عودة الحركة إلى مطار الخرطوم هي عودة رمزية للتواصل مع العالم الخارجي    متى تسمح لطفلك بالحصول على جهاز ذكي؟ خبير أميركي يجيب    اللواء الركن (م) أسامة محمد احمد عبد السلام يكتب: ذكرى يوم (ب)    والي البحر الأحمر يلتقي المدير القطري لمشروع اليونيدو    السودان..الفاشر تهتزّ بهجوم ضخمٍ    ولاية الخرطوم تعتمد مقترحات تعديل في التقويم المدرسي    إن زدت في القصف.. زدناك عنادًا.. قسمًا لن نبرحها إلا بعز النصر..!    بلينغهام يعود للتهديف..ويقود ريال مدريد لفوز صعب على يوفنتوس    من خارج الخط    مشاهد متداولة لاستهداف مواقع إستراتيجية بالخرطوم.. ما حقيقتها؟    السودان يعلن عن اتّفاق مع روسيا    اختطاف تاجر في السودان    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الخميس23 أكتوبر2025    بدء الامتحانات المعرفية للدورة الثانية لعام 2025 للأطباء السودانيين    خلال لقائه رئيس مجلس تسيير المريخ بالقاهرة.. رئيس الاتحاد الرواندي يؤكد ترحيبه وموافقته المبدئية على مشاركة المريخ في الدوري الرواندي    المريخ يتعادل أمام الاتحاد الرياضي    هذه هي القومية التي ننشدها    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    «انتصار» تعلن عن طرح جزء جديد من مسلسل «راجل وست ستات»    علي الخضر يكتب: نظرة الى اتفاق الصخيرات .. لماذا تسعى الإمارات لتخريب مبادرة الرباعية ؟    السودان..قرار مفاجئ بتخفيض رسوم الجواز    رونالدو يتسبب بأزمة في الهند    معلومات مهمّة لمسؤول سكك حديد السودان    شاهد بالفيديو.. "ما بشيلها أبوي بدقني بقول لي أداك ليها منو" طالب سوداني في مرحلة الأساس يرفض إستلام حافز مالي بعد مقولته الشهيرة في الحصة: (أتبرع لأمي بكليتي وأنا أموت وأمي تعيش)    بالصورة والفيديو.. وجدوه بعد سنوات من البحث عنه.. شاهد: لقاء مؤثر بين معلم سوداني وتلاميذه السعوديين الذين قام بتدريسهم قبل أكثر من 40 عام    شاهد بالفيديو.. سيد الخطيب يفك طلاسم الطلقة الأولى في الحرب ويكشف حقائق جديدة    شاهد.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (نجوت من 3 محاولات اغتيال في نيالا والدور على عمر جبريل.. الضابطة "شيراز" زوجت إبنتها التي تبلغ من العمر 11 عام لأحد قيادات الدعم السريع والآن مستهدفة لهذا السبب)    تقرير: السودان تحول من مرحلة أزمة العملة إلى "ما بعد العملة"    تحذير من تموضع حوثي عبر غطاء إيراني قرب السواحل السودانية    إحباط تهريب مواد كيميائية وبضائع متنوعة بولاية نهر النيل    قوات الدفاع المدنى تنجح فى إنتشال رفاة جثتين قامت المليشيا المتمردة بإعدامهما والقت بهما داخل بئر بمنزل    وفاة الكاتب السوداني صاحب رواية "بيضة النعامة" رؤوف مسعد    ترامب: نهاية حماس ستكون وحشية إن لم تفعل الصواب    وزارة الدفاع الكولومبية تعلن دعم مشروع قانون يحظر أنشطة المرتزقة في البلاد    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    إيران تلغي "اتفاق القاهرة" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    بدء عمليات حصاد السمسم بالقضارف وسط تفاؤل كبير من المزارعين    ( "لينتي" كفكفت من عيني دمعات الليالي وجدتُ نفسي غارقا في الحب عاشقاً، محباً ومُريدا).. شاهد ماذا كتب العريس أحمد العربي لزوجته لينا يعقوب في أول يوم لهما بعد نهاية حفل زواجهما الأسطوري    ترامب يتوعد: سنقضي على حماس إن انتهكت اتفاق غزة    القضارف.. توجيه رئاسي بفك صادر الذرة    مدير شرطة اقليم الأزرق يثمن جهود إدارة المباحث الجنائية المركزية بالاقليم في كشف غموض العديد من الجرائم    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط عدد( 74) جوال نحاس بعطبرة وتوقف المتورطين    أسعار الذهب إلى أين؟    