ظهر على الفضائية مؤخراً، وقد كسى الشيب لحيته، ونال من ألمعيته الغنائية سنوات الغربة الطويلة التي قضاها خارج السودان، ونسي خلالها المستمع السوداني، حروف اسمه الابداعي، انه الفنان محمد كرم الله، صاحب أغنية (الطيف) التي حقق بها شهرة كبيرة.. لكن.. اختفى بعدها.. ليعود مرة أخرى، محاولاً استعادة الألق القديم، ليقبع هناك مع (طيفه) بعد انفضاض (المايكروفونات) عن حنجرته.. حققت الأغنية (اليتيمة) -الطيف- لمحمد كرم الله موسوعية جماهيرية، كان يمكن من خلالها استثمار نجاحها ليغدو مطرب (شباك).. ولكن. كثيرون من مطربي بلادي قدموا أغنية جميلة، تتفوق أحياناً على الأغنيات التي عرفوا بها بعد ذلك، وكانت أغنيته (اليتيمة) مصدراً لنجوميتهم وشهرتهم، إلا أنهم بعدها (ناموا على الخط) إثر نجاحها دون تجديد.. ولعب الاعلام دوراً في ذلك بتركيزه عليها واهمال اغنياتهم الأخرى، وبالتالي أصبحت هذه (اليتيمة) مُضرة بالمطرب أكثر من نفعها عليه.. سلطت الاذاعة السودانية اثيرها على أغنية (الطيف) على نحو لم يتصوره الفنان نفسه، وأغفلت عشرات الأغنيات اللاحقة له، ولم يتعامل معها الاعلام بنفس الحماسة التي تعامل بها مع (الطيف)، وتناولها بانتقائية، فشل صاحبها في استخدام (استيكة) الظهور مجدداً لاستعادة الاستماع بعدها.. كانت من الأغنيات الجميلة التي قابلها المستمع باعجاب واحترام عاليين، وكان يتوقع منه حيال نجاحها عطاءاً كبيراً يتناسب مع صوته الذي يختزن طاقة لحنية وتعبيرية في الأداء، إلا أن الدهر والغربة الطويلة، (هزمت) مشروع العودة، وتوارى صاحبها عن الظهور، ولم تفلح الاستضافة بالفضائية في ايجاد مساحة جديدة له على الساحة.. عدد كبير شبيه بكرم الله من المطربين، قدم أغنية كانت سبباً للشهرة، منهم محمد سلام في أغنية (قام يتعزز الليمون)، وفنان الشرق موسى الأمير في أغنية (سواكن)، والفنان أبو عبيدة حسن في أغنيته (يا ناس شوفوا لي حلل)، و(شقي ومجنون) للكحلاوي.. وغيرهم.. كانت هذه الأغنيات البطاقة التعريفية لهم، إلا أنهم غابوا بعدها، كان المطرب أيام زمان يحتاج إلى عشر سنوات حتى يحقق الشهرة على الاقل، والآن فقط خمسة عشر يوماً كفيلة عبر أغنية سريعة أن تحقق الشهرة، وما ان تنقضي أيامها الخمسة عشر، إلا ويفقد كل شيء وينساه الجمهور وتركن أغنيته (اليتيمة) في أرفف الألبومات، لتبقى أغنيته في أفق الذاكرة كواحدة من الأغنيات الجميلة واليتيمة.. ومن المفارقات أن هناك عدداً من المطربين ما زالوا متواصلين مع الغناء إلا أن (اليتيمة) هي ما يطلبها منه المستمعون.. عدد منهم قدم أغنيات تتوافر فيها شروط الابداع الغنائي، وكانت بمثابة نافذة لااحلامهم ولكن لم يستطيعوا بعدها تقديم أغنيات لاحقة يرفدوا بها تجربتهم الابداعية، ويحققوا معها تنوعاً غنائياً يعزز مسيرتهم الفنية على مستوى الشكل والمضمون، وبقوا أسيري هذه الأغنية (اليتيمة) التي لخصت مشوارهم الفني.. رائع أن تبقى في حياتك معروفاً ولا أحد ينساك، ولكن هناك بعض الأسباب حالت -أو تحول- دون تواصل المطربين مع العطاء الابداعي مجدداً، وبقيت أغنيتهم (اليتيمة) هي البطاقة لتحدد هويتهم الابداعية، كما أن هناك أسباباً أخرى خفية وغير معلنة، يتحفظ عدد من المطبين حيالها في البوح باسرارها.. وتمر الأيام و(يطويها غرام)، وهو غرام الاستماع للجديد من هؤلاء الفنانين ذوي الاصوات الفارقة..