اتفقت قوى الحرية والتغيير مع الجيش في الوثيقة الدستورية كند، ولم توقع له على بياض كما يفعل الداعمين له في الحرب الحالية، لذلك حين عجز الجيش عن ان يفعل ما يريد فب وجود قوى الحرية والتغيير وهو إعادة الكيزان والفلول للحكم، اعادة هيئة العمليات، واعادة الشمولية والدكتاتورية العسكرية الكيزانية، قام بالانقلاب عليها وابعدها تماما عن الحكم. لو ظلت قحت حاكمة حتى الآن كنا وصلنا الان الى الانتخابات وليس الحرب، العراقيل التي وضعها جيش الكيزان وفلوله امام حكومات الثورة هي التي أخرت تنفيذ مطلوبات الاتفاق السياسي والوصول الى المدنية، مضافا إلى ذلك الخلافات غير المبررة داخل الجسد الثوري نفسه. التقديرات التي بنت عليها قوى الحرية والتغيير اتفاقها مع العسكر كانت سليمة، الذي لم يكن سليما هو الجيش نفسه واجهزته العسكرية، حيث انهم لم يلتزموا بما يليهم من إصلاح الجيش والمؤسسات العسكرية وحفظ الامن والقضاء على الفوضى الأمنية. اما حكومات قحت فقد نجحت في ما يليها من أمور مدنية تبع الحكم مثل نجاحها في العلاقات الخارجية وإعادة السودان لحضن العالم واخراجه من سجن الحصار، إعفاء ديون السودان، جلب اموال من الاصدقاء، اعادة ربط النظام المصرفي السوداني مع العالم، احياء الثقافة السودانية وعكسها عالميا، السلام حيث توقفت الحرب تماما بما فيها الحرب مع الحلو، تعافى الاقتصاد بصورة ملحوظة، انتشرت الحرية في البلد حيث لم يعد هناك بيوت أشباح ولا جهاز امن يعتقل الناس متى شاء وكيف شاء، ونتيجة لذلك شعر السوداني في كل مكان انه يملك حكومات تنفيذية فيها خبرات عالمية وفيها قدرات مدنية يمكنها ان تقود في المستقبل القريب لظهور عمالقة في الحكم المدني من شباب الاجيال الجديدة. كل ذلك لم يعجب العساكر الكيزان فنجاح الحكم المدني في ملفات الخارجية والاقتصاد والسلام والحريات يعني عمليا انتصار الثورة وهيمنتها على القرار وتحول الجيش والمؤسسات العسكرية تدريجيا نحو الثقة في الجسم المدني وبالتالي العبور نحو سودان مدني ديمقراطي يحميه جيش مؤمن بدوره في حماية المدنية وليس الوصاية عليها، وهذا بالضبط ما قاد قادة الجيش والجنجويد الى إثارة الفوضى وجمع الكيزان والفلول والاحزاب الدينية والادارات الاهلية الكيزانية وبعض الحركات والفلول واثاروا الفوضى والاعتصامات المخطط لها لدعم الانقلاب، ساعدهم في ذلك انقسام القوى الثورية غير المبرر، وكانت النتيجة انقلاب 25/اكتوبر بقيادة برهان وحميدتي. راجعت قوى الحرية والتغيير كل نشاطها خلال الحكم وانتقدته علنا، وهي بالمناسبة لم تحكم فعليا سوى اقل من سنتين عبر مجلس الوزراء، راجعت قحت فترة شراكتها في ورش عمل متخصصة شاهدها الجميع وشاركت فيها كل أجسام الثورة الا من ابى، وصدرت عن هذه المراجعات والنقد رؤية جديدة متوائمة مع دستور لجنة المحامين، وتبلور كل هذا في مسودة الاتفاق الاطاريء التي وافقت عليها القوى الدولية الاممالمتحدة والاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي والرباعية الدولية (امريكا، بريطانيا، السعودية، الامارات) ثم تم تقديمها للمؤسسة العسكرية بجيشها ودعمها فوافقوا عليها، وكان الاتفاق الاطاريء ينص على إقامة حكومة مدنية كاملة وخروج الجيش من السياسة وذهابه الى ثكناته ودمج الدعم السريع