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    وزير الخارجية المصري: ننسق مع السعودية لإنهاء الحرب في السودان بسرعة    حكومة الجزيرة تدعم مركز القلب بمدني بمولد كهربائي 550 KV    القبض على الفنانة عشة الجبل    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا تبقى من اتفاقية السلام السودانية؟
نشر في الراكوبة يوم 11 - 11 - 2023

قرار الفريق عبد الفتاح البرهان قبل أيام بإعفاء اثنين من مسؤولي الحركات المسلحة في دارفور من منصبيهما الحكوميين، فتح النقاش والجدل مجدداً حول اتفاقية جوبا للسلام الموقعة بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة. فالاتفاقية التي كانت أصلاً موضع جدل منذ توقيعها في عام 2020، وضعتها الحرب الدائرة الآن تحت المجهر، وأثارت المزيد من الأسئلة حولها.
كثيرون رأوا أن الاتفاقية بدلاً من أن تسهم في تحقيق السلام، لا سيما في دارفور، فإنها وسعت دائرة الفوضى والمشاكل، وأدت لنقل النزاعات والصراعات إلى مناطق أخرى، وإلى ظهور المزيد من الحركات والكيانات المسلحة. آخرون رأوا فيها توزيعاً للمناصب والمكاسب، أكثر منها معالجة حقيقية لجذور مشاكل السودان، وإنهاء مسلسل الحروب. وقد أعطى عدد من قادة هذه الحركات منذ توقيع الاتفاقية، وعبْر عدد من المحطات والمواقف خلال السنوات المضطربة التي تلتها، حججاً قوية للمشككين في جدواها، ولمن يتهمونهم بأن همهم الأكبر ينصب على السلطة وصراع الكراسي.
الدكتور الهادي إدريس، رئيس حركة جيش تحرير السودان – المجلس الانتقالي، الذي أعفاه البرهان من منصبه في مجلس السيادة الانتقالي، شدد في بيانه الذي أعلن فيه رفضه للقرار على أن اختياره للمنصب تم بموجب اتفاقية جوبا، وأي مساس به يعني انهيار الاتفاقية. هذه الحجة استخدمها أيضاً وزير الثروة الحيوانية حافظ عبد النبي بعد إقالته؛ إذ قال إنه لا يعترف بالقرار؛ لأنه صادر من جهة فاقدة للشرعية الدستورية ومخالف لاتفاقية جوبا للسلام التي لوح بأنها «معرضة للانهيار».
الحقيقة أن اتفاقية جوبا أسقطتها عملياً الحركات المسلحة منذ أن انضمت أولاً إلى الانقلاب الذي أطاح بحكومة الدكتور عبد الله حمدوك في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم بموقفها من الحرب الدائرة اليوم. فإذا كانت قيادة هذه الحركات التقت في موقفها مع الانقلاب وآثرت الاحتفاظ بالمناصب والمكاسب، فإنها تفارقت إزاء الحرب بين من أعلنوا أنهم في الحياد، ومن اختاروا الانضمام إلى قوات «الدعم السريع» والقتال إلى جانبها ضد الجيش، أو من انحازوا إلى صف الجيش باعتبار أن المعركة الراهنة هي للدفاع عن السودان المهدد في وجوده ووحدته.
بالنسبة لحركات دارفور الموقعة على اتفاقية السلام، فإن مقعد الحياد ربما بدا لها مريحاً في البداية، بل مفيداً. أوضح تعبيرٍ عن ذلك جاء على لسان مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، عندما قال بشأن وقوفهم على الحياد، إنهم «مرة مع دُوْل (أي هؤلاء) ومرة مع دُوْل»؛ بمعنى تارة مع الجيش وتارة مع «الدعم السريع». فهذا الحياد يلخص تفكيرهم القائم على أنهم يكسبون وهم يرون «خصومهم» في الجيش و«الدعم السريع» يدمران قدراتهما ويضعفان قوتيهما.
