً متعسفاً بين التكتيكي "إيقاف الحرب" والإستراتيجي "الإنتقال" ، وتغليبالأول على الثاني، وهذه هي الإنتهازية السياسية في أبهى صورها، التيتقود حتماً إلى تقويض الإستراتيجي ومنع الإنتقال. في ضوء ما تقدم وعملاً بمنهجية د. صديق في تلخيصه للحوار عبر تلخيصمقالاته، أوجز ردودي على مقالاته الست السابقات فيما يلي: جوهر ردي على بناء د. صديق لي في مقاله الأول على إهمال التناقضاتالثانوية بين قوى التغيير الجذري و (قحت) الذي بنيت عليه أن الخلافبينهما إستراتيجي وليس تكتيكي مما يجعل التحالف بينهما متعذراً، يتلخص في قولي " إن الخلاف بين قوى التغيير الجذري و (قحت) إستراتيجي، لأنه خلاف يقوم على تحديد العدو والتناقضالرئيسي ذو الأولوية، الذي بدون تحديده لا توجد تناقضاتثانوية تبعية، وأن القوى الاجتماعية ذات المصلحة في برنامجالمرحلة الوطنية الديمقراطية لا مانع من التحالف معها في حال تمالتوافق حول العدو". أما ردي على مقاله الثاني الذي حاول فيه نفي تهمة الشراكة عن (قحت) عبرإيراد نقد لأفراد منتسبين لها لشراكة الدم السابقة وملاحظات قدمت فيورش ، فمن الممكن تلخيصه في قولي "وحتى تعلن (قحت) بشكلمؤسسي وبوثيقة أو تصريح من الناطق الرسمي بأنها لن تعودللشراكة بأي صورة من الصور، وأنها لن تقبل إشراك الطرفينالمتحاربين في المعادلة السياسية، وأنها لن تشاركهما في صنعوتحديد هياكل الدولة ومؤسساتها وسلطاتها وتقديم دستورالمنحة الإنتقالي، وأنها لن تقبل بأقل من خضوعهما خضوعاً كاملاً للحكومة المدنية الخالصة، تظل (قحت) في موقع الشراكة، ويظل الجذريون في محطة الشراكة حتى تغادرها (قحت). ف(قحت) ليس مطلوب منها نقد الشراكة، بل مغادرة الشراكة، وهو ما لمتفعله حتى الآن. فهل المطلوب من الجذريين أن يغادروا هذه المحطة قبلتغادرها الجهة المعنية أم ماذا؟". والرد على مقاله الثالث الذي كرسه لنقد تحويل الهبوط الناعم لإتهام ووصفالتسوية والشراكة بأنها هبوط ناعم، فيمكن إيجازه في قولي " مفاد ماتقدم هو أن التسوية مع اللجنة الأمنية للإنقاذ هي هبوط ناعم، لأنها تحافظ على التمكين جوهر نظام الإنقاذ، وتشرك الإنقاذ فيمهمة تفكيكها توهماً، وتحبط مسار الثورة وتمنعها من تحقيقأهدافها، وهي تتم من مواقع عدم الثقة في جماهير شعبناوالإقرار بالهزيمة أمام اللجنة الأمنية للإنقاذ، وتقدم تنازلات تمنعتحقيق أهداف الثورة في الحرية والعدالة والسلام، في غياب تاملإدراك طبيعة العدو والقبول بالشراكة معه في السلطة. وبالطبعسوف نتوسع لاحقاً في هذه الأمور حين نأتي للرد على ما خطهصديقي د. صديق الزيلعي عن الحل السياسي". وفي ردي على مقال د. صديق الرابع الذي إعتبر موقف قوى التغيير الجذريمن البنك الدولي موقفاً شعاراتياً وغير واقعي ، حين صنفه على أنه موقفرافض للتعامل مطلقاً مع البنك الدولي، بدلاً من الرد عليه كموقف مطالببالتعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من