سبحان ربي مغير الاحوال… سبحان الله الذي ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير من حال الي حال. في مثل هذا اليوم أمس الاثنين 6/ مايو 2023م – من العام الماضي ، كانت العاصمة المثلثة قطعة من الجحيم كل ركن من أركانها اشتعلت فيها المعارك الضارية بين القوات المسلحة وقوات "الدعم السريع"، وما كان هناك من اماكن صغيرة او كبيرة بالعاصمة المثلثة وضواحيها الا خرجت منها رائحة الجثث الملقاه بإهمال شديد في الشوارع والأزقة والحواري ، وملأ دخان البارود السماء وكساه بلون أسود غامق طغى علي كل شيء. ولست هنا بصدد الكتابة وتكرار الحديث عن أحداث الحرب التي يعرف الجميع داخل السودان وخارجه تفاصيلها الدقيقة بفضل الصحف السودانية والاجنبية والمحطات الفضائية وبقية وسائل الاتصالات المتنوعة ، وكيف أن كثير من خفاياها وأسرارها قد تكشفت مع مر الايام ، ولكن بصدد الكتابة عن هذا التغيير الغريب المريب الذي طرأ في ساحات المعارك فجأة وبدون سابق انذار او مقدمات بعد عام و(21) يوم من بدءها في العام الماضي؟!! . ماسر هذا الغموض في الهدوء الذي حل بساحات المعارك اليوم ، وما عادت هناك مناوشات وكر وفر بين الطرفين المتقاتلتين ، وأصبحت الطائرت الحربية هي وحدها التي تتحمل المعارك نيابة عن بقية الوحدات العسكرية في القوات المسلحة ، ونيابة عن "الكتائب الاسلامية" وتنظيم "المستنفرين" وجماعة "التقراي" الاثيوبية التي انضمت أخيرا تحارب جنبا الي جنب مع جماعة "براء بن مالك"؟!! . في أبريل العام الماضي وفور اندلاع المعارك دخلت الصحف الأجنبية في منافسة حادة بعضها البعض لمعرفة أي القوتين المتقاتلتين أقوي في العدة والعتاد العسكري؟!!وأي منهما يملك القوة علي الارض ويستطيع الثبات فيها؟!!، ما كانت هنا أخبار في الصحف الاجنبية والمحطات الفضائية الا عن القوات المسلحة وعدوها اللدود قوات "الدعم السريع". والان بعد (386) يوم من الحرب اختفت تماما بصورة ما عادت تخفى علي أحد أخبار الجيش الذي قوامه (100) ألف جندي ، واختفت معه ايضا أخبار جيش "حميدتي" الذي كتبت عنه الصحف سابقا إنه جيش كامل العدة والعتاد وقوامه نحو (60) ألف جندي!! . من طالع بدقة أخبار القوات المسلحة خلال الفترة من مارس الماضي 2024م وحتى مايو الحالي ، يجد أن أخبار القوات المسلحة ومعاركها ما عادت تحتل مكانة مميزة في الصفحات الاولي وانصب اهتمام الصحف المحلية والاجنبية رصد ومتابعة تحركات الجنرالات البرهان وياسر وكباشي وتصريحهم التي كانت أغلبها بعيدة عن الحديث حول المعارك واخبارها ، وامتلأت الصحف المحلية والاجنبية بغرائب التصريحات التي صدمت القراء والمستمعين ومنها تصريحات ياسر العطا وهجومه علي دولة الإمارات وتشاد والسودان الجنوبي ، وليت الأمر وقف عند هذا الهجوم بل راح يرحب علنا بانضمام "كتائب الاسلاميين" الي جانب القوات المسلحة ، وهو الأمر الذي لم يعجب زميلة الكباشي واعلن انه لابد من ضبط "كتائب الاسلاميين" التي انفلت عيارها وأصبحت مصدر قلق للقوات المسلحة!! . انشغلت الصحف ايضا باخبار علي كرتي الذي صار اكثر شهرة من أغلب جنرالات القوات المسلحة بما فيهم الفريق/ ابراهيم جابر عضو مجلس السيادة ، والشيء الغريب في الامر ، أنه عندما اعلنت حكومة واشنطن فرض عقوبات علي كرتي في دورة تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان ، زادت هذه العقوبات من شهرته واصبح محل اهتمام الصحفيين وتقصي اخباره رغم انه -كما يقال اختفى عن العيون!! . انشغلت الصحف أيضا خلال الثلاثة شهور الماضية في هذا العام الحالي باخبار تحركات وسفريات كباشي ما بين بورتسودان والمنامة وجوبا ، وبرز كانه "حمامة السلام" وذلك من خلال تصريحاته التي اتسمت الي حد كبير بالتفاؤل في انجاح مساعي الطرفين المتقاتلين وقف الحرب. اما القائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق أول ركن/ البرهان ، فانه اصلا لا له في هذه الحرب اي دور قيادي لا من قريب او او بعيد!!، لم يشارك في معركة من المعارك خلال ال(386) يوم الماضية ، الا في المعركة التي يقال – والعهدة علي الراوي- انها وقعت في فجر يوم السبت 15/ أبريل الماضي 2023م عندما اقتحمت قوة مسلحة تابعة لقوات "الدعم السريع" مقر اقامته ، فتصدى لها بندقية الكلاشينكوف مع مجموعة من حرسه الخاص وقتلوا (37) من القوة المعتدية!!، وسواء كانت هذه الرواية صحيحة او من تاليف البرهان فانها المرة الوحيدة التي ورد فيها اسم البرهان مقرونا بمعركة!! . سخرت الصحف كثيرا من البرهان بسبب زياراته المتعددة التي قام بها داخل السودان وشملت فقط المدن والمناطق الآمنة الخالية من المعارك ولم يقرب اكثر المناطق التهابا ، وهو تصرف ما كان يجب ان يصدر منه وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وأنه – بحسب روايات الصحف – كان الواجب عليه ان يكون قدوة للآخرين من ضباط وجنود القوات المسلحة إنه بينهم ويرفع من روحهم المعنوية ، ولكنه ورغم كل ما سمعه وقرأه عن جبنه ارتياد مناطق الحروب فما زال يصر علي موقفه المتخاذل!! . كان من بين التعليقات الساخرة التي تناولت سفريات البرهان للخارج ، إنه زار تركيا اكثر من عدد المرات التي زار فيها العاصمة المثلثة بعد خروجه من الخرطوم في أغسطس الماضي 2023م !!، وسخرية أخري جاء فيها إنه وبالرغم من زيارات البرهان لعدة دول فاقت العشرة الا إنه لم يحظى باي لمعان اعلامي ولا باحترام من شعوب الدول التي زارها!! . واحدة من غرائب حرب السودان أنها خلت من صحفيين ومراسلين اجانب يغطون أخبار المعارك ، بل حتي المحطات الفضائية الاجنبية لم تجد القبول من قبل المسؤولين في السلطة ببورتسودان بوجود مكاتب لها في الخرطوموبورتسودان ، بل حتي الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد/ نبيل عبدالله منع من ممارسة ما أوكل اليه من مهام وأصبحنا نقرأ كل يوم تصريح ياسر العطا الذي أصبح بقدرة قادر هو الناطق الرسمي باسم الجيش ومجلس السيادة!! . اختفت تماما اخبار حرب السودان وكيف تسير المعارك في العاصمة المثلثة والجزيرة ودارفور وكردفان وجبال النوبة ، وحلت محلها صور مقززة اثارت غضب الملايين ، فكانت هناك صور لبعض من جنود القوات المسلحة وهو يحملون ثلاثة رؤوسهم جزت من أجسام ثلاثة أسرى تابعين لقوات "الدعم السريع"، وجاء قبل يومين فيديو جديد يحمل مشاهد صادمة حيث يظهر في المقطع عناصر بزي الجيش السوداني يقتلون أحد الأشخاص ويبقرون بطنه ثم يلوح أحدهم بأحشائه!! . سبق من قبل أن اعلنت القيادة العامة انها ستحقق في الحادث الأول- (جنود القوات المسلحة وهو يحملون ثلاثة رؤوسهم جزت من اجسام ثلاثة أسرى تابعين لقوات "الدعم السريع")-، ولكن كالعادة لم يتم تشكيل لجنة ولا قامت بالتحقيق في الجريمة التي اساءت كثيرا للقوات المسلحة!!، تماما كما سكتت من قبل عن تشكيل لجنة تحقيق حول فضيحة انسحاب الفرقة الأولى مما مكن الدعم السريع من السيطرة والتوسع في ولاية الجزيرة!! . وبما ان الشيء بالشيء يذكر، فان قوات "الدعم السريع" ايضا اصبح حالها اليوم مثل حال القوات المسلحة المزري ، قوات "حميدتي" لم تعد كما كانت قبل عام مضي ، الضباط والجنود تشتتوا في اغلب ارجاء دارفور وكردفان والعاصمة المثلثة والجزيرة يمارسون النهب والدمار والاغتيالات بصورة اكدت تمام أن زمام الامور قد فلتت من القائد "حميدتي" وأنه غدا عاجز أن يعيد الانضباط والربط فيها ، اختفت اخبار معارك قوات "الدعم السريع" وما عدنا نسمع باخبار القصف المركز والعشوائي ، ولا باخبار كيف أصبح حالهم بعد وصول المسيرات والصواريخ الايرانية. اكثر ما يغيظ المواطنين ويثير غضبهم ، انه ما مر يوم منذ اندلاع المعارك قبل أكثر من عام مضي ، الا وكان هناك تصريح من أحد الجنرالات أكد فيه أن المعارك ضد قوات الدعم علي وشك الانتهاء قريبا !!، منذ ابريل الماضي 2023م وحتى اليوم سمعنا وقرأنا اكثر من مائة تصريحات من قياديين عسكريين قرب نهاية المعارك!! ، بل حتي البرهان نفسه شارك في مهزلة التصريحات ، وانه ما من التقي فيها بالضباط والجنود الا وأكد لهم أن "النصر بات قريب أقرب مما تتصورون"!! في ظل كل هذا الغموض الذي يكتنف كل شيء حول الحرب وعدم وجود من يضع النقاط فوق الحروف ويقول كل الحقائق بلا إخفاء او دس، وهل هناك بالفعل معارك دائرة، أسأل: "اما من عاقل محايد – عسكري او مدني – يفتينا بحقيقة الهدوء في ساحات المعارك؟!!". [email protected]