لكن مقعد الحياد لم يعد مريحاً عندما امتدت حرب الخرطوم إلى دارفور، وبدأت قوات «الدعم السريع» تتمدد، وسيطرت على حاميات للجيش ودخلت نيالا والجنينة وزالنجي. ومع هذا التمدد، بل قبله، كانت تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية تتوالى بشأن ما يحدث في دارفور من مجازر وانتهاكات مريعة، وجهت الاتهامات فيها إلى قوات «الدعم السريع». وحذرت الأمم المتحدة من تكرار الأحداث والمذابح التي وصفت بالإبادة العرقية في مدينة الجنينة في يونيو (حزيران) الماضي، بينما عبرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن «قلقها البالغ» بعد التقارير التي تحدثت عن اختطاف النساء والفتيات واحتجازهن في «ظروف لا إنسانية تشبه العبودية»، يتعرضن فيها للاعتداءات الجنسية، وتزويجهن قسراً، واحتجازهن للحصول على فدية في المناطق التي تسيطر عليها قوات «الدعم السريع» في دارفور.
وبدأ كثيرون يتساءلون: من يمثل قادة هذه الحركات؟ ولمن يحتفظون بقواتهم إذا كانوا لا يدافعون عن الإقليم وأبنائه؟
فمناوي، وهو حاكم دارفور بمقتضى اتفاقية السلام، يقف متفرجاً على ما يحدث في الإقليم ولأهله، بينما والي شمال دارفور نمر عبد الرحمن يبث رسالة صوتية، وهو خارج الإقليم، يدعو فيها المواطنين للخروج من مدينة الفاشر؛ لضمان سلامتهم، انطلاقاً من التوقعات بأن المدينة ستكون ساحة مواجهات وشيكة بين الجيش وقوات «الدعم السريع» التي ترى المدينة باعتبارها آخر المواقع الكبيرة المهمة لإكمال سيطرتها على الإقليم.
ما يزيد موقف مناوي حرجاً أنه أقر بخطورة الوضع منذ أشهر عندما وصف في مقابلة أجريت معه في أغسطس (آب) الماضي، ما حدث من انتهاكات وفظائع في الجنينة ومناطق أخرى في دارفور ب«الإبادة الجماعية والتطهير العرقي»، وعلى الرغم من ذلك لم تتحرك قواته وقوات الحركات المسلحة الدارفورية الأخرى لصد الهجمة عن أهلهم. وقفوا متفرجين ومدن الإقليم تستباح، وآلاف السكان ينزحون لينضموا إلى أكثر من ثلاثة ملايين أجبروا على الهروب نحو دول الجوار، وعلى وجه الخصوص نحو تشاد.
الحركات المسلحة الدارفورية تجد نفسها في موقف صعب اليوم، ولافتة الحياد لم تعد مقنعة، بل بات كثيرون يدعونها للقتال ما يعني عملياً انحيازها إلى الجيش. في المقابل هناك من يرى أن هذه الحركات أو بعضها قد تتحالف اختياراً أو اضطراراً مع قوات «الدعم السريع» إذا اتجهت الأمور نحو سلخ الإقليم وإعلان حكومة موازية فيه، في تكرار للنموذج الليبي في السودان. تقديري أن مثل هذا التحالف مستبعد، وإن حدث لأسباب وقتية أو انتهازية فإنه لن يصمد، وسيقذف بدارفور في أتون حرب طاحنة أبشع من كل دورات الحروب السابقة التي عرفتها. فدارفور ليست متجانسة في تركيبتها القبلية، وبين «الدعم السريع» وبعض حركات دارفور تاريخ من الشكوك والمعارك، إضافة إلى أن كثيرين من أهل دارفور لا يؤيدون انفصال الإقليم.
الحرب الراهنة عرّت كثيراً من المواقف، وكشفت عن العديد من مواقع الخلل التي لا بد من النظر فيها ومعالجتها، بعد أن يتوقف الرصاص، واتفاقية جوبا للسلام من ضمنها بالتأكيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.