مواقع السيادة، أوردتبإيجاز ما يلي:" و الخلاصة هي أن صديقي د. صديق الزيلعي قدتصور وجود موقف رافض للتعامل مع البنك الدولي وصندوقالنقد ورد عليه ناقداً، وهذا الموقف – إن وجد- هو ليس موقفيالوارد بمقالي الذي تعرض له بالنقد حتماً. فموقفي وموقف قوىالتغيير الجذري هو عدم الخضوع لروشتة صندوق النقد الدولي، والتعامل معه من مواقع السيادة لا التبعية، مع عدم التنكرللبرنامج الإسعافي الذي وضعته قوى الحرية والتغيير (قحت) قبل إنقسامها، ولا أظن بأن د. صديق يخالفنا في ذلك. ولكن(قحت) تنكبت هذا الطريق، ووافقت رئيس الوزراء السابق علىالخضوع التام لروشتة صندوق النقد الدولي والتعامل معه منمواقع التبعية، على عكس التجربة الفيتنامية التي ذكرها رئيسالوزراء نفسه في المؤتمر الإقتصادي على سبيل التهكم منإقتصاديي قوى الحرية والتغيير حينها، والتي قامت علىالتعامل مع الصندوق من مواقع السيادة الوطنية".
و إستطراداً في ترسيخ الفكرة عن إرتباط الهبوط الناعم بالشراكةوالتسوية، وفي ردي على مقاله الخامس المتعلق بالحل السياسيأوردت ما يلي:" والواضح مما تقدم ، أن الدكتور صديق يريدأن يلزمنا بموقف الحزب الشيوعي التاريخي في العام1999م من الحل السياسي أو التسوية التفاوضية، فيتجاوز صريح لإختلاف الظروف والمعطيات وطبيعة الصراعالعيانية الماثلة وتوازن قوى أطرافه، ووضع الحركةالجماهيرية من حيث الصعود و الإنحسار، وفي تجاهللمعطى الثورة نفسه الذي يفرض أسئلة مباشرة لم تكنموجودة في لحظة المذكرة التي نقل عنها. ولسنا بالطبع فيحاجة للقول بأن موقف الحزب الشيوعي التاريخي ذاك لاعلاقة له بواقع الصراع السياسي بعد ثورة ديسمبر المجيدة، وهو لا يصلح لنقله حرفياً ودون تدبر لواقع اليوم، وهو ليسموقفاً معلقاً خارج التاريخ من الحل السياسي، الذي يظلمعطى تاريخي لا مبدأ مجرداً خارج سياق الصراعالإجتماعي.ويجب حين يتم إستخدامه توضيح أسبابالإستخدام ، وتوفر شروط ذلك الإستخدام في اللحظةالتاريخية المعينة، وميزات هذا الإستخدام ومآلاته، وأثرهعلى مصالح شعبنا وحقوقه. وعلى الحزب الشيوعي وغيرهمن القوى السياسية في حال المناداة بالحل السياسي، توضيح أسس التسوية المطلوبة، و التنازلات التي يجبتقديمها للعدو، و الأهداف التي يمكن تحقيقها وما لا يمكنتحقيقه ويجب إسقاطه من برنامج حركة الجماهير، وإقناعالجماهير بذلك الإستخدام لا فرضه عليها". وفي الرد على المقال السادس لدكتور صديق الذي كرسه لنقد وجهةنظري القائلة بأن قوى التغيير الجذري تسعى إلى تفكيك التمكين فيحين تسعى (قحت) لإصلاحه، أوضحت كيف أن (قحت) لم تتعدمراحل الإصلاح الذي فشلت فيه وهو فشل كان حتمياً، ورددت علىحديثه حول غموض الجبهة القاعدية التي تنادي بها قوى التغييرالجذري ولخصت برنامجها و أسس تحالفها، وحددت طبيعتها كمايلي:" كل من يقبل بهذا الحد الادنى من غير الاسلاميين وغيرهم ممن يدعمون طرفي الحرب، هو عضو في الجبهةالقاعدية