برفض الجيش للسلام، ظنا منه ان ذلك استسلام للجنجويد، فوت على نفسه فرصة ان يكون قائد السودان بالفعل، وفوت على السودانيين في دارفور والجزيرة والخرطوم فرصة السلام والامان والاطمئنان . لمدة عشرة أشهر حسوما يرفض الجيش خطاب القوى السياسية الثورية الداعي للسلام، ويستمع لخطاب الكيزان والفلول الداعي للحرب، ويجعل الشعب السوداني عرضة لجرائم الجنجويد وللقصف بالطائرات والمدافع والموت جوعا ومرضا ونزوحا. ما فعله البرابرة الجنجويد بالمناطق التي دخلوها، هو ما دربهم عليه هذا الجيش، فهذه المليشيا انتجها الكيزان والجيش من أجل أن تقوم بهذا الدور القذر في الحرب، لذلك توقع ان تقوم هذه المليشيا بفعل غير الذي تفعله، هو كتوقع المطر من السحاب الخلب. ورغم جرائم قواتها، أبدت قيادة الدعم السريع ميلا واضحا نحو السلام، وذلك بتوقيعها على وثيقة ايقاف الحرب التي قدمتها تنسيقية تقدم، بينما ما يزال الجيش يستمع للكيزان ويرفض التوقيع على هذه الوثيقة، التي لو وقعها اليوم لتوقفت الحرب. نعم أذلت هذه المليشيا الجيش، وهزمته في دارفور، وجعلت صورته مهزوزة في اذهان الكل، ولكنه جزاءا وفاقا لما فعله الجيش حين انتجها ودربها وسمح لها بفعل كل هذه الأفعال في دارفور من قبل، لذلك كان المتوقع ان يتعامل الجيش بالحكمة، ما دام انه المتسبب في وجود هذه المليشيا، خاصة وانه يمسك بسلطة البلد، وأن يجنح للسلام، وأن يكون المبادر قبل المليشيا نحو كل مبادرات السلام من أجل أن يتم طي هذه المحنة المظلمة على شعب السودان، وتقييد هذه المليشيا بحبل اتفاق سلام مرعي دوليا يقود إلى دمجها وغيرها من الكتائب والمليشيات في جيش واحد. ولكن بدل ان يتعامل الجيش من منطلق المسؤول، ومن موقع القائد، تعامل بعدم مسؤولية، وبلا أدنى حساب لوجوده في سدة الحكم لكل السودان، فضرب بكل مبادرات السلام عرض الحائط، بل رفض حتى دعوات ضباطه بالذهاب للتفاوض لايقاف الحرب، وأظهر انه بعيد كل البعد عن الحكمة والتعقل، وانه أعمى أصم أبكم، مليء بالحقد على المليشيا وعلى الشعب وعلى الايقاد وعلى الاممالمتحدة، وعلى كل شيء تقريبا. أضاع الجيش بهذه الرعونة والصبيانية فرص عظيمة لتحقيق السلام وتجنيب الشعب والبلاد ويلات الحرب وفاتورتها الباهظة، وجعل كل شيء في السودان في مهب الريح. لذلك محاولة وزارة الخارجية الكيزانية تجميل وجه الجيش وتقبيح وجه الدعم السريع في بياناتها الموجهه للمجتمع الدولي هو محاولة خاسرة لن يأبه لها احد في العالم، فهذه المليشيا انتجها الجيش والكيزان، ودافعوا عن وجودها وجرائمها سنينا عددا في وجه كل من استنكرها، وكان عليهم ان يرضوا بالاتفاق الاطاريء الذي تضمن دمجها داخل الجيش سلميا، بدل مقاتلتها في الشوارع، وتحويل ارض السودان لجحيم من المعاناة والبؤس والنزوح والتشريد، في مشاهد لم يكن يتصور حدوثها أكثر الناس تشاؤما. مازال بالامكان ان تستمع قيادة الجيش لصوت العقل، وتجنح للسلام، وتوقع على وثيقة تقدم، وتفك تجميدها داخل الايقاد، وتعلن عن وقف فوري لاطلاق النار في كل أنحاء السودان من أجل إيصال المساعدات الانسانية لشعب السودان الذي يموت جوعا في الطرقات، وتدخل في حوار جاد يوقف الحرب وينهي هذه الحقبة المظلمة من تاريخ السودان. وليعلم قادة وجنود الجيش ان الشجاعة ليست ركوب الطائرات، أو الجلوس في ظل ظليل وإرسال المسيرات لتقاتل نيابة عنهم، أو القتال في الازقة والشوارع، بينما يموت الشعب في طول البلاد وعرضها بالجوع والمرض والفقر بسبب هذه الحرب، وانما الشجاعة هي صناعة السلام، وانقاذ الشعب من محنته وجوعه ومرضه ونزوحه، وإغلاق أبواب الحروب والفتن بالجنوح للسلام والحوار الجاد والحر بين أبناء السودان.