أصدرت رئيسة مكتب يتبع الأممالمتحدة، يعنى بمكافحة الفساد، واستقالت من منصبها مؤخرا، توبيخا عنيفا بحق بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، متهمة إياه بتقويض جهودها وقيادة المنظمة الدولية نحو حقبة من التراجع والانحسار، طبقا لما ورد في تقرير سري أصدرته بمناسبة انتهاء فترة عملها. صدر التقرير من قبل إنغا بريت إلينيوس، السويدية التي استقالت من منصبها كسكرتير ثان بمكتب خدمات المراقبة الداخلية، فيما يعد هجوما شخصيا استثنائيا ضد كي مون من قبل مسؤولة بارزة بالأممالمتحدة. كما تشكل المذكرة تحديا لصورة كي مون التي يجري الترويج لها بقوة باعتباره زعيم المساءلة. يذكر أنه في أعقاب توليه منصبه عام 2007، تعهد بان كي مون باستعادة سمعة الأممالمتحدة الرفيعة التي تضررت جراء تكشف فضائح فساد في برنامج «النفط مقابل الغذاء» بالعراق. إلا أن إلينيوس أشارت إلى أنه بدلا من أن يتزعم جهود المساءلة، عمد بان كي مون، إلى جانب كبار مستشاريه، على نحو منظم إلى تقويض استقلالية مكتبها، وذلك في بادئ الأمر بمحاولة بناء وحدة تحقيقات منافسة تحت سلطته المباشرة، ثم تقويض جهودها لاختيار أعضاء فريق العمل المعاون لها. وكتبت إلينيوس في المذكرة التي تقع في 50 صفحة، موجهة خطابها ل«بان»: «تصرفاتك لا تبعث على الأسى فحسب، وإنما تستحق التوبيخ الجاد. تصرفاتك غير مسبوقة، وفي اعتقادي تشكل حرجا خطيرا لشخصكم. يؤسفني القول إن الأمانة العامة للأمم المتحدة تمر الآن بفترة انحطاط». من جانبه، قال متحدث باسم الأممالمتحدة إن الأمين العام بان كي مون «فعل الكثير» منذ ترأسه هذه الهيئة، رافضا الانتقادات التي وجهتها إليه المسؤولة المستقيلة. وقال مارتن نسيركي «يكفي إلقاء نظرة على المعطيات المتعلقة بالأمين العام لجهة القيادة ومسائل مهمة، لرؤية أنه فعل الكثير، وأنه ملتزم بشكل واضح وناشط سواء كان بشأن التغير المناخي والمساواة بين النساء والرجال وهايتي وغزة وأفغانستان، أو نزع السلاح». وأضاف المتحدث باسم الأممالمتحدة أن «الانتقادات البناءة مرحب بها، وهي ضرورية لدفع منظمة كبيرة مثل (منظمتنا) قدما»، لكنه أضاف أن الوثيقة التي أصدرتها المسؤولة المستقيلة تتضمن «أمورا غير صحيحة»، وأكد أنه سيتم تعيين بديل لإلينيوس في الأيام المقبلة. كذلك، قال كبار مستشاري بان كي مون إن مذكرة إلينيوس تشكل عرضا لخلافاتها مع الأمين العام يفتقر بعمق إلى التوازن، مضيفين أن نقد أسلوب قيادة بان كي مون للأمم المتحدة انطوى على ظلم واضح. وكتب فيجاي نامبيار، في رد على المذكرة، قائلا «عند إلقاء نظرة على سجله يتضح أن الأمين العام بان كي مون قدم رؤية عبقرية للقيادة فيما يخص قضايا مهمة تتنوع بين التغير المناخي والتنمية وتمكين المرأة. لقد حرص على تعزيز قضية المساواة بين النوعين بصورة عامة وداخل المنظمة. وتولى القيادة في تناول قضايا سياسية مهمة، من غزة إلى هايتي إلى السودان». وأضاف نامبيار «من المؤسف القول إن الكثير من الحقائق ذات الصلة جرى تجاهلها أو إساءة عرضها». ويتزامن رحيل إلينيوس (72 عاما) مع أزمة في قسم التحقيقات الداخلية بالأممالمتحدة. وخلال العامين الماضيين، تخلت المنظمة الدولية عن بعض كبار المحققين بها، وفشلت في ملء عشرات الوظائف الخالية، بينها رئيس قسم التحقيقات بمكتب مراقبة الخدمات الداخلية. ولا يزال هذا المنصب شاغرا منذ عام 2006، الأمر الذي ترك فجوة في قدرة الأممالمتحدة على ضبط ذاتها، حسبما يعتقد دبلوماسيون. من ناحيته، قال مارك كورنبلو، المتحدث الرسمي باسم البعثة الأميركية لدى الأممالمتحدة «نشعر بخيبة أمل حيال مستوى أداء قسم التحقيقات في الفترة الأخيرة. إن التغيير القادم في القيادة يعد بمثابة فرصة لإجراء تحسين كبير في أدائه وتعزيز الإشراف والشفافية بمختلف أرجاء المنظمة». يذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أنشأت مكتب خدمات المراقبة الداخلية عام 1994 لإجراء عمليات مراجعة إدارية للأقسام الرئيسية بالأممالمتحدة، وتنفيذ تحقيقات في قضايا الفساد وسوء التصرف. ومنح قرار التأسيس المكتب «استقلالية عملية»، لكنه وضَعَه تحت سلطة الأمين العام، وجعَلَه معتمدا على أقسام الأممالمتحدة التي يتولى ضبطها في الحصول على جزء كبير من تمويله والدعم الإداري. وقد سلط الخلاف بين إلينيوس وبان كي مون الضوء على بعض التوترات، وكشف عن صراع طويل وحاد على السيطرة على مسار تحقيقات الأممالمتحدة. وفي الوقت الذي أشارت فيه إلينيوس إلى تحرك بان كي مون لإنشاء وحدة جديدة للتحقيقات كمؤشر على سعيه لتقويض استقلاليتها، قال نامبيار إن هذا الإجراء كان يرمي لتعزيز قدرة الأممالمتحدة على محاربة الفساد. كما دخلت إلينيوس في صدام مع بان كي مون بشأن جهودها للاستعانة بمحقق فيدرالي سابق، روبرت أبليتون، الذي ترأس قوة العمل المعنية بالتوريدات، وهي وحدة مؤقتة لمكافحة الجريمة أنشئت لإجراء تحقيقات قوية في الفساد داخل مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة منذ عام 2006 حتى العام الماضي. وأدت التحقيقات التي أجرتها الوحدة إلى عدد غير مسبوق من النتائج التي خلصت لوجود سوء سلوك من قبل مسؤولي الأممالمتحدة، مما دفع سلطات فيدرالية لإجراء تحقيقات بشأن الفساد داخل المنظمة. من ناحيتهم، قال مستشارون لبان كي مون إنهم اعترضوا على طلب إلينيوس تعيين أبليتون بناء على عدم دراستها بصورة مناسبة المرشحات لهذا المنصب، مضيفين أن القرار الأخير كان يجب أن يتخذه كي مون، وليس إلينيوس. وقال نامبيار «إن الأمين العام يعترف تماما بالاستقلالية العملية لمكتب خدمات المراقبة الداخلية»، لكنه اعتبر أن ذلك «لا يعفي إلينيوس من تطبيق القواعد المعيارية للتعيين». * خدمة «واشنطن بوست» خاص ب«الشرق الأوسط»