شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة رفاعة المزعومة عام 1946: تلفيق الفكر القومي ورمي النخبة للمرأة تحت البص .. بقلم: محمد عبد الخالق
نشر في سودانيل يوم 03 - 02 - 2020

الاحتفال بذكري استشهاد الاستاذ محمود محمد طه مستحق فهو شهيد حرية الرأي والفكر في السودان ورمزيته لا تحدها حدود في نظر الاجيال الحالية وربما تتسع رمزيته لتحضنها الاجيال القادمة إن قُدر تحول الحقوق والحريات لعقيدة راسخة بين شعوب السودان. ولكن اصباغ القدسية على كل مواقفه ورفعها فوق مصاف النقد ، خاصة فيما عرف بثورة رفاعة لالغاء قانون الخفاض الفرعوني عام 1946 ، بل وخلق التبريرات لها ونسج الاوهام حولها أمر لا يليق. الاستاذ محمود زعيم ديني وروحي لكنه رجل سياسة في المقام الاول والسياسة تحتمل الصواب والخطأ، والسياسي عرضة للنقد.
هذا المقال يدعو للحوار والتأمل ويرفض تحويل اقوال وافعال الاستاذ الشهيد محمود الى افعال واقوال قدسية لا تقبل النقد. إن سيل التنظير التبريري الذي مارسه بعض تلاميذ الاستاذ النابهين ومنهم الدكتور المحترم عبد الله الفكي البشير، الذي نحمد له كثيرا جمع تراث الاستاذ محمود والتعريف به، وبعض الاكاديمين امثال الدكتور عبد الله علي ابراهيم والدكتور حسن موسي، مع التقدير المخلص لمساهمة كل منهما في نقد ميراثنا الفكري والسياسي، سيلحق اكبر الضرر ليس فقط بفكر الاستاذ محمود، بل بالخطاب النقدي تجاه كافة القضايا السودانية. حين تتواضع عقول نيرة للزود على موقف خاطىء برهق تبريري لا يخرج من حيز الخطاب القومي الذكوري الهتافي فعلى كل مثقف أن يتحسس رأسه.
ما سمي بثورة رفاعة فشل كبير في اختيار هدف سياسي لمقاومة الاستعمار، وكبوة للفكر الجمهوري. هذه سياسة خطأ والحركات السياسية والاجتماعية ترتكب الاخطاء في تاكتيكاتها احيانا وليس هنالك ما يدعو للتنصل بل التلفيق احيانا ليستقيم ظل عود حركة وطنية. وهذا بالطبع لا ينقص من قدر الاستاذ الشهيد محمود محمد طه مثقال ذرة في أعين الشعوب السودانية. فالاستاذ الشهيد أبن عصره، ذاك العصر بخيره وشره، ويجب أن ينظر اليه في ذاك الاطار.
بدلا عن التلفيق القومي استنادا على خطاب الحركة الوطنية وسرديتها ينبغي التقرير اولا أن الختان الفرعوني في حق الطفلات والفتيات، وبعض النساء البالغات، خطيئة كبري تصدى لها الفكر السوداني في حينها وأخرج أحسن بياناته في هذا الشأن. هنا لا يكف القول بأن الختان الفرعوني "عادة قبيحة ومستهجنة ولكن..." ولا ينبغي التبرير باسم الحركة الوطنية لسياسة خاطئة، بل يجب إعمال النظر النقدي لموقف الاستاذ ومحاولة معرفة من اين صدر هذا الموقف وماهي جذوره؟ وماذا كان موقع المرأة في ذاك الصراع في خطاب الاستاذ الشهيد محمود والجمهوريين؟ وهذا القول في نفس الوقت ليس تبرئه للاستعمار ورسالته الحضارية المزعومة فالاستعمار مكشوف حال من يومه وأن ترك لنا السكك الحديدية واعمدة التلغراف والاستبالية وكلية غردون. وانما يهم هنا هو وضع الاشياء في نصابها ووقف حد للتلفيق باسم الحركة الوطنية تارة وباسم الشجاعة تارة وباسم دراسات ما بعد الاستعمار تارة اخرى على حساب قضية جوهرية كختان الفتيات.
موقف الاستاذ الشهيد محمود نفسه وحركته والحجج الحديثة التي صيغت مؤخرا في الدفاع عن موقف الاستاذ الشهيد ما هي في نظري غير محاولات تبررية من فكر ذكوري قومي نازعه الاستعمار في اجساد نسائه. وهذا أمر ليس بغريب في الفكر القومي وخطابه- ان تصير النساء واجسادهن ثيمة راسخة في خطاب الفكر القومي اي كان وفي خطاب الاستعمار ايضا في بعض الاحيان - فكثيرا ما قُدمت الامة كأمرأة تحت التهديد والاستباحة وكثيرا ما استعملت مفردات مثل الاغتصاب وتصوير الوطن/الامة كأمرأة اغتصبت في حالة الاحتلال الاجنبي، كما فعل الفرنسيين في نعت الاحتلال الالماني في الحرب العالمية الاولي واليونانيين القبارصة تجاه الغزو التركي والعرب تجاه قضية فلسطين. اوضحت Anne McClintock ان الخطاب القومي قد تضمن المرأة على عدد من الوجوه: كأداة لانتاج واعادة انتاج افراد الكيان القومي، كمنتج لحدود الكيان القومي عن طريق موانع العلاقات الزوجية والجنسية وكرمز وعلامة للاختلاف القومي ((Anne McClintock "No Longer in a Future Heaven: Gender, Race, Nation, and Postcolonial Perspectives, Anne McClintock, Aamir Mufti, and Ella Shoat, eds, (University of Minnesota Press, 19191)).
أن دراسة موقف الاستاذ الشهيد من الختان الفرعوني علي وجه هلامي يهمل طبيعة الفكر القومي وموقع المرأة فيه ولا يري في الحركة القومية غير الهتافية والمقدرة على حشد الجماهير لاخراج المستعمر امر لا يليق بالدكاترة المذكورين. الخطاب الذي يهمل المرأة وموقعها في الخطاب القومي وتمثيلها واعادة تمثيلها يجب ان يراجع نفسه.
ويجب التأكيد هنا أن سيطرة الخطاب القومي على جسد المرأة قد تأسس واستمر ليس فقط على المستوي البلاغي بل على مستوي جسد المرأة فعليا، لحم ودم. فالمواجهة بين الاستعمار وجناح من الحركة الوطنية السودانية حول ختان النساء ليس بحادثة فريدة اختص بها الله السودان وشعبه، فصراع الحركات القومية مع الاستعمار حول جسد نساء المستعمرات مشهود وموثق ودفق فيه مداداً كثيفاً. كان لمشكلة ختان الاناث في السودان مثيلاتها لدي الحركات القومية في الشرق مثل مشكلة حرق الارملة حية مع جسمان زوجها المتوفي في الهند في الممارسة الاجتماعية/الدينية التي عرفت ب((ساتي)) ومشكلة تحجيم قدم المرأة في الصين ((قدم اللوتس)). ونعم، لقد انقسم المجتمع حيال قوانين المستعمر ودارات السجالات والمواجهات. وجدير بالقول ان بعض رجال حركات التحرر الوطني من الطبقات الوسطي ووقفوا ضد انتهاكات بعينها ضد المرأة وبالمقابل حشد المحافظون من الرجال الجمهور ضد هذه المبادرات بل حاولوا بعث ذكراها فيما بعد في انتفاضات مسلحة. ولعله من المفيد أن نعقد المقارنة بين ما دار بين ظهارينا حول جسد المرأة وما دار بين الاشقاء في حركات التحرر مثل الهند. بل أكثر من ذلك ان ننظر للفكر النقدي الذي انتجه الاحفاد تجاه افعال الاجداد.
أذا توقفنا عند مشكلة حرق الارملة مع رفات زوجها وقارنا بين موقف الاصلاحيين والمحافظين الهنود نجد أنها انطلقت من نفس القاعدة التي انطلق منها الاستاذ الشهيد محمود محمد طه. فقد كانت حجج المحافظين تنطلق من تعاليم الديانة البراهمية وقد انطلقت حجج الاصلاحيين الذين وقفوا ضد هذه العادة الزنيمة امثال Rammohun Roy من نفس الديانة اعتمادا على قراءة مختلفة للنصوص. وفي الواقع ان حجة الاستاذ محمود المركزية إعتمدت ايضا على على الديانة الاسلامية. فقد قال الاستاذ في بيانه:"عندما نشأ الحزب الجمهوري. . . أخذ يعارض الحكومة في الطريقة التي شرعت عليها تحارب عادة الخفاض الفرعوني، لأنها طريقة تعرض حياء المرأة السودانية للابتذال، وعلى الحياء تقوم الاخلاق كلها، والأخلاق هي الدين." وقد تكررت في خطبة الاستاذ في مسجد رفاعة نفس المعاني مع تركيزه في تحريضه لجماهير رفاعة على "نخوة الاسلام وشهامة الاسلام الى النصرة والمدافعة". انه من الصعوبة بمكان تمرير حجة الاستاذ الشهيد هنا كحجة دينية فالختان ليس من الدين في شيء ولكن الخطاب القومي لا يتورع عن اعادة انتاج الدين في سبيل غاياته .الغريب في الامر أن الخطاب القومي لا يغلب حيلة في تسنم الدين فمن الممكن بكل بساطة واريحية أن يتلبس الخطيب روح الدين حتي ولو كان الدين مغاير لقناعته الدينية نفسها ففي انتفاضة 1857 في الهند ضد الاستعمار البريطاني بعث القائد الهندي المسلم خان بهدور خان في احد اعلاناته قصة منع ساتي بعد حوالي عشرين عاما من اصدار قانون منع حرق الارملة مجددا، بعث بالمشكلة مجددا كأحدي المظالم التي تعرض لها الهنود ليضمن حماسة الهندوس للانتفاضة غير آبها بتعاليم دينه هو شخصيا ((Mutiny at the Margin: New Perspective on the Indian Uprising of 1857, Edited by Crispin Bates, Volume 1, 2013)).
وهنا في الصراع حول جسد المرأة فيما يتعلق بممارسة ساتي بين السلطات الاستعمارية وبين المؤيد والمعارض لهذا الانتهاك تلاحظ Lata Mani ملاحظة صادمة وذلك ان التقاليد (الدين والاخلاق) ليست هي الارضية التي تم النزاع فيها حول جسد المرأة بل العكس هو الصحيح صار جسد المرأة هو الساحة التي تم فيها الجدال حول التقاليد واعادة صياغتها و تأويلها وترت يبها ((The debate on Sati in Colonial India, Cultural Critique. No. 7, The Nature and Context of Minority Discourse II (Autumn 1987)). فقد انخرط فقهاء الهندوسية من الجانبين، المؤيد والمعارض للحرق، في قراءة النص المقدس وفي تقديم الفتاوي بناء علي ارضية حرق الارملة ، وكذلك فعل الاستاذ الشهيد. ولعل في حالة الاستاذ كانت المهمة أكثر صعوبة لغياب النص الديني كليا دع عنك تأويله. الا نلاحظ العنت الذي تنكبه الاستاذ في ربط سلسلة منطقية بين حياء المرأة بالدين، كما تصورها؟ فقط انظر للسلسلة التي اراد لها الاستاذ أن تكون منطقية: حياء المرأة ← - الابتذال ← الحياء ←الاخلاق كلها ← الدين. هذه السلسلة الطويلة التي تنكبها مثقف ربما يكون الاعمق ثقافة دينية بين ابناء جيله في الربط بين الختان والدين تؤكد ما قالت به Lata Mani ان الدين والتقاليد لم يكن الارضية التي دار الصراع حولها وانما جسد المرأة. ان النساء لسن الفاعل في هذا الخطاب ولا حتي الشحيح سمع منهن حول المسألة ولقد حجبت عنهن الارادة، ولكن هذا لا يعني ان النساء مفعول بهن في هذا الخطاب او ان الخطاب عنهن بل العكس لقد كانت النساء الساحة والارضية لهذا الخطاب بكل اطرافه.
لقد كانت ثيمة المرأة ثيمة مركزية في خطاب الحركات القومية، وقد كانت المرأة، ويبدو انها لا تزال، كما اشارت Deniz Kandiyoti في كثير من الاحيان رهينة للمشاريع القومية فكثيرا ما قدمت المرأة كضحية للتخلف الاجتماعي (انظر الى بيان الجمهوريين حول الختان)
ورمز للحداثة (انظر الى "يا ام ضفاير قودي الرسن") كما قدمت المرأة كحاملة مصونة للاصالة الثقافية (مرة اخري انظر لبيان الجمهوريين في أمر الختان)، يقول البيان: " قل لي بربك !! اي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره؟ واي كريم يرضى أن يكون سببا في ارسال بنات جاره، او صديقه، او عشيره للطبيب للكشف عليهن؟؟ عجبا لكم يا واضعي القانون – أمن العدل ، ان تستذلونا باسم القانون؟؟ أومن الرحمة بالفتاة أن تلقوا بكاسبها في اعماق السجون؟؟ ..... ام رضيتم لامتكم التشهير والتحقير ولفتياتكم ركوب عربات البوليس ولامهاتهن وعماتهن وخالاتهن دخول المحاكم والسجون؟" هنا يختلط جسد الامة بجسد المرأة، الشرف الشخصي بالشرف القومي، المهانة الوطنية بمهانة الرجل في حوش بيته. وهذا خطاب قومي قح يضع المرأة كمنتج لحدود الكيان القومي وكرمز وعلامة للاختلاف القومي وحدود امة بعينها ولكنه في الاساس خطاب قومي ذكوري كان جسد المرأة ساحته وارضيته التي ينطلق منها.
علينا في اعتقادي، عندما ننظر لتراثنا أن نتحرى ونعمل النظر بدلا عن الجري خلف سردية وطنية متوهمة. لقد اهمل الدكتور عبد الله علي ابراهيم والدكتور عبد الله الفكي البشير والدكتور حسن موسي مفاهيم اساسية حول الفكر القومي حين حاولوا التبرير والتلفيق لاعادة انتاج موقف الشهيد محمود الخاطيء حيال قضية الخفاض وتصوير موقفه كموقف ممتاز في سبيل مناهضة الاستعمار. وهذه سمة الخطاب القومي الانتقائية بل التلفقية في بعض الاحيان وقد وقع جميعهم رغم تدريبهم كاسطوات في البحث العلمي في تمجيد وهمي للقومية السودانية متجاهلين ان فكرة القومية محض بنية اجتماعية بمعنى انها كسائر المفاهيم في هذه الدنيا ليست ازلي مطلق بل هي مفهوم اجتماعي يخترعه الناس ويصتنعوه. بل اهم من ذلك ان فكرة القومية قد تستعمل في بعض الحالات لابشع صنوف القمع والاستبعاد واضطهاد شرائح واسعة من المجتمع. وقد انتبه عبد الله علي ابراهيم بحكم تدريبه كباحث وموهبته الاصيلة لهذا الخطل لكنه في نهاية الأمر لم يتورع من خوض نفس الخطاب القومي التبريري كما سأبين. لا بد أن نتذكر ماذا تفعل الفكرة القومية بالشعوب إن لم تقودها حقوق الانسان والقوميات والمرأة. أن لفكرة القومية خير عميم وايضا شر عميم ما لم تضبط وتوجه بواسطة المثقفين والمبدعين والشعراء والصحافيين والكتاب والاكاديميين. ولن أمل من تكرار الحديث حول تخليق واختراع قومية البيض في جنوب افريقيا. ودعنى اتوقف هنا قليلا للتذكير: "هؤلاء البيض لم يكن لديهم حتي وهم يقاتلون في حرب البوير هوية مشتركة او حتي لغة مشتركة. كانوا اقواما شتى يتحدثون مزيجا من الهولندية العالية ومزيج من اللغات الافريقية كانت تسفه باعتبارها لغة المطبخ المستعملة بواسطة خدم البيوت والنساء. ولكن وبمساعدة سماسرة ثقافيين كانوا قادرين على اختراع قوميتهم بل وكتبوا لغتهم في حروف وانتجوا شعرهم ،واهم من ذلك اخترعوا اساطير ورموز قومية استخدمت بشراسةووحشية لقمع الافارقة اصحاب البلاد الاصليين."((محمد عبد الخالق إعتمادا على مصادر اخرى 2009، سودان فور اول، مداخلة مقدمة من محمد عثمان دريج)) .
تجاهل حمولات الفكر القومي فخ يورث قصر النظر ويشجع على اهمال اقسام واسعة من المجتمع في سبيل فكرة فاسدة سواء كانت الفصل العنصري او مواصلة مجذرة النساء في السودان باسم الشرف القومي.
لكن دعنا نتأمل الحجج التي صيغت في الدفاع عن ما يسمى بثورة رفاعة. هل هي حقا حجج تنتمي للخطاب القومي الانتقائي كما زعمتُ او كما شاء اصحابها تسميتها: خطاب الحركة الوطنية السودانية؟ ادناه الحجج التي صيغت بلغة اصحابها:
1- وجهة نظر الدكتور عبد الفكي البشير قد تلخصت في ضرورة "الاحتفاء بثورة رفاعة ووضعها في اطارها النضالي واعادة هويتها الثورية ضمن سجل ارث السودان الثوري." وقد تكررت هذه الدعوة في أكثر من موضع في دعوة الدكتور الملحة لاعادة قراءة تاريخ ثورة رفاعة. و حتي في عرض د. عبد الله الفكي البشير المبتسر والانتقائي لدراسة عبد الله علي ابراهيم، التي ارى فيها بعض الخير اذا اتيح نقاشها في جو مفتوح، تكررت نفس الدعوة لادارج ثورة رفاعة ضمن الارث الثوري السوداني.
2- اما عبد الله على ابراهيم فيجادل من باب انتاج المعرفة في ورقة طويلة في محاولة يائسة لاستنقاذ موقف الاستاذ الشهيد من براثن الفكر القومي بآفاته.
يزعم عبد الله في ورقته ان هدفه بناء جسر بين الانثوية السودانية ودراسات الحركة الوطنية وقد تنكب عبد الله علي ابراهيم طريق صعب في بناء هذا الجسر المزعوم بين الدراسات السودانية والكتابة الجندرية فحديث القومية وموقع المرأة فيه قد سمعه عبدالله وفات قعر اضانه بحكم التدريب كباحث. لذا يبدأ عبد الله في ورقته المنشورة بالانجليزية ((Keep These Women Quiet: Colonial Modernity, Nationalism, and Female Barbarous Custom, Journal of Women of Middle East and Islamic World 9 (2011) 1-55))
لتمهيد دفاعه عن موقف الشهيد بالتقرير أنه " لكي نبدأ بتقديم الاطار الامبريالي لفهم ثورة رفاعة، يحتاج المرء لاعادة تأهيل القومية كوسيلة مشروعة للسعي من اجل الحرية والسعادة." (ص 20) بل يمضي عبد الله علي ابراهيم الي القول: "ان المظالم التي تتعرض لها النساء والاقليات الاخرى ، وعلى الرغم انها مُحطة ، لا تقف كأساس لتجاهل الامة بإعتبارها الشكل الوحيد حتي الان لاحتواء وتقديم السكان." (ص 20) واعتمادا على فرانس فانون يقول عبد الله ان هنالك فرق بين الثقافة القومية والقومية الثقافية "وعليه فان دفاع طه المزعوم عن ختان الانثي لم يكن دفاع عن عادة بل دفاع عن ثقافة قومية من الممكن أن تكون تلك الثقافة نفسها مؤسسة على صراع سياسي صلد"(ص 22). واخيرا ينتقل عبد الله على ابراهيم ليرفع نفسه ومعه محمود محمد طه فوق الخطاب القومي بمهاجمة الاستعمار:
"أن النظر المتناقض حول ميراث طه الانثوي ناشىء من ثنائية مؤسفة في الدراسات السودانية. فالكتابات الجندرية الحساسة ثقافيا عن ختان الاناث في البلد قد فشلت في التأثير على كتابة سردية الحركة الوطنية في السودان. وفي هذه السردية الوطنية لا تزال ادعاءات التحديث الاستعماري لتمدين السكان المحليين (مثل انقاذ نساء المستعمرات من مضطهديهم الرجال) مقبولة. بل اسوأ من ذلك ، أن مهمة الانقاذ هذى تُفتقد الان ويتم تذكرها بحنين كعصر ذهبي بواسطة الاكاديميين وغير المتخصصين على السواء." (( الترجمة من عندي ولعبد الله علي ابراهيم كل الحق في المنازعة في دقتها)).
ولم تفت على عبد الله علي ابراهيم الصلة الوثيقة بين ساتي والختان في الخطاب القومي/الاستعماري مستندا على Boddy لكنه يمضي ليتجاهل عشرات الكتابات حول نقد الخطاب القومي الهندي ويوجه الانظار الى مهمة الاستعمار الحضارية.
المشكلة هنا ليست في أن الخطاب القومي خطاب ((كعب وخلاص ندينه)). والمشكلة ليست مشكلة الاقتصاد السياسي للدراسات السودانية وبناء الجسور بين نظامين تعلميين، انما في منجز للخطاب القومي وموقف اتخذ قبل 74 عاما وموقع المرأة فيه. نعم، للخطاب الاستعماري دوره في هذه الحادثة وللخطاب القومي دوره فيها، ولكن
تناول الخطابين عن طريق التركيز على الخطاب الاستعماري وصرف الانظار عن خطاب القومي لا يجدي. إن هذه المتاهة في تقديري هي ما دفعت عبد الله - ميقظا لشبح فريجنيا وولف حول مقولتها الخالدة حول الوطن والمرأة – ليقول في تقرير مدهش في مناسبته "أن نساء العالم الثالث اللائى ساهمن في الصراع ضد الاستعمار الذي نتج عنه ميلاد الامة لا يمكن ان يتحملن اسقاط اهمية الامة والقومية بالنسبة لتاريخ النساء والانثوية معاً. النساء يحتجن الامة كما يحتاج فقراء الناس للحكومة.." مرة اخرى نحن لسنا بصدد وضع سياسة جديدة لمحاربة الخفاض الفرعوني وانما بصدد دراسة موقف تاريخي منجز للخطاب القومي، ولسؤ الحظ عبر عنه أكثر رموزنا القومية شرفا وجسارة، الاستاذ محمود. موقف اتخذ قبل 74 عاما عبّر بوضوح عن موقع المرأة فيه.
3- أما حسن موسي فيقول: "ان فعل الاستاذ محمود ملك الاهالي الغبش اهم مفاتيح حركة الحداثة: الاختيار الحر المبني على الوعي بالمصلحة الحقيقية في التقدم والتنمية والديمقراطية. شجاعة محمود هنا ، في حادثة رفاعة، هي شجاعة رجل حديث يواجه المستعمرين ويقول لهم: لا يمكن أن تحدثونا ضد اردتنا، لان التغيير الحداثي الحقيقي يصدر عن ارادة الشعب الحر."
في الحقيقة، لا أري في الحجج اعلاه، اذا جاز تسميتها بحجج، ما يسند موقف الاستاذ الشهيد محمود محمد طه غير كلمات رنانة تصب في اطار الفكر القومي فقط مثل "اطار نضالي"، "التراث الثوري" ، "هويتنا" و"لغو استعماري" ادخلنا فيه عبد الله علي ابراهيم بحمد واخرجنا بخوجلي. و"شجاعة رجل حديث يواجه المستعمرين" كما زعم حسن موسي.
هذه الحجج عبارة عن حجج تلفقية وتصلح لتلبسيها لاي موقف ضد الاستعمار مهما كان نبل او وضاعة الهدف.
وللوقوف على تلفيق الفكر القومي وانتقائيته، اود أن اسأل هؤلاء الاكاديميين: هل "أرث السودان الثوري" و"الاطار النضالي" و"سردية الحركة الوطنية" الذي يراد أن تدرج "ثورة رفاعه" تحتها يتسع لاضافة ثورة ملاك الرقيق في أبوحمد عام 1924 ومحاولتهم الهجوم على الادارة المحلية مطالبين باستعادة رقيقهم المحرر؟ ماذا يمنع؟ ما الفرق؟ لماذا لا يدافع عبد الله على ابراهيم عن ثورة أبو حمد، وهو واحد ناس وسم مساهمته الاكاديمية النيرة في بحث تراثنا بمساهمة مشهودة حول اهل المنطقة والسحر عند الرباطاب؟ لماذا لا يدافع هؤلاء الكتاب عن ثورة ملاك الرقيق في ابو حمد؟ ماذا يمنع من اضافة انتفاضة أبو حمد لتراثنا الثوري وسردية الحركة الوطنية وهويتنا الثورية؟ لماذا لا تنطبق كلمات حسن موسي عن شجاعة محمود في مواجهة الادارة الاستعمارية في حادثة ختان فتاة رفاعة على ملاك الرقيق في ابو حمد؟ ولكأني بصوت الصديق حسن موسي يقول لي: ((خلونا لمن نقرر برانا نفك العبيد الديل او نحتفظ بيهم حسب ارادة الشعب الحر)) ، ماذا عن ارادة الشعب غير الحر في ابو حمد من الرقيق عام 1924 يا حسن موسي؟ هل ننسي المقاومة ((المجيدة)) لتجار الرقيق واستمرارهم في الغزوات والخطف رغم الاحكام بالسجن والاعدام أحياناً من سردية الحركة الوطنية مع استصحاب دراسات ما بعد الاستعمار يا عبد الله علي ابراهيم؟ ما هو المعيار لانتقاء حادثة ما بين الحوادث لادراجها في تراثنا الثوري وسردية الحركة الوطنية واستبعاد حادثة اخري؟ هل المعيار هو المناسبة والخطاب السائد؟
أنظر الى ذلك يا صديقي لقد انشغلنا بثورة 1924 وعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ ونسينا ارثنا الثوري الحقيقي في ذات السنة 1924: ثورة ابوحمد المجيدة لاستعادة نظام الرق يا دكتور عبد الله الفكي البشير. لكن لا بأس في نهاية الأمر، فالذي وصف علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ بأولاد الشوارع وتسأل الى اية قبيلة ينتمون قد ضاع صوته في شعاب التاريخ من أجل هويتنا الثورية الذكورية. هذا صوت الافندية الانتقائي الذي لا يزال يستبعد المرأة، بل يرميها تحت البص ليبني ((رجالته)) الوطنية على حساب النساء.
كلمة أخيرة:
الشهيد الاستاذ محمود محمد طه في النجوم زي الهيكل المنضوم ما بخاف.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.