ليس هناك عبارة مبتذلة وفاقدة للقيمة كعبارة (الغزو الجنجويدي) ، مبتذلة لان الذين يتحدثون عن غزو في القرن الواحد والعشرين لاحلال قوم من دولة اخرى مكان سكان دولة اخرى هم في الحقيقة خارج سياق التاريخ. وفاقدة للقيمة لان الكيان المسمى الدعم السريع هو كيان سوداني ظل موجودا منذ قرابة العشرين سنة ولم يتحدث احد هؤلاء من قبل عن الغزو الجنجويدي. الذين وقفوا ضد الجنجويد منذ تكوينه وابان ثورة ديسمبر ومازالوا ، ظلوا يقفون ضده باعتباره مليشيا غير نظامية وليس لانه مليشيا غير سودانية او مليشيا غازية ، لذلك هتف هؤلاء (الجنجويد ينحل) ولم يهتفوا (يا جنجويد يلا لبلدك) كما غنى العطبراوي في الاستقلال لجنود المستعمر الغازي الانجليزي. الذين يلوكون هذه العبارة ويحولونها لسردية تعاكس واقع العالم الحديث وتقذف به في عمق التاريخ القديم ، هم مهرجون ليس الا ، أو اشخاص تسللوا عبر نوافذ الزمن من تاريخ غابر لعصرنا الحالي فجاءوا معهم بسردياتهم التاريخية ، ولاقناع هؤلاء بأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين وأن زمن الغزو وجيوش الامبراطوريات الاستعمارية قد ولى بلا رجعة ، فإنهم لن يقتنعوا ، والطريقة الوحيدة هي اعادتهم بكبسولة الزمن لعصرهم السحيق ، أو تجاهلهم كما يتجاهل المارة مجنون في قارعة الطريق يدعي انه نبي ومعه خبر من السماء. الحرب التي اندلعت في السودان اغرت مجموعات من اللصوص والمتطرفين للانضمام لهذا الطرف أو ذاك، ولكل منهم هدف سواء دنيا يصيبها أو عقيدة دينية متطرفة ينصرها ، ولكن كليهما لا يريدان ان يستعمرا السودان بغزو اجنبي لصالح إمبراطورية بيزنطية أو رومانية أو عثمانية كما كان هو شأن العالم القديم ، غاية هؤلاء ان يدعموا امتدادا قبليا أو سياسيا ليعبر عن وجوده ويبقى ، وليس من بين الأجندة غزو السودان وتحويله الى دولة اسمها جمهورية عرب الشتات ، أو مملكة الاخوان المسلمين مثلا ، والذي له أجندة كهذه يصنع جيشه تحت هذه الراية كما فعلت داعش القادمة من كهف التاريخ والخرافة. لذلك من الوعي والعقل ان ينصرف الناس عن هذه السردية المضحكة المفارقة للعقل والمنطق ويتجهوا الى توصيف الصراع بصورته الصحيحة حربا سياسية بين طرفين سودانيين، استمرارها قد يجعلها حربا بالوكالة ولن يحولها لحرب غزو لا الان ولا بعد مئة الف عام ، فالغزو لو كان أحد صور السياسة في العصر الحديث لاستعمرت امريكا العالم بأسره بقوتها العسكرية ، ولاخذت الناس كما تشاء من مستعمراتها لامريكا بدل ان تفتح هجرة سنوية عبر اللوتري. والسودانيون يعلمون ارضهم، ومضاربهم ، وبيوتهم ، واوديتهم ، اذا توقفت الحرب غدا ، لامكان للجميع ان يصفوا من هذا ومن ذاك ، ومن يسكن هنا ومن يسكن هناك ، وقبيلة من هذه ، ونسبها ، وأسرة من هذه واصلها وفصلها ، ولما استطاعت قوة ما ان تضيف بالقوة والغزو سكانا جدد في غير ارضهم. والوصول الى هذه الحقائق لا يكلف كثيرا ، ولكنه قد يواجه بالعقبات كلما طال امد الحرب والنزوح ، لذلك تجد ان ايقاف الحرب في كل الأحوال هو العلاج الاسلم والانجع لكل المشاكل الحقيقة من قبل النزوح ، والمتوهمة من قبل غزو مجموعات غريبة للسودان ، ومن العجب العجيب ان أصحاب سردية الغزو هم الأكثر تشددا ضد ايقاف الحرب ، وحججهم في ذلك كحجة الغزو المتوهمة حجج غاية في الغباء والاستخفاف بالمنطق والوعي ، ولكنهم كما هو حال البلاد التى جرى عليها حكم الله اذ امر مترفيها ففسقوا فيها فدمروها ، يجري التدمير الان على يديهم ، ثم يورث الله ارض السودان لعباده الصالحين الديمقراطيين فيعمروها مرة اخرى وترجع مخضرة غناء ضاحكة مستبشرة. [email protected]