عبد الله علي ابراهيم ما زال يعتقد أن بإمكان الدولة أن تكون شمولية أو ديمقراطية وطبعا في طيات النظم الشمولية نجد النازية والفاشية والشيوعية وما أفرزته تجربة الحركات الإسلامية كما رأينا تجربة الحركة الإسلامية السودانية في السودان خلال ثلاثة عقود وكيف كان عبد الله علي ابراهيم متواطئ مع خطاب الحركة الإسلامية السودانية خلال ثلاثة عقود وإطمئنان عبد الله علي ابراهيم الى فكرة أن تجربة الحركة الإسلامية تحسب لها بأنها محاولة لتأسيس دولة دينية آتية من ضعف منهجه وهذا ما يجعل عبد الله علي ابراهيم لا يتحرج من أن يكتب ما يدينه على المدى البعيد في نظر أجيال قادمة ستغربل تجريف عبد الله علي ابراهيم لحقول الفكر. في الحقيقة عندما ترصد هفوات عبدالله علي ابراهيم وإطمئنانه لما يكتب بلا خوف ولا وجل من أن فكره ضعيف في نظر أجيال المستقبل تجد سببه ضعف منهجه وبسببه ما زال عبدالله علي ابراهيم يعيش حالة إلتباس تغطي بصره بغشاوة تمنعه من رؤية وإدراك مفهوم الدولة الحديثة وإدراك التحول في المفاهيم فيما يتعلق بممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية وليست دولة ما بعد الإستعمار. نضرب مثل بإلتباس بمفهوم الدولة الدينية التي يعتبرها عبدالله علي ابراهيم جائزة الوجوب ويمكن أن تكون في مجتمعنا الحديث وعليه لا يتحرج بأن يتواطى مع خطاب الإسلاميين السودانيين وايمانهم التقليدي هنا يظهر لنا ضعف منهج عبدالله علي ابراهيم مقارنة بمنهج ماكس فيبر وحديثه عن مفهوم الدولة الحديثة وفيها قد أصبح الخطاب الديني غير قادر على لعب أي دور بنيوي على صعد السياسة والإجتماع والإقتصاد. عند ماكس فيبر وهو يتحدث عن زوال سحر العالم أي الايمان التقليدي وزوال سحر العالم قد أصبح فيه الدين بفضل أفكار الإصلاح الديني في مستوى دين الخروج من الدين كما تحدث عنه عالم الإجتماع الفرنسي مارسيل غوشيه في إستلافه من ماكس فيبر فكرة زوال سحر العالم أي أن ظاهرة المجتمع البشري قد تخطت الخطاب الديني المقيّد لأمثال عبدالله علي ابراهيم وعليه مفهوم الدولة الحديثة عند ماكس فيبر تظهر فيه عقلانية الرأسمالية وعلاقتها الطردية بين الرأسمالية والديمقراطية وعلاقتها العكسية مع الشيوعية وهكذا يسير نهر فكر ماكس فيبر من منبعه مرورا بإحياء أفكار توكفيل وديمقراطيته الى أن يصل الى نهاية التاريخ والإنسان الأخير عند فوكوياما ليصبح عنده أن تاريخ البشرية قد توج بالتاريخ الذي لا يتوج أي تاريخ الفكر الليبرالي كأجود مفسر لظاهرة المجتمع البشري. وهنا يقبع عبدالله علي ابراهيم في موقف المفضوح لأنه دوما يجيد اللعب في منطقة مظللة يزدهر فيها الفكر المؤقت والعابر فعند ماكس فيبر الشيوعية نتاج لحظة إضطراب فكر وأزمنة مضطربة لذلك لم تقدم غير فكر عابر ومؤقت مثل النازية والفاشية وفعلا يمكنك الآن أن تسأل أين النازية والفاشية والشيوعية؟ ومن هنا يمكنني أن أقول لك بعد ثلاثة عقود سيلحق خطاب الكيزان في زواله النازية والفاشية والشيوعية لأنه فكر أي فكر الكيزان لا يزدهر إلا كفكر مؤقت وعابر في زمن مضطرب وخاصة أن العالم يعيش في ظلال خيانة أوروبا للتنوير. على عبدالله علي ابراهيم أن يفرّق بين خيانة أوروبا للتنوير وما قدمته من أفكار كأفكار الحداثة وأفكار عقل الأنوار وهي وحدها القادرة على فعل القطيعة مع التراث وبعده يكون الإنعتاق من فكر دولة الإرادة الإلهية لأن عالمنا اليوم مبني على قاعدة مجد العقلانية وإبداع العقل البشري لذلك مفهوم الدولة الحديثة عند ماكس فيبر وفوكوياما تجسده ما وصلت لتحقيقه دولة كالسويد في تحقيق معادلة الحرية والعدالة مقارنة بحالة اللا دولة الموجودة في الصومال ولكن في نظر عبدالله علي ابراهيم كله عند العرب صابون. المهم عندي في هذا المقال هو أن عبدالله علي ابراهيم أسير منهج ضعيف لدرجة تجعله عاجز عن إدراك عقلانية الرأسمالية عند ماكس فيبر وهنا ينفتح لنا الباب لمقارنة عبدالله علي ابراهيم بماكس فيبر حتى يتضح لنا الفرق بينهما وهو أن ماكس فيبر مؤرخ وعالم إجتماع وإقتصادي وقانوني وعبد الله علي ابراهيم لا يمكن أن تجد له وصف غير أنه مؤرخ تقليدي في كل كتاباته غابت النظريات الإقتصادية وأفكار تاريخ الفكر الإقتصادي ونظريات النمو الإقتصادي وهذا ما يجعل عبد الله علي ابراهيم يساوي بين النظم الديمقراطية والنظم الشمولية ففي نظره لا فرق بينهما وهذا هو الفرق بينه وماكس فيبر في مفهوم الدولة الحديثة. عند عبدالله علي ابراهيم لا فرق بين الوضعية في وثوقياتها وحتمايتها عند سان سايمون اوجست كونت وماركس ودوركهايم وماكس فيبر ولكن في حقيقة الأمر هناك فرق بينهم وخاصة فيما يتعلق بعقلانية ماكس فيبر التي إستخلصها من فكر النظريات الإقتصادية وهنا يأتي دور الشرط الإنساني الغائب من أفق عبدالله علي ابراهيم الفكري. المهم في الأمر حالة الإلتباس في المفاهيم المسيطرة على فكر عبدالله علي ابراهيم كانت في أوروبا موجودة وسط مفكرين كثر مثلا مارتن هيدجر وقد تورط مع النازيين وهذا ما حيّر كثير من المفكريين الى اليوم في أمره أي كيف مفكر وفيلسوف بعظمة مارتن هيدجر يقع في ظلال الفكر النازي؟ كفكر شمولي نتاج إضطراب ولا يزدهر إلا في زمن عابر ومؤقت كالشيوعية والنازية والفاشية وفي زمننا الراهن في فكر الكيزان. وحتى في أوروبا الغربية ظهرت أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة وأيضا كانوا في حالة إلتباس فكري فيما يتعلق بمفهوم الدولة الحديثة ومفهوم ممارسة السلطة في المجتمعات الحديثة بل كانوا يساون بين النظم الديمقراطية والنظم الشمولية مثلهم مثل عبدالله علي ابراهيم ولكن الفرق بين فلاسفة ما بعد الحداثة وفكرهم في أوروبا فقد تصدى لهم فلاسفة وقدموا نقد لأفكار ما بعد الحداثة مما جعلهم يتراجعون عن فكرة مساواتهم بين النظم الديمقراطية والنظم الشمولية كحالة عبدالله علي ابراهيم اليوم فمن يتصدى له وهو البارع في الإزدهار في زمن العابر المؤقت وقد رأينا تماهيه