داخله. في ورش متخصصة تم الاتفاق على كل شيء داخل الاتفاق الاطاريء ووقع الجيش والدعم السريع على كل شيء وأعلن يوم التوقيع النهائى في 6/ ابريل وفجأة انسحب الجيش والشرطة وجهاز الامن، معللين انسحابهم باعتراضهم على نقاط في عملية الإصلاح العسكري، مع انها نقاط يمكن حسمها، ولكنها نية الغدر التي قادتهم من قبل للغدر بشراكة الوثيقة الدستورية. تم التواصل معهم من أجل المعالجة وكانت هناك مقترحات متعددة يمكن أن تقود احداها لمعالجة هذه القضايا غير الحاسمة، وكان متفقا ان يلتقي قادة الجيش والدعم السريع وقوى الاطاريء في لقاء في 15/ابريل لمعالجة هذه الإشكاليات، لكن الكيزان قاموا بإطلاق الحرب فجر ذلك اليوم المحدد عبر استهداف معسكرات الدعم السريع في سوبا والمدينة الرياضية، ولأن الدعم السريع كان يتوقع هذه الضربة من جماعة خبرها ونشأ تحتها فقد كان جاهزا للرد، وحدث ما حدث. هذه الحرب أطلقها الكيزان من أجل ايقاف التحول المدني الديمقراطي والوقوف معها ودعمها سواء بدعم الجيش او دعم الدعم السريع يحقق هذا الهدف، لأن اي منتصر من هذين الطرفين سيحكم السودان بشمولية دكتاتورية دموية ، هذا غير ان استمرار الحرب نفسه سيهدد السودان ويقتل شعبه وينسف حلم شهداء الثورة بالمدنية، لذلك الوقوف ضد الحرب ومحاصرة خطابها الذي يحاول ان يصور انها حرب وجودية للحفاظ على الدولة كما يقول انصار الجيش او حرب لهزيمة دولة 56 كما يقول انصار الدعم السريع، هو الخيار الثوري والوطني، فهذه حرب نتجت عن فعل كيزاني ورد فعل جنجويدي، ثم زادت اوراها الانتهاكات ووجد الجيش والكيزان ضالتهم في خداع الشعب المسكين بهذه الانتهاكات من أجل أن يستعيدوا مكانتهم في الدولة التي أوشك الاتفاق الاطاريء ان يحرمهم منها إلى الأبد. الشعب يجب ان لا ينحاز لاي طرف في هذه الحرب العبثبة لان نتائجها لا تخدم مصالحه، ومصلحته موجودة فقط في ان يشكل جبهة مدنية كالتي صنعها في ثورة ديسمبر ثم يخرج هادرا في وجه الجنرالات وحربهم ومن لف لفهم لكي يفرض شروطه كشعب يملك هذه الأرض وهو سيدها وكل جيش او مليشيا او غيره هي مجرد خادم له وليس سيدة عليه. في ظل عدم تكون هذه الجبهة الشعبية المدنية لفرض رأي الشعب من الداخل حتى الآن، فان قوى الحرية والتغيير وقوى الاتفاق الاطاريء تعمل على فرض شروط الشعب من خلال القوى الناعمة الدبلوماسية دوليا عبر محاصرة اي هيمنة للجنرالات في المفاوضات لكي لا ينفردوا بالقرار حول مصير البلد، وهذا الموقف هو أقوى موقف سياسي موجود الان، حيث استطاع هذا الموقف ان يفرض على الطرفين أن يجلسا للتفاوض تحت شروط الشعب بإقامة حكم مدني وليس حكومة شمولية، وطبعا هذا خط أحمر للكيزان، لذلك الان الكيزان ضد التفاوض ليس لأنهم يريدون هزيمة الجنجويد وانما لان التفاوض لا يلبي مصالحهم في إقامة دولة شمولية عسكرية. قوى الحرية والتغيير وقوى الاطاريء اغلقت الأبواب على الكيزان في كل مكان ولم يبق لهم إلا أن ينتحروا في هذه الحرب الى النهاية، وهنا يأتي دور الشعب ان ينتبه ويعلم ان هؤلاء المهووسين سيحرقون السودان باجمعه على ان لا يعود إلى المدنية، مما سيجعله ينتفض من الداخل ويحيل نهار الجنرالات ليلا. وانا منتصرون بإعادة المدنية لا محالة ولن تعود العسكرية الكيزانية ابدا ✌️ يوسف السندي