بدد الفراق غير المتوقع بين الأسير المحرر نزار التميمي وزوجته الأسيرة المحررة وابنة عمه أحلام التميمي فرحتهما الكبيرة بهذا الإفراج، فصار همهما الأكبر هو اللقاء بعدما كان الخروج من سجن طويل ومعتم وصعب. ونزار وأحلام، يجسدان قصة حب، قل نظيرها، يمكن أن يطلق عليها قصة «روميو وجولييت» الفلسطينية، وهي مماثلة لكثير من قصص الحب الأسطورية في العالم، فقد تزوجا دون أن يلتقيا سوى مرة واحدة من خلف سياج شائك، ولم يلتقيا بعدها أبدا سوى مرة واحدة من خلف زجاج، عندما كانا يقضيان أحكاما مختلفة بالمؤبد داخل السجون. وكان نزار، 38 عاما، الذي ينتمي لفتح، اعتقل عام 1993 وحكم عليه بالسجن المؤبد، بعد أن أدانته محكمة إسرائيلية بخطف وقتل مستوطن في رام الله، بينما اعتقلت أحلام، 31 عاما، التي تنتمي لحماس، عام 2001، وقضت محكمة إسرائيلية بسجنها 16 مؤبدا و250 عاما بعد أن أدانتها بالمساعدة في عملية تفجيرية في مطعم إسرائيلي. واليوم وبعد أن أفرجت إسرائيل عن نزار إلى بلدته «النبي صالح» قرب رام الله، ورحلت أحلام إلى الأردن، ضمن صفقة تبادل الأسرى مع حماس، ما زال لقاء العروسين يشكل الهاجس الأول بالنسبة لهما، غير أن المعضلة الرئيسية هي أن قرار اللقاء لا يزال كما كان، بيد إسرائيل. وقال نزار ل«الشرق الأوسط» وهو يستقبل مئات المهنئين بالإفراج عنه، «أخطط الآن للسفر إلى الأردن، هذا هو هدفي الأول والأخير». غير أن هذا الهدف قد لا يبدو سهل المنال، وعادة ما يمنع الإسرائيليون فلسطينيين من السفر إلى عمان، من دون إبداء الأسباب، وليس لأسرى وحسب، لكن نزار يأمل بالسفر من دون أي معيقات، خصوصا أنه من بين الذين أفرج عنهم من دون قيود. وأضاف: «سأسافر، هذا هو كل ما أخطط له الآن، وسأفعل بإذن الله». ولا تفارق أحلام مخيلة نزار أبدا، وحتى إذا انشغل قليلا بمعانقة المهنئين، فإنهم يذكرونه بها: «الحمد لله على سلامتك وسلامة أحلام، ألف ألف مبروك». ويوصيه آخرون وهم يغادرون «بالله تسلم على أحلام يا نزار وتهنيها». إذن أحلام جزء لا يتجزأ من اللحظة في حياة نزار. وقال نزار «برغم أني أعيش لحظات الحرية التي حرمت منها وأحاول أن أعيش اللحظة وأستمتع بها، لكن تنتابني غصة وألم بسبب أخذ أحلام مني». وبدأت قصة نزار وأحلام في بداية التسعينات، عندما اعتقل نزار بينما كانت أحلام ما زالت طالبة في عمان حيث تسكن عائلتها. وعلقت أحلام صورة لابن عمها المناضل في غرفتها الصغيرة في عمان، وكان يمثل لها فارسا يختزل النضال الذي طالما حلمت بالمشاركة به. وبعد أعوام قليلة انتقلت أحلام إلى الضفة الغربية لتدرس في جامعة بيرزيت، وظل نزار يشكل لها حلما جميلا. وفي 10 ديسمبر (كانون الأول) 1998، زارته في سجنه في عسقلان لأول مرة، حيث كان يقضي محكوميته. وقال نزار عن هذا اللقاء: «كان لقاء مفصليا، لقد غير حياتي، وكان لحظة انطلاق العلاقة». فبعده ظلا يتبادلان الرسائل بانتظام، وأدى ذلك إلى تطور وتوطيد العلاقة فيما بينهما. وبعد 3 سنوات، حدث تطور مفاجئ، إذ اعتقلت أحلام التي أصبحت تنتمي لحماس، بتهمة المساعدة في تنفيذ عملية في إسرائيل، وحوكمت بالسجن المؤبد 16 مرة. وحده نزار لم يتفاجأ من ابنة عمه، وقال: «كنت أعرف مدى انتمائها الوطني ولم أستبعد أنها ستكون جزءا من عملية النضال الوطني آنذاك». كبر الحب بينهما، ولم يجدا آنذاك سوى الاستمرار في تبادل الرسائل، من سجن إلى سجن. وفي 2005، قررا الزواج. كان قرارا «مجنونا» مثل حلم صعب التحقيق. ولم يصدق أحد أن أسيرا محكوما بالمؤبد يريد أن يتزوج أسيرة محكومة بالمؤبدات، غير أنهما قررا وانتهى الأمر. وحدهما كانا يعلمان أن باب السجن لن يغلق عليهما للأبد، وفعلا ارتبطا عبر وكلاء في محكمة شرعية في رام الله، بعدما رفضت إسرائيل السماح لهما بالالتقاء وإتمام عملية عقد القران في السجن. وبرغم أن القانون الإسرائيلي ينص على السماح لأي زوجين معتقلين بأن يلتقيا بشكل مفتوح كل 3 شهور، فإن إدارة السجون ضربت بالقرار عرض الحائط، ولم تسمح لنزار وأحلام بالالتقاء أبدا سوى بعد 5 سنوات أي في 2010. وقال نزار، مستذكرا: «كان لقاء استثنائيا» لكنه لم يكن مفتوحا كما أرادا، بل عبر الهاتف والزجاج المحكم. وتحدث الزوجان طويلا لكن من دون خصوصية إذ كانا يعتقدان أن الشاباك يسجل ويراقب. وفعلا ثبت ذلك، وطلبت المخابرات أحلام للتحقيق من جديد في جلسة استمرت 4 ساعات حول فحوى المكالمة. عاد نزار إلى سجنه وأحلام إلى سجنها، على أمل لقاء آخر. والأسبوع الماضي، أبلغ الزوجان العاشقان الأسيران بقرار الإفراج عنهما، لكن أيضا من دون لقاء. عاد نزار مع أشواقه إلى رام الله وطارت أحلام مع أشواقها إلى الأردن. ومثل سنوات ماضية، فإن التواصل بينهما لا يتم مباشرة، لكنه أكثر تقنية الآن، عبر الهاتف وبرامج الفيديو المربوطة بالإنترنت. لكن هذا الوضع لن يدوم طويلا بحسب نزار، الذي يملك إيمانا عميقا بلقاء زوجته، مثلما كان يملك إيمانا عميقا بالإفراج عنه وعنها، ولذلك لا يتردد في دعوة مهنئيه إلى العرس في عمان مفاخرا وهو الفتحاوي بحبه لأحلام الحمساوية، وأملا أن يتعلم منهما المتخاصمون في فتح وحماس، «ما تنسوا تيجوا كلكم معزومين على عرسي أنا وأحلام».