مع الكيزان وكيف كان يتغنى طربا وفرحا بزيارة السائحين والدبابين له وقد غنى حبايبي الحلوين أهلا جوني و أنا ما قايل سايحيين زي ديل بزوروني. وكذلك غنى عبدالله علي ابراهيم كلام الحب كله قلتوه بس كلامي أنا الما عرفتوه ويقصد علاقته وتواطؤه مع الكيزان في فكرهم العابر والمؤقت. ففكر عبدالله علي ابراهيم هو فكر يساوي بين النظم الشمولية والنظم الديمقراطية كما كانت أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة وكما قلنا أفكار ما بعد الحداثة تصدى لها فلاسفة كثر وأجبروهم على التراجع وكساد الفكر وغياب النقد في السودان جعل عبدالله علي ابراهيم مطمئن لأفكار ما بعد الحداثة حتى اليوم وهذا هو الفرق بين مجتمعنا السوداني التقليدي ومؤرخه التقليدي أي عبدالله علي ابراهيم والفرق بينه والمجتمعات الحديثة وقد أجبرت فلاسفة ما بعد الحداثة على التراجع وشتان ما بين عبدالله علي ابراهيم وميشيل فوكو ولكن غياب النقد وسط النخب السودانية يجعل عبدالله علي ابراهيم وكأنه البلاد أم سعد لا يقرب منها أحد. على العموم عبدالله علي ابراهيم يقدم حالة يمكن دراستها من بين النخب السودانية وهو غير قادر على مفارقة أفكار المجتمعات التقليدية وبالمناسبة حالة مساوات عبدالله علي ابراهيم بين النظم الديمقراطية والنظم الشمولية يمكن أخذها كمؤشر لكيفية تطور الأفكار وهي لا تبشر بخير لأنها أي هذه المؤشرات التي تشجع عبدالله علي ابراهيم ليبث أفكاره المتأخرة عن أفكار العالم المتقدم بنصف قرن تدل على أن المسافة الزمنية بين المجتمعات الحديثة ومجتمعنا السوداني التقليدي تقدر بنصف قرن وعليه أن مسألة التحول في المفاهيم وسط النخب السودانية يحتاج لزمن طويل وخاصة في غياب التفكير النقدي وسيطرة الوثوقيات والحتميات وسط النخب السودانية من أقصى اليسار الرث الى أقصى اليمين الغائص في وحل الفكر الديني. فكر النازية والفاشية والشيوعية كفكر مؤقت وعابر كلف أوروبا دم وعرق ودموع وعليه أن خطاب الايمان التقليدي وتواطؤ أمثال عبدالله علي ابراهيم معه بل ما زال يعتقد بأن الدولة يمكنها أن تكون دولة دينية مؤشر على كساد فكر الفكاك منه مكلف جدا ويحتاج لزمن طويل فنحن ما زلنا في مجتمع تقليدي يشيّع فيه موتى الشيوعين السودانيين بنوبة الصوفية وهنا يصبح لا فرق بين عبدالله علي ابراهيم والشيوعي السوداني والمجاذيب. حالة عبدالله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي يعالجها وصف ابن خلدون للمؤرخيين التقليديين ووصفهم بأنهم مقلدون بلداء الطبع والعقل ويغفلون عما يحدث في التاريخ من تغيّر مستمر ويستمر ابن خلدون في وصفهم ويقول فيجلبون الأخبار عن الدول وحكايات الوقائع في العصور الاولي صورا قد تجردت عن موادها وصفاحا أنتضيت من أغمادها وهذا ينطبق على عبدالله علي ابراهيم ويظهر في مساواته بين الدولة الدينية والدولة الحديثة. نقد ابن خلدون للمؤرخيين البلداء كحالة عبدالله علي ابراهيم نجده يتطابق مع رأي كلود ليفي اشتروس عن سارتر في دفاعه عن الشيوعية كنظام شمولي حيث نجد كلود ليفي اشتروس يصف سارتر بأنه يجهل علم الإجتماع وهذا سبب دفاعه عن الشيوعية كنظام شمولي بغيض ولا يقل جهل عبدالله علي ابراهيم عن جهل سارتر فيما يتعلق بعلم الإجتماع. وفي غياب النقد في الساحة السودانية يظل عبدالله علي ابراهيم رغم بؤس فكره مبجل ومقدس ولا يجوز نقده والسبب لأن توضيح نقاط ضعف عبدالله وجهله بعلم الإجتماع وجهله بالنظريات الإقتصادية وتاريخ الفكر الإقتصادي تكشف معه جهل كثير من المفكرين السودانيين بهذه الحقول الفكرية وأدبياتها لهذا يسكتون ويعم الصمت عن هفوات عبدالله علي ابراهيم لأن صمتهم فيه حمياتهم حيث لا ينكشف جهلهم بعلم الإجتماع والنظريات الإقتصادية وتاريخ الفكر الإقتصادي وفوق كل ذلك معرفتهم بالشرط الإنساني الذي لا يسمح بإزدهار أحزاب أتباع المرشد والامام والختم والأستاذ الشيوعي الذي ينسب له الحزب الشيوعي السوداني في نسخته السودانية المتكلسة. في ختام هذا المقال نقول لعبدالله علي ابراهيم حالة كساد الفكر في غياب النقد ومشاريعه النقدية تصب لصالحه فيمكنه أن يستمر في تواطؤه مع خطاب الإسلام السياسي وفي مساواته بين النظم الشمولية والنظم الديمقراطية لأن حالة الفكر ورياحها تسير بإتجاه ما يريده إلا أن مداها في الزمن قصير في أحسن الأحوال لا يتخطى مدى ديناميكية إقتصادية لا يتجاوز مداها الثلاثة عقود وبعدها سيكون حال العالم العربي والإسلامي التقليدي غير وسيكون فكر عبدالله علي ابراهيم امام الرياح هباء في نظر أجيال آتية من جهة المستقبل البعيد. ونذكر من المفارقات العجيبة أن كثير من فلاسفة أوروبا وعلماء إجتماعها واقتصادييها ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر عمانويل تود وريجيس دوبريه ومارسيل غوشيه يقولون أن كل المؤشرات تقول أن حالة العالم العربي التقليدي مسألة زمن لا غير وستلحق بالمجتمعات الاوروبية وحينها يسهل التفريق بين النظم الشمولية والنظم الديمقراطية بكل سهولة ويسر وتوافقهم على قولهم نظريات النمو الإقتصادي وحينها لا تعمل غير معادلة الحرية والعدالة فاذا نجحت السعودية في التحول في اقتصادها بفضل مشروع 2030 ستكون علاقتها بالديمقراطية طردية ولا مخرج لها غير الإصلاح السياسي على المدى البعيد لأن علاقة الديمقراطية طردية مع الرأسمالية والتحول الرأسمالي في السعودية. فحتى السعودية وهي تساعد مع دول الخليج مصر لتخرج من إختناقاتها الإقتصادية كما رأينا مليارات رأس الحكمة وستتبعها مليارات سعودية ستفتح على تطور رأسمالي في ظل أزمة حكم تسلطي يريد السيسي تأسيسه في مصر ولكن حينها للتطور الرأسمالي حكمه وحينها ستصحى مصر على كوابيسها على مدى الثلاثة عقود القادمة فالتغيير لا محالة قادم ومن يقفل أبواب التاريخ الأمامية سيتفاجا بإنفجارات أبواب التاريخ الخلفية وهذا ما ينتظر مصر والسعودية ودول الخليخ في الثلاثة عقود القادمة. [email protected]