اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    "الكنابي": تهجير المواطنين بإزالة السكن العشوائي في الجزيرة والخرطوم تطور خطير    الأسلحة الكيميائية وانهيار الجيش السوداني    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    حكومة أبو نوبة.. ولادة قاتلة ومسمار آخر في نعش "تأسيس"    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    الفوز بهدفين.. ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحدث في سجن كوبر.. المطبخ أو طعام الأثيم

كان المشهد بالنسبة لي مدهشاً!!، وأنا أشاهد (النبطشي) يضع جردل الفاصوليا تحت الماسورة ويضيف إليها مباشرةً الماء. فسألته بإستغراب، ماذا تفعل يا رجل؟، فرد علي بِلا إهتمام، "بصلح في المونه دي". أعدت له السؤال، بتصلح فيها ولا بتخرب فيها؟، بعد أن أرسل ابتسامة صفراء رد قائلاً " والله الصبة دي كان ما أدينها موية زول بقدر ادخل فيها معلقة مافي، بعدين ياخ ما في زول في السجن دا عندو (دربكين)!، وبعد دا انشاء الله يدوروها، أصلو يوم الفاصوليا دا بَرجِع الجرادل زي ما جِبتها امكن ينقص ربعها بس".
مرت أيام وربما أسابيع ليصادفني مشهد آخر وجدت فيه أربعة من المساجين يشكلون تماثيل من الفاصوليا، كانت دهشتي هذه المرة ممزوجة باستنكار لمن يعبث بالطعام نعمة الله للبشر التي تسوجب الشكر لله!، وكنت قد عبرت عن ذلك لهم صراحةً. فردوا علي بما يعني أن الله برئ مما تفعله ادارة السجن بالنعمة والطعام، وأن كل الاصناف يذهب أكثر من نصفها للزبالة، ولا يلجأ إليها إلا من انقطع عنه المصروف ثم يهجرها فور حصوله على شئ من المال يقيه نكد طعام السجن. أشاروا إلى كوم من الفاصوليا على الارض بجوارها عدد كبير من الطير (ود ابرق، وعشوشة، ودخان عزبات، وببغاء استرالي أصفر واحد فقط بين جمهور الطيور) قالوا لي انظر ماذا يأكل الطير؟، فأجبت يأكل الرغيف (الخبز)، ولماذا لا يأكل الفاصوليا؟، حرت أنا في الإجابة، فعجل أحدهم بالرد علي بجدية مفرطة، ربما كانت طريقته في الاجابة سببها، استنكاري لتماثيلهم وتمثيلهم بالفاصوليا،كان شاباً من المسيرية، لكنه رد قائلاً " طعام السجن هو طعام الأثيم ناس المطبخ والادارة نحن عندهم أقل من الغنم والبقر والخرفان، ما بنستحق ناكل حتى، عشان كدا بيجيبوا لينا الفاصوليا الضاربة، والعدس الضارب، والفول الضارب" ثم رماني بسؤال مفاجئ، انت شفت الرجلة؟، فأجبته نعم ولكني لم أجربها لأن منظهرها فظيع ومقذذ (تطبخ بسيقانها كاملةً)، ضحك وقال لي "أها الرجلة دي والله ذي أبو اللصيق!"، ثم سألني بتعرف أبو اللصيق؟. أجبت لا، قال " ما ود خرطوم، ابو اللصيق دي قشة عندنا بيسعاها البقر" ثم واصل بحماس " ياخ انت شفت ولا سمعت بي طيرة عملت ذَنِب!!؟، ياخ أكل السجن دا عقاب لينا، الحكومة دي ما حسبانا ناس بناكل ونشرب زيهم، الله ذاتو بيأخر الحساب ويكرمك في اكلك وشرابك وعيشتك، لكن ديل أعوذ بالله منهم، ربنا ما جعل فيهم رحمة ولا شفقة على زول". تدخل في الحوار شاب من أبيي وهو منهمك في إكمال هيئة تمساح من الفاصوليا، " يا أستاذ دا كلام بتاع مساجين ساكت مايهمك، بعدين مسيرية دا ذاتوا بيعبدوا حصين انت ما تشوف حصان فاصوليا بتاعو دا" ثم ارسل ابتسامة ذات مغزى وأضاف " هاآآآآي تقول لي بقر ما أنا هندي"، انصرفت عنهم بعد أن عرفت أنهم كانوا يتجادلون مع (ود أبيي) كما يسمونه حول عبادتهم للبقر، ولم ينسى صاحبنا قضيته. بعد ذلك عرفت أن كل السجناء يعرفون ويتندرون بأن الطير وحتى الحمام لا يأكل طعام السجن حتى الفول منه، وأن ذلك مشهورٌ بينهم.
الطعام في السجن وجبتان، فطور وهو دائماً فول، وغداء يتنوع بين أربعة أصناف، عدس، وقرع، وفاصوليا، ورجلة. في صباح كل يوم يوزع الخبز على السجناء (لكل سجين ستة أرغفة)، وكذلك الخضار (بالتحديد السلطة)، والخضار عبارة عن عجور أو تبش، التبش (مشهور وسط السجناء بالدردقو)، وجرجير، وشئ من ليمون قليل. والخضار دائماً قليل للدرجة التي تثير المشاجرات بين السجناء، كنا عشرة ننظم (ميز) طعامنا معاً وكانت دائماً حصتنا من الخضار ربع عجورة، وبصلة واحدة ومرات اثنتين، وحفنة جرجير، وبعض ليمونات. أما اللحمة فكانت تأتي مسلوقة قطع صغيرة أكبر قليلا من قطع الشية التي تعودنا عليها بمنازلنا. ولكني ومنذ أن تركت (قسم المنتظرين) لم أرى لحمة بعد أن تحولت لقسم (الرضا) المشهور بين المساجين وعسكر السجن باسم (كولمبيا). لاتوجد ضمن ترتيبات غذاء السجن وجبة عشاء.
ليس بالسجن قاعة للطعام!!، بل يوزع الطعام على الاقسام بالجرادل (جرادل الزنك) التي اختفت من المنازل والسوق منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، اذ كان جردل الزنكي من ضمن ما أتت عليه ثورة (البلاستيك) فأصبح جردل الزنكي من الآثار النادرة حتى ضمن محلات بيع الأناتيك التي يشتهر بها سوق أمدرمان. يُحضر النبطشي في الصباح الشاي بالجردل (دائما الشاي احمر)، وعند مدخل القسم ينادي بصوت عالٍ " هووووووي الشاي الشاي... الشاي أب عطرون" بقسم المنتظرين كان للنبطشي نداءاً طريفاً " الشاي الشاي.. الشاي باللبن المنزوع.. الشاي الشاي .. بدون نعناع..كبايتك كبايتك" يتدافع السجناء فالشاي أكثر منتجات السجن اقبالاً وقبولاً وسط السجناء. لن تجد للعطرون أثراً، فطعم الشاي هو طعم الشاي، لكن السجناء يصرون على أن العطرون فيه. ويعتقد السجناء أن العطرون أساسي فالادارة تضعه لتضعف النزوع وتقتل الرغبة الجنسية عند السجناء، ونفس الاعتقاد سائد عن الفول السوداني الذي يوزع بانتظام بين السجناء.
تبدأ معاناة السجناء وتلاحظها أول ما تلاحظها في ملحمة شاي الصباح. (الأواني) إدارة السجن تملك جردل الشاي، بل تخصص عدد معلوم من الجرادل لكل قسم، تنقل بها كل الوجبات بما فيها الشاي. لكن إدارة السجن لا تقدم لك ما تتعاطى به الشاي أو ما تعد عليه وجباتك!. لكن الإدارة تسمح لك بامتلاك أواني للشراب والأكل وحتى للإعداد الاكل، لكنها تمنع الأواني الزجاجية بحجة أنها خطرة، وأنها يمكن استخدامها كسلاح ضمن مشاجرات السجناء، أو حتى أداة انتحار. لكن في سجن كوبر أنت لن تعرف القانون أو اللائحة أبداً، بل عمداً غير مسموح لك بذلك!!. طيلة الفترة التي قضيتها بالسجن لم أشهد حدثاً أو أسمع عن مشاجرة أو حادثة انتحار كان الزجاج أداتها. ورغم المنع وأحياناً مصادرة الادوات الزجاجية وأغلبها (كبابي الشاي)، إلا أن الحصول عليها من دكان السجن ممكن، ولكنه مستحيل عبر أحد زائريك، فإذا احضر لك أي أدوات زجاجية تصادر، أو يجبر زائرك على تفريغها على أكياس البلاستك قبل أن يدخل لمقابلتك. فكل المعلبات الزجاجية من قبيل التناك، المربى، وغيرها تجبر على تفريغها على الاكياس قبل الدخول لمكان الزيارة. لكن ذات الشئ لا ينطبق اذا ما جلبتها من دكان السجن. السجناء يعانون لآن القليل منهم يمتلك المال أو له من يجلب له أواني الشرب والأكل، لكن الاغلبية يعانون كونهم من ولايات عديدة وبعيدة، لكنهم يبتكرون ويحيلون كل شئ لإتمام الغرض. شرب الشاي توظف فيه الكرستالات الفارغة فتحول إلى كبابي لشرب الشاي وتناول الماء، وتخزين الطعام. الحقيقة إن (الكرستال) الفارغ يمتلك السجن!، فهو أداة الزينة التي ينشئها السجناء على الممرات وحول الزروع. وهي أداة إعادة تعبئة الزيوت والجاز، ويبتكر منها السجناء ويصنعون (الشيشة) خاصة من الكبيرة منها. لم يخالف ذلك سوى أثنين حولوا (ابريقاً) لشيشة، واشتهُرت بين السجناء بالشيشة (الاسلامية)، وكانت موضع تندر وقفشات السجناء، فمنهم من يطلق عليها شيشة المشروع الحضاري، وآخر يصدر فتوى بعدم جواز إعادة استعمال الابريق في الوضوء أو التطهر وأن ماؤه غير طهور، وآخر يبادر صاحبيه وهم يهمون بتحضيرجلسة الشيشة بسؤال "شنو ياخوانا خلاص دايرين تتوضؤ؟"، واحد فقط من أهلنا الرزيقات كان مصراً أن يطلق عليها شيشة (مؤتمر وطني)، ويبرر لذلك بأنها جاءت مخالفة لكل معهود وغريبة وأنها غير مسبوقة وكان يقول لصاحبيه،" والله ما سبقكم زول على جنس دا، والله انتو سواتكم دي ياها ذاتها سوات ناس المؤتمر الوطني". أما أنا فكنت أطلق على الفكرة (تدنيس المقدس)، فالسودانيون الابريق عندهم محدد الاستخدام، ولا يجوزون تبديل ما تعارفوا عليه بسهولة، فما بالك إذا بالغ أحدهم وحوله إلى شئ لم يخطر لهم على بال، بالتأكيد سيكون لذلك بالتحديد وقع تدنيس المقدس.
كنت أتسامع من السجناء أنه كانت هناك (لجنة طعام) مكونة من السجناء عبر اقسام السجن، ولكن طيلة فترتي بالسجن لم تكن هناك لجنة طعام ضمنها سجناء أو كلها سجناء!، كان هناك النبطشية الذين ينحصر دورهم في استلام الطعام على الجرادل وتوزيعه كُلٌ على قسمه. المشكلة أنك لن تعرف القانون أو اللائحة ابداً. لكنك ستجد من يقول لك أن الطعام محدد بلائحة السجن أصنافاً وأوزان!!.
الجرادل أول ما تقع عينك عليها لن تطيق أن تأخذ منها طعامك!!، فقد استهلكت وأصبح (الوسخ عليها) كأنه جزء منها لا يغسله ماء ولا يُزيله صابون ولو غسلتها سبع مرات احداهم بالتراب. وتُترك على حوش القسم مكشوفة ليأخذ السجناء منها طعامهم، وكثيراً ما يَزيِلون عنها الذباب. واذا اشتكى أحد السجناء عوقب (حالة واحدة باقية بخاطري) اذ أتي صاحبها مهزوماً مكسور الوجدان، وقد كان يعتقد أنه يهدي الإدارة (نصيحة) فهُدد بالعقاب الشديد لمجرد الشكوى من الذباب!!.
اللحمة تقدم مرة واحدة في اليوم، أو هذا هو المفترض. عبارة عن قطع صغيرة تزن بالكاد ثلاثين جرام وفي الغالب أقل من ذلك. وتوزع على السجناء وهم جلوس لحظة (تمام المساء) لكل منهم قطعة لحم مسلوق وغير مستو وماسخ. ورغم ذلك تأخذ عزتها في أن يحرم منها السجناء لأنها توظف لتصليح المواسير والحمامات أو لنظافة مجاري المستراحات، وحتى للذين يقومون بنظافة القسم من السجناء، كل ذلك بقيمة بيعها. عمال النظافة هؤلاء يقومون ببيع نصيبهم من لحمة السجناء التي هي أجرهم عن النظافة مرة أخرى للسجناء ولكن الذين يتمتعون باللحمة قليلون بقسم المنتظرين خاصة وأن القسم مكتظ كما أنهم يواجهون عنت ومشقة في الحصول على المال فليس مسموح لهم حتى بالخروج لدكان السجن، كما أنهم مثل غيرهم تمنع عنهم الموبايلات التي هي مصدر مصاريفهم التي تأتي في شكل رصيد يعاد بيعه أو استخدامه في شراء حاجاتهم من دكان السجن أو أصحاب اللحمة التي هي أجر عمال النظافة بالقسم. إدارة السجن لا تضطلع بأي نوع من أنواع الصيانة بالسجن. يقوم بذلك السجناء أما بدفع مبالغ عينية يجمعونها من بعضهم البعض، أو ببيع حصتهم من اللحمة. رغم كل ذلك لن تعرف أبداً كم من الوزن قرر لك القانون أو لائحة السجن من اللحم كل يوم!!؟. لكن عجائب السجن لا تنقضى، في المنتظرين كنا نشتري اللحم طاذجاً غير مطبوخ، كان يأتينا به أحد السجناء العاملين بمطبخ السجن كل يوم، فلم نعاني إلا بعد أن أكمل صاحبنا ذاك مدته وخرج، ولم ننجح في ايجاد بديل بعد ذلك، كما أننا زهدنا في اللحمة بعد أن تحولنا محكومين لقسم الرضا، فكان يأتينا اللحم معداً جاهزاً من الأهل وكثيرٌ من الزوار، كما أننا كنا نستعين بدجاج دكان السجن بين الفينة والأخرى.
السمك بالسجن (ممنوع)!، والسبب الذي يُدفع به لك، هو أن السمك يسبب التسمم للنزلاء أو السجناء. لكن يمكنك أن تستمتع بساندوش سمك من دكان السجن ولن يمنعك أحد، فهنا السمك غير ممنوع ولا يسبب التسمم!!؟. ذات يوم كنا موعودين بغدا سمك اعدته زوجة أحد رفقاء العنبر والميز، وانتظرنا ذلك بلهفه، ولكن عندما أتت للسجن رفض الحراس ادخال السمك، وحاول صاحبنا حتى مع الادارة لكن الرفض كان هو الرد، كان ذلك اليوم هو اليوم الذي عرفنا فيه أن السمك ممنوع، ولأن التسمم هو دافع المنع. يومها عانينا مرتين أننا لم نحظى بوجبة السمك، ولم نعد طعاماً بديل، ولم يكن لنا من مخرج سوى سلطة الطماطم والدكوة. لكن ماذا تقول اللائحة أو القانون لن تعرف أبداً.
بالسجن هناك ما يعرف ب(التعيين الخاص)، وهو عبارة عن (بيض ولبن وزبادي وشوربا اللحم)، أو هذا ما عرفناه ورأيناه، اذ يقول السجناء أن الاصناف أكثر من ذلك لكني وللحق لم أرى سوى هذه الاصناف الأربعة. والتعيين الخاص يحدده لك طبيب السجن بحسب مرضك، أو هذا هو المفترض، لكن الذي يحدث أنه كل من يريد ذلك يمكنه الحصول عليه (بطريقة يعرفها السجناء) وقد ساعدت كثيرين في ذلك كنت أرى أنهم من المستحقين الذين أهملهم الطبيب، المهم سنفصل عن التعيين