العريضة المطلوبة بكل تأكيد. الجبهة المطلوبة ، تقودها لجان المقاومة ، بعد إعادة هيكلةنشاطها في جميع المدن الاقليمية غير المتأثرة بالحرب ، على ان تبدأ من نشاط درء آثار الحرب ومواجهة مآسيهاالانسانية ، وان توسع قاعدتها بإستيعاب كل الناشطين فيالمجال الانساني والاغاثي ، وان تنفتح على المواطنينجميعاً بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية طالما انهممؤمنين ببرنامج الحد الادنى المذكور أعلاه. يساند اللجانتجمع المهنيين غير المختطف، والنقابات المهنية فيفرعياتها الاقليمية ، ومنظمات المجتمع المدني ، وتدعمهاالاحزاب السياسية الوطنية. يبدأ هذا النشاط في كل مدينة، لتفرز قيادة جبهوية للمدينة ، تنسق مع قيادة المدنالاخرى ، لتكون قيادة تنسيقية لكل المدن، وتجعل منالنهوض بالمهام المنوه عنها أعلاه أمرا متاحاً". وخلاصة ما تقدم هي أن الخلاف بين قوى التغيير الجذري و (قحت) خلاف استراتيجي يمنع التحالف بينها، أساسه عدم الإتفاق علىالعدو، الذي يؤسس لقبول (قحت) شراكات الدم مع اللجنة الأمنيةللإنقاذ، وهي غير راغبة في تجاوز ذلك ومستمرة في الدفاع عنالشراكة تحت مسمى العملية السياسية، وهذه العملية التي تقوم علىالتسوية عبر التفاوض تؤدي حتماً إلى شراكة وإقتسام للسلطة، حتىو إن كانت واجهة هذا الإقتسام (حكومة سلطة تنفيذية) مدنية كاملة، طالما أن أدوات إستخدام العنف (جيش، جنجويد وقوات نظامية)، تبقى خارج سلطة الحكومة الإنتقالية وفي يد اللجنة الأمنية للإنقاذ، وطالما أن هناك مجلس أمن ودفاع قراراته ملزمة لرئيس الوزراءمسيطر عليه من قبل هذه اللجنة أو أحد أطرافها. هذه التسويةوالشراكة تمثل إمتداداً لمشروع الهبوط الناعم، الذي يقوم على عدمالثقة في إرادة الجماهير، وعلى تعويم سلطة الإنقاذ وإشراكمعارضتها في السلطة من مواقع الهزيمة بناءاً على توازن الضعف. لذلك البديل يتقوم في جبهة قاعدية تقودها لجان المقاومة في تحالفمع القوى النقابية والمدنية الأخرى التي أنجزت الثورة، وبدعم منالأحزاب الوطنية، في تحالف تنسيقي يقوم على برنامج الثورةويقصي اللجنة الأمنية للإنقاذ ويسعى لإسقاطها، سلاحه الإضرابالسياسي العام والعصيان المدني، وإرادته إرادة الجماهير، وبرنامجهيقوم على سلطة الجماهير وسيادتها، وتعامله مع مؤسسات التمويلالدولية يقوم على التعامل من مواقع السيادة لا التبعية، في إدراك تاملتوازن القوى في حال الصعود الجماهيري ولطبيعة العدو، وعدمسحب لتجارب الماضي لتطبيقها حرفياً على حاضر مغاير، وفهم لمدىالترابط الديالكتيكي بين الحاضر والمستقبل والتكتيكي والإستراتيجيحتى لا يسقط في براثن الإنتهازية والتفكير الميكانيكي في ظل واقعمتحرك تترابط ظواهره وتؤثر في بعضها بعضاً. بقي أن أشكر صديقي د. صديق الزيلعي على هذا العصف الذهني، وعلى إحياء سنة الصراع الفكري الجماهيري، و على التواجد حيثالحوار الجاد، و أرجو أن يجد في ردودي ما يفيد. ودمتم