سيد الأتيام يحقق انتصارًا تاريخيًا على النجم الساحلي التونسي في افتتاح مشاركته بالبطولة الكونفدرالية    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    إلى متى يستمر هذا الوضع (الشاذ)..؟!    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي والقاص والناقد الأستاذ / يوسف العطا
نشر في الراكوبة يوم 31 - 05 - 2024


قصة قصيرة
– فيما أتنقل بين محطاتي ، أهداني أخي القاص ، عمر الحويج مجموعته القصصية الأولى والأخيرة (إليكم أعود وفي كفي القمر) ، الصادرة في مائة صفحة ، عن دار عزة للنشر والتوزيع ، فوجب الشكر علينا. حكايته معي ذكرتني بأهل القرى المنتثرة على جانبي الطريق من الخرطوم إلى قلب الجزيرة الفيحاء. أولئك حين يأتي رمضان يقطعون على المسافرين دربهم بكرم مسلّح بالضيافة الحارة ، والشمس تميل إلى الغروب. يلتمسون البركة والمثوبة يغشاهم الصوّام. يتم القِرى على جانبي الخط السريع. يطيب المقام بالعصيدة. باللبن. بالبليلة. بالشاي والقهوة. يعذب الأنس ويحصل البسط والانشراح. ثم يلح أهل القرى أن يقضي الظاعنون الليل معهم : الدنيا ملحوقة. يتراخى المسافرون إلى قبول دعوتهم متكئين على مساند أو مفارش لولا أن البعوض يلسع الأطراف والرقبة. يهرعون إلى مطاياهم ، لكن ذلك البعوض يواصل الركوب معهم. يلازمهم في الحل والترحال لا يفارق. يترنم : في الضواااااحي وطرف المدااااائن. تجده تحت الكنب في الحافلات رطبة ويابسة. ويعرفك مستوياً بساقين تتدليان. أوصيكم ونفسي بلبس جوارب السفر ريثما يتم تركيب طفايات البعوض بالمركبات بدلاً عن طفايات الحريق. هذه رشة أولى لابد منها.
قُطع عليّ الطريق بهذه المجموعة فتمهلت شيئاً. قضيت ليلتي قارئاً الهدية. هذا الإهداء نفسه صعّب مهمة التناول حتى بدا لي أن أقول خيراً أو أصمت. وفوق ذاك حصّن صاحبي كتاباته بعنصرين من المحترفين العبادلة : (جلاب وعلي إبراهيم) وثالثهما أحمد عبدالمكرم. ولما حاله حشْد هذه الكوكبة في الدفاع ، لم يكن ميسوراً أن أنفذ إلى المرمى إلا تسللاً وخلسة. بدا لي هذا التقديم مأخوذاً عن سوق التعلم والعمل ، حين يُصار إلى طلب تزكية تشفع وقت رفع الأوراق. مازحت الكاتب أن الكلفة مرفوعة ، وله حق العودة إلى مريديه متى أراد حولاً بعد حول. بيننا وبينه ، في سوق الأدب، يفتح الله ويستر. لم تخل فاتحة التقديم ، على كل حال ، من فوائد جمة ، أقلها أن عطّرنا الأساتيذ الكرام بعطرهم ، قبل رشنا . جلوا بأقلامهم بعض ظلام أحاط. الدكتور جلاب دهن خلفية مسرح المجموعة بطلاء شرقي ، وإبراهيم الدكتور وقد كان من أهلها أعطانا معتذراً : (فهذه مقدمة لم أرد بها غير وضع اسمي على كتاب لصديق قديم عشقنا على عهد الباكر فن القصة وكتابتها في سياق حلم بأن نمتلك العالم). ذلك الحلم الذي سوّق له الفيتوري ، وجيّره. قضى في صكه الشعري بأن دنيانا يملكها من لا يملكها، سادتها الفقراء. أعلى كفتهم وتوّجهم سلاطين. استأنف الأغنياء الحكم عليهم : رفسوا الأرض. برطعوا. ناطحوا السحاب. أخذوا النجوم ، فباعدت المسافة. دفعوا .. أن الحكم عليهم غير ملزم ، وما تنفيذه إلا برضا الطرفين. وحتى يتم التراضي فعلى السادة الفقراء تناول ذلك الشعر منقوعاً (حلواً مراً) . عبد المكرم من جهته أورد حين نُودي للشهادة: (اللافت في قصص عمر الحويج .. تلك القدرة المدهشة على تقطير التجربة الإنسانية عبر أدوات القص الناجز…). تُرفع الجلسة للتأمل. بصعوبة تسللت بين غلافي الكتاب ، ووجدتني كمن يمشي على طريق طويل غير مرصوف. لفت نظري تواريخ النشر الملحقة بالقصص حتى أنها نحت العناوين عن ذاكرتي. السنوات كما أعمدة الهاتف على درب العمر. تأمل هذه القوائم والتباعد بينها (1964/ 1965/1969/ 1973/1995/2008). سنوات قطعها الحويج برفقة المسافر في قصة المطارات. كتب: (حزمت حقيبتي .. حملت جواز سفري .. وتأبطت كتابي ، هي أشيائي التي سترافقني في سفري هذا .. متعدد المحطات. وغادرت). كشف الحساب يقول بأن عمر قد أنجز مائة صفحة على مدى أربعة عقود ويزيد . وله لا شك انجازات أخرى . ربما امتلك عقاراً ، أطياناً ، ورصيداً في بنك الحياة . كفة المقبوضات والمصروفات لا تخلو هي الأخرى من استحقاقات له وهموم عليه . ذلك جله لا يعنينا وإن كان عصب الحياة. نثمّن جداً هذا المقبوض بأيدينا . أليس عجيباً أمرنا أن نعنى بهذه الهوامش ولا نحفل بالمتون ، الأطيان ، الزرع ، والأرصدة؟ الجيل الحالي قد لا يجد الطعم على اللسان في قراءته تلك النصوص . لا ينحازون لها مثلما نحن. يحتاجون إلى عون . الشريف قاسم ينفعهم، لإجلاء ما عَمِي من مفردات ، وما غمض من كلمات . وفي هذا المقام فيما أحس ليس مرغوباً الإفراط في العامية. ذلك شأن محلي ، محدود الأثر، ضحل المياه. ظني عمدتنا المحبوب : الانفتاح على الآخرين جيئة وذهوباً على طرق سريعة ، وبين هنا وهناك ، تسديد ، مقاربة ، وبين بين. قصصنا حدثت في غابر السنوات إلا واحدة تأخر ميلادها. بعضها أنجبته القرية ، أخريات وُلدن في المدينة ، وثلة (في الزمن الذي كانوا ينتزعون فيه الطفل من رحم أمه المعلقة على الحبل..) ص (57). على الأقدام مشوا . الدراجات ركبوا والحمير . القطار مضى. الباخرة مخرت. الطائرة أقلعت. على مدى نصف قرن بعد الاستقلال جرت تحت الجسر مياه كثيرة ، نميرة ودميرة . ما تغيرت الأيام في حر الصيف وبرد الشتاء . مطر الخريف وزهر الربيع ، ولكنا تغيرنا. تبدلت المفردات والعملات. من عملات الأمس المتناثرة في قصص المجموعة: (الشلن . العرضة . العنقريب. الفوانيس . كسرة بايتة . العطشجي. اللمبة أم عوينة. السقو. الرتينة. البمبر. القرقاب…). كما قطار على قضبان تنزلق الجمل . هذه محدثات جلبها الصحافيون. الإرث اللغوي ، قبل خلافتهم، كان وضع النقط على الحروف وتحتها. لكن سواداً كثيراً من الكتاب نثروا النقاط بين الجمل. أهملوا إلا القليل منهم الشولة السادة ، والأخرى المنقوطة. لا تعجب، لا استفهام ولا ملح طعام. هجروا لوازم أخرى مهمة. جعلوا النقطة نقطتين فاتصلت كتاباتهم خرزاً ودرراً. تحبيرهم الورقَ قطارُ الحروف يمضي على سكة حديد هكذا: ( .. .. .. .. .. ). تأمل هذه العينة على قضبان المجموعة : (هو .. الذي يستثيرهم .. بصمته ويستفزهم ، يخيفهم .. بغضبه ، وإن كان ، صمته .. لا يفصله ، عنهم .. بل يجعله قريباً منهم ، فغضبه يبعده عنهم .. يختفي عنهم ، بالأيام..). هل هو التحرر من قيود اللغة ، أم موضة هذا الزمان؟ أفي اللغات الأخرى مثل صنيعنا ، أم الأمر تجديد؟ كلمات الحويج يكررها بإصرار حتى تضئ، مثل من يقدح عود ثقاب على ظهر تمساح خشن: (الطفل.. إنه يعود.. إنه يمشي.. إنه يجلس.. إنه يقف.. إنه ينظر.. إنه.. إنه..). يكررها حكاية مكواة فحم. ينفض رمادها. يوقد جمرها. ثم يكوي بها القصص حتى تستقيم. أثر قلمه على الصفحات: (هو.. الذي يركض، ويركض، وجهته الأفق البعيد.. هو يركض، وكلبه يركض خلفه.. هو، الذي يركض، وكلبه، هو الذي يلهث..). الفن مكواة بشرط ألا تحترق الثياب بجمرة تسقط أو تتلوث برماد. وبعض الكتابة أعواد ثقاب تتوقد أو تخبو. بهذا القدح والكي تتوهج بعض قصص المجموعة، وبعضها بالكاد. أخذتني القصص الأولى إذ استوت سليقة بعيداً عن الصنعة والدسم: (حين اشتد بهم الفقر أكثر، قررت أمه، أن ترسله إلى الخرطوم، أودعته يومها القطار، ووقفت بعيداً عنه، تحتضنه بعينيها، والدموع تحجب عنها شبحه، فلا تراه كما ترغب، وحين بدأ القطار في إعلان تحركه، مطلقاً صافرته: تذكّر لحظتها.. الفتى الصغير حضن أمه الدافئ.. والحنون، وهذا ما دفعه والقطار يتحرك، أن يحاول الارتماء، على هذا الحضن، ولكن الأرض الصلبة هي التي احتضنته، وكان دم.. وجرح غائر في جبينه.. لا يزال. ضمدته أمه بحفنة تراب.. وبعض أعشاب، وأودعته بعدها قطار اليوم الثاني) كان ذلك في عام 1965م. متعتها أن الكاتب كان يغرف وهو مقبل على الحياة. مبهوراً ليس يدري ما يدخره القدر من مفاجئات الطريق. وبعد أن يصبح العالم قفا يفقد الإنسان الطعم. لا شيء يدهش. لا شيء يحزن، كما لو كل الأمور سواء. السنوات سلسلة الظهر الفقرية وهنت. توجع هذه المجموعة كما غضروف. يحتاج التعافي إلى زمن وعلاج طبيعي طويل الأمد حتى تسكت الآلام. يعود عمر والعود أحمد. ظنه أن يتمدد هانئاَ على (عنقريب) مرتخي الحبال. يشرب القهوة مع الغالي (تمر السوق) وقت الشروق. سوق (التلاتة)! هيهات يا صديقي. الأطباء يوصون بالرقاد على مسطح. وصفتهم الخشب. وإذ أنت تعود لعلك تلمس الفرق أوان الغروب. زمن الصبا كنت ترتع مقبلاً على جبل الحياة أمامك شامخاً. واليوم أراك ترنو من أعلى سقف العمر. لعلك تكتب العشية شيئاً، إن وجدت الشهية. أو أنت تبني بيتاً في الوادي الأخضر. عنوان المقال ونجومه سقطت عليّ من رف لقصة في المجموعة، يتمتع فيها (أحمد) بعنقريب ، يرقد عليه بمفرده منذ أن سافر أخوه الأكبر إلى الخرطوم ليلتحق بالجامعة.. الآخرون كل اثنين في عنقريب. ص (82). كم كانت الدروب صعبة وقتذاك ، والسكة حديد. الحياة قابضة والنفوس منشرحة. ثم إني يعلم الله احترت في العنوان كيف يكون : أجلست السرائر وهي ضيقة على السرر الفسيحة. ولما أصبح الصباح وجدتها في السُفل ، فتركتها سباتها الذي ترون. حين توقظها شمس الضحى تتزحزح. اليوم ثمة سرر شواغر، كثيرة، متسعة، وبرغم ذلك يرفس بعضنا بعضاً. تقاربنا: (زح من جنبي). سلامنا: (محارباك ما تكلمني). أنسنا: (ضيّقت خلقي). وفاؤنا: (يا خائن.. سرقت قلبي). غرامنا: (أنا الليل وأنت النجوم. أنت الضحك وأنا الهموم). صحفنا خمسون. أحزابنا ستون. جنيهنا سبعون. عاصمتنا خرطوم. نشرة الأحوال السياسية في أبريل: ارتفاع الموج متر ونصف متر. الحلم امتلاك العالم. إني أتوجس خيفة: الشجر يسير. المطر غزير. البحر لجي. أهي كذبة؟ نكون أو لا نكون؟ تلك هي المسألة. ثمانون. تسعون. مائة كاملة، فهلاّ بعد التعب انجمينا؟ عجيبة قصصنا القصيرة. وأكثر عجباً منها، رواية هذا الكون، الذي ناموسه يتمدد يتمدد. والإنسان فيه يسعى ملسوعاً، ليس يسعد.
*****
وقصة قصيرة :
بقلم / عمر الحويج
[ مشهد داخل ذاكرة تتلاشى ] .
حمدان الجنيدابي.. يتذكَّر:
أنه.. في تلك، الليلة الليلاء.
حيث الزمان.. كان هو، غير الزمان.
حيث المكان.. كان هو، غير المكان.
حيث الناس.. كانوا هم، غير الناس.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه.. في تلك الليلة، بعينها.. لا غيرها، أرعدت السماء، دونما سحب.. واهتزّت بفعلها.. الأرض، والجدران، والبشر.. وانشقّ الفضاء، عن دويٍّ هائل.. لا مثيل له، إلا في أساطير.. الآتين، وليس الأولين!!.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه.. فقط، وفي لحظته: تلك الأولى. أو تحديداً أكثر دقة. ما قبل الأولى. انقلب على جنبه الأيمن، ولكن حين اصطدم، ذلك الدويّ، بجدار الحلم، الذي كان يناوشه. انقلب، على جنبه، الأيسر.. ولكن حين صحبت ذلك الدويّ الهائل، تلك الهزة القوية، التي ارتعش لها ذلك الجسد، الموبوء قبلاً، بالسهر والحمى. حتى انتفض مذعوراً، مفزوعاً.
أول.. ما فكر فيه: أن حدثاً، جللاً قد وقع.. رغم أنه لم يتبيّنه بعد، إلا أنه قفز، هذه المرة بجنبيه: الأيمن، والأيسر -معاً هكذا- وفي وقتٍ واحد.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه.. وكخطوة أولى -وإن لم تكن إرادية- بحث عن سكّينه، التي عادة لا يخلعها من ذراعه إلا كي تعمل: عند الضرورة، أو عند اللزوم.. وهذا ما يحدث بوتيرة متصلة.. يومياً.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه.. ترك أمرَ تحسُّسه، لموقع السكين. وتلفت يبحث عن نعاله، حين وجد نفسه -كيف لا يدري- في قلب الفضاء الشاسع.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه، لم يكمل البحث عن نعاله. تناسى أمر النعال، حين أحس، أن شوكة لعينة، انغرزت في باطن قدمه.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه.. تناسى أمر تلك الشوكة اللعينة، حين رأى، الآخرين وقد سبقوه، واحتلوا قبله، قلب الفضاء الشاسع.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه، تناسى أمر الآخرين، الذين احتلوا قبله، قلب الفضاء الشاسع، حين رأى، على مدى السراب، تلك الشجرة الضخمة، التي هي بحجم الفضاء الشاسع.. المتدلية من الأعالي، ولم تلامس الأرض، جذورها.. بعد.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه.. تناسى، وبتصميم هذه المرة، أمر تلك الشجرة الضخمة، والتي هي بحجم الفضاء الشاسع.. المتدلية من الأعالي، ولم تلامس الأرض، جذورها.. بعد. حين رأى.. لدهشته، الآخرين.. الذين احتلوا قبله، قلب الفضاء الشاسع.. يتحركون، ولكن بأكفان: بعضهم، بلا أجساد، داخل أكفانهم، وبعضهم بلا رؤوس على أكتافهم.
حمدان الجيندابي.. يتذكّر:
أنه.. تناسى أمر الآخرين، الذين يتحركون.. ولكن بأكفان: بعضهم، بلا أجساد داخل أكفانهم، وبعضهم بلا رؤوس على أكتفاهم. حين تذكر، أولئك الذين يأتون إليه.. يقولون:
هؤلاء الناس، يولدون.. بغير ما ترغب!!.
يقول لهم، حمدان الجنيدابي:
أبيدوهم.. أبيدوهم.. أبيدوهم ..!!
حمدان الجيندابي.. يتذكّر:
أنه.. تناسى أمر أولئك الذين يأتون إليه، حين رأى بأم عينيه، ذلك الجسد، المصلوب بامتداد تلك الشجرة، الضخمة، بحجم الفضاء الشاسع، المتدلية من الأعالي، ولم تلامس الأرض، جذورها، بعد.
حمدان الجيندابي.. يتذكّر:
أنه.. تناسى أمر ذلك الجسد، حين تذكّر أولئك الذين يأتون إليه.. يقولون:
هؤلاء الناس، يعيشون حياتهم.. بغير ما ترغب .. !!
يقول لهم.. حمدان الجيندابي:
أبيدوهم.. أبيدوهم.. أبيدوهم .. !!
حمدان الجيندابي.. يتذكّر:
أنه.. تناسى أمر أولئك الذين يأتون إليه، حين لمح لبرهة قصيرة وعابرة، وإن لم تكن عامدة.. أن ذلك الجسد المصلوب، بامتداد الشجرة الضخمة، المتدلية من الأعالي، بحجم الفضاء الشاسع، ولم تلامس الأرض،جذورها.. بعد، يشبهه إلا قليلاً، بمقدار لم يتبيّنه بعد.
حمدان الجيندابي.. يتذكر:
أنه.. تناسى أمر ذلك الجسد، الذي يشبهه، إلا قليلاً بمقدار لم يتبينه بعد، حين تذكر أولئك الذين يأتون إليه.. يقولون:
هؤلاء الناس، يفرحون، ويحزنون.. بغير ما ترغب ..!!
يقول لهم.. حمدان الجنيدابي:
أبيدوهم.. أبيدوهم.. أبيدوهم!!.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه.. لم يتناس هذه المرة، وإنما عادت إليه ذاكرته، وامضة براقة.. وليس كعادتها، حين تأكد له، بعد برهة لاحقة، لم تكن أبداً، غير أنها متعمدة. أن هذا الجسد، المصلوب بامتداد الشجرة الضخمة، بحجم الفضاء الشاسع، المتدلية من الأعالي، ولم تلامس الأرض، جذورها.. بعد. لم يكن إلا هو بعينه، حمدان الجيندابي، بسكّينه.. التي لا يخلعها إلا لكي تعمل.. بنعاله التي تناسَى أن ينتعلها.. وحتى بتلك الشوكة اللعينة التي انغرزت في باطن قدمه.
حمدان الجنيدابي.. يتذكّر:
أنه.. تناسى كل هذا، حين رأى تلك الشجرة الضخمة، تعلو.. وتعلو، وما عاد مصلوباً عليها ذلك الجسد، الذي هو بعينه، حمدان الجيندابي، حين تذكر أولئك الذين يأتون إليه.. يقولون:
هؤلاء الناس، يموتون.. بغير ما ترغب ..!!
يقول لهم.. حمدان الجيندابي:
أبيدوهم.. أبيدوهم.. أبيدوهم ..!!
حمدان الجيندابي.. يتذكّر:
أنه.. تناسى أمر أولئك الذين يأتون إليه، حين رأى تلك الشجرة الضخمة، وقد عادت وغرزت جذورها في باطن الأرض، ولم يعد مصلوباً عليها ذلك الجسد، الذي هو بعينه حمدان الجيندابي.
حمدان الجيندابي.. يتذكر:
أنه.. تناسى أمر تلك الشجرة الضخمة والتي غرزت جذورها في باطن الأرض، ولم يعد مصلوباً عليها ذلك الجسد، والذي هو بعينه حمدان الجيندابي،حين وجد نفسه:يجري ويجري،يلهث ويلهث، بحثاً عن حمدان الجيندابي، الذي لم يعد مصلوباً على تلك الشجرة الضخمة،بحجم الفضاء الشاسع،والتي انغرزت جذورها في باطن الارض
وإن لم يجده..يجري ويلهث..وإن لم يجده،يجري ويلهث..وإن لم….
حمدان الجيندابي.. يتذكر:
أنه.. لم يعد يتذكر، فقد بدأت ذاكرته، تتلاشى.. تتلاشى.. تتلاشى.
*****
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.