قام وفد من تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية " تقدم " بالدعوة للقاء طرفي الحرب الكارثية، العبثية، المتواصلة و المتمددة إلي كل بقاع السودان. .. الهدف من الدعوة هو إيجاد سبيل لوقف هذا الجنون الدامي الذي ترك السودان غثاء أحوي. و ترك الشعب هشيماً تحمله رياح الضياع إلي كل ناحية و صوب. تشتت الناس في الفلوات، و ماتوا في الطرقات .. بعضهم لم يجد حتي من يواريه الثري، و علق البعض في المعابر، و تحمل الناس ذل النزوح.. و ما أشد وجع الآباء و هم يرون مستقبل أبنائهم الدراسي يضيع أمام أعينهم. و تعلقت الأفئدة بالأهل في الداخل و هم تحت وابل من الجنون الغير ممنهج.. طائرات تقصف دون وعي و دانات تسقط دون هدف، فتحصد أرواح بريئة و تدمر مملتكات عزيزة، بناها أهلها بشق الأنفس فأحالوها الأبالسة هباءاً منثوراً و ركاماً.. يقود هذا التدمير الذاتي المسمى بالحرب، قائد عصابات المؤتمر الوطني و حاضنته من الأبالسة من جماعة الهوس الديني، قائد ما يطلق عليه " الجيش" .. الطرف الآخر يقوده رئيس عصابات الجنجويد المتفلتة بحكم قانون نشأتها و تكوينهاو تأسيسها بواسطة ذات جماعة الهوس الديني. مجرمي الحرب هؤلاء، عندما كانوا معاً قتلونا دون رحمة، و عندما إختلفوا دمرونا دون رحمة.. و لأنهم من نفس " الرحم" كما حدثونا دائما فإن رغبة ثأرهم من الشعب و الثورة لا تحدها حدود.. و رغم أنهم أحالوا البلاد إلي رماد و العباد إلي مشردين، ضائعين و هائمين يبحثون عن ظل و مأوى أو بقعة آمنة لا تنتاشهم فيها دانة تائهة أو رصاصة طائشة.. رغم كل هذا الألم و الدمار لا تزال شهوتهم للقتل و التدمير لا تشبع أو تستكين. إستجاب قائد الجنجويد للدعوة و قابل وفد تقدم بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.. و قد قابله أعضاء الوفد بحرارة لا تليق بحجم ما إرتكبته قواته بالبلاد و العباد.. بعضهم عانقه "بالاحضان" كأن قواته لم تقتل أو تنهب أو تغتصب و تهجر ملايين البشر و تهدم كل ما بني منذ الإستقلال بصورة ممنهجة و مؤسسة. كان ينبغي أن يدخل وفد تقدم و يتجه إلي طاولة المفاوضات في الجهة المقابلة، و يطرح رؤيته و مطالبه لقواته بالتوقف الفوري عن القتل و علي الأقل الخروج عن منازل المواطنين دون قيد أو شرط.. و ما كان ينبغي أن يُقابل بعض ما يقول بالتصفيق !. أُدرك أن الناس بمجموعها و أفرادها تكره " الكيزان " و تود أن تراهم في سقر، جزاءاً وفاقا، و أعلم أن الناس تعامل الجيش كمليشيا لا تقل قبحاً عن الجنجويد إن لم تزد.. و لكن ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نناصر الجنجويد و نكافئهم علي كل الموبقات التي إرتكبوها… أو نصدق ترهات حديثهم عن الديمقراطية و حكم القانون و أنهم مع التحول المدني الديمقراطي.. و من يظن أن من قتلنا في دارفور و في أسوار القيادة و إستباح بيوتنا حيث سار و حل سيمنحنا حكما مدنيا، فإما مغيب أو مغفل..و للأسف فإن مناصرة الجيش تعني مناصرة كرتي و أسامة عبد الله و أنس عمر و بقية الفئة الباغية.. هذه هي فتنة الناس في أوطانها.. قائد الجنجويد يتحدث عن انه قد حدثت " بعض " التفلتات، و بالطبع هو لا يدري ان ما ترتكبه عصاباته ضد المدنيين و ممتلكاتهم تسمي جرائم حرب و ليس " تفلتات" !. و ربما يعلم أن قواته ما أن تدخل مدينة أو قرية حتي يفر منها البشر و الحجر من هول الفظائع التي ترتكبها.. إن محاولة بعض مستشاريه علي الفضائيات بتجميل صورة عصاباتهم لن تجدي فتيلا، فقد عرف الناس مخبرهم و ذاقوا مرهم. أقول، حسناً فعلت تقدم بدعوة أسباب الهلاك إلي الطاولة عسي أن ينير الله بصيرتهم و يوقفوا هذه الحرب الخاسرة للحفاظ علي ما تبقي من وطن علي أمل إعادة بناء بعض ما دمر و ذلك سوف يستغرق أجيالاً و أموالاً لا حول لنا بها و لا قوة. و ليس بوارد أن نحصل علي مشروع مارشال سوداني. إذا فشلت مساعي تقدم في إقناع مصاصي الدماء هؤلاء بوقف القتل، عليهم التوجه إلي المؤسسات الدولية لتفعيل البند السابع لإقتلاع هذا الكابوس عن صدور و أرض أمتنا.. هذا دواء كالحنظل و لكنه ربما يكون العلاج الوحيد المتاح لوقف هذا الجنون و العبث. د. معتصم بخاري