قبل أن ينتهي العام الحالي, عام العواصف والربيع بل الفصول الاربعة, الذي تفصلنا عنه ايام معدودات, سيهبط فخامة الرئيس سيلفاكير ميارديت رئيس دولة السودان الجنوبي, أو الدولة رقم 193 في الأممالمتحدة, في مطار بن غوريون (اقرأ اللد) في زيارة رسمية (وعلنية) لاسرائيل تضع حداً لكل الشائعات والتسريبات السابقة وتؤسس لتحالف استراتيجي بينهما, بجدول أعمال «اقليمي» ينهض في الاساس على نظرية «الثأر» والانتقام من كل ما هو عربي, وربما لاحقاً الانخراط في بناء احلاف سياسية واقتصادية وعسكرية تجعل من «فكرة» عودة الجنوب الى الشمال (التي يروّج لها سياسيون وقادة احزاب مأزومة في الشمال تريد الغمز من قناة الجنرال البشير) بمثابة المستحيل, حيث يُستعاض عنه بالبديل الجاهز وهو الدعم الاسرائيلي والرعاية الاميركية والتكتلات الافريقية, ذات الطابع العسكري المكرّس لمحاربة الارهاب بما هو الوصفة الاميركية الجاهزة, لتبرير تواجدها العسكري الميداني في تلك الدول, التي تعاني الفقر والمديونية والحروب الاهلية والتمردات المتواصلة ناهيك عن افتقارها للبنى التحتية والخدمات ودائماً وصاية الصندوق والبنك الدوليين على اداراتها المالية والاقتصادية.. ما علينا زائر اسرائيل «الجديد» فخامة الرئيس أو «الجنرال», قاد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت زعامة جون قرنق، قبل ان يصبح رئيسا للحركة بعد اغتيال قرنق في حادث طائرة «مروحية» ما يزال الغموض يكتنفه حتى الان وبخاصة ان الرجل الذي لم يكن انفصال الجنوب اولوية على برنامجه بقدر ما كان معنياً ببناء دولة مدنية، ديمقراطية وتعددية تقوم على اساس المواطنة ولا تمنح ميزة لمسلم على حساب مسيحي او تفضل عربيا شماليا على جنوبي وفي الدرجة الاولى تفصل الدين عن الدولة ذلك «الفصل» الذي قاومه زعيما ثورة الانقاذ عمر البشير وحسن الترابي بل ذهبا في حماستهما الدينية (الظاهرة على الاقل) حدا لم يبلغه قبلهما الديكتاتور (او الرئيس المؤمن) جعفر النميري، ليعلنا عزمهما فرض الشريعة الاسلامية على اهالي الجنوب مسيحيين ووثنيين على حد سواء. لماذا نعود الى نبش هذه المسألة؟ ثمة وجاهة في طرح السؤال كما ايضاً في وجود مبررات تسمح بالوقوف على ارتكابات نظام الانقاذ في ايصال الامور بين «شطري» السودان الى الحال السيئة الراهنة واستمرار العداء والاحتراب حتى بعد حصول شعب جنوب السودان على حق تقرير المصير واعلان دولته وقبولها عضوا في الاممالمتحدة. جاءت ثورة الثلاثين من حزيران 1989 (زعماً) لانقاذ السودان من مشكلاته المتفاقمة والمتصاعد منذ الاستقلال بعد ان عبث الجنرالات بالبلاد وشعبها, واقاموا انظمة ديكتاتورية هددت وحدة السودان واشعلت فيه الحروب والانقسامات الافقية والعامودية، ولم يكن احد ليُصدق ان جنرالا وشيخا يمكن ان يكون «اداؤهما» افضل من سابقهما وبخاصة انهما اطاحا حكومة منتخبة بصرف النظر عن رأينا في اداء هذه الحكومة وقدرتها على التصدي لمشكلات البلاد لكنها كانت منتخبة. مسيرة سنوات الانقاذ «الطويلة» واضحة «وانجازاتها» مكتوبة على الحائط وأحد ابرز هذه «الانجازات» هو تقسيم السودان وانفصال الجنوب دون ان ننسى دارفور والنيل الازرق واخواتهما من «الولايات» التي توشك ان تنفصل او تتمتع بحكم ذاتي, بهذه الصيغة او تلك. اين من هنا؟ في غياب التأثير العربي أو قل سيادة الانحطاط العربي فلا مفاجأة كبرى, أن يصبح نظام سيلفاكير صديقا لاسرائيل, فهو يسير على خطى «ثوار» ارتيريا بعد استقلالهم, كما هي الحال مع نظام اسياس افورقي الذي خلف نظام منغستو هيلا مريام وايضا في «رهط» الدول الافريقية التي هرولت لاعادة علاقتها المقطوعة باسرائيل بعد ان بات الطريق الى واشنطن يمر بها. ليت علاقات سيلفاكير باسرائيل تنتهي عند مجرد زيارة بروتوكولية، لكنها في واقع الحال ليست كذلك, ويد اسرائيل كانت «طويلة» في الجنوب حتى في ظل حكم «الانقاذ» وقبله ايضا.. وهي مفتوحة لتعاون أوسع وأعمق تُنفّذ اسرائيل من خلاله خططها الاستراتيجية وفي مقدمتها محاصرة مصر «وإعطاشها». انتظروا اذا خطاب نتنياهو «نعم نتنياهو» في برلمان جمهورية السودان الجنوب عندما يزور (جوبا) الشهر المقبل بعد عطلة الايام في جولة افريقية واسعة تؤشر على «عمق» النفوذ الاسرائيلي في القارة السوداء. [email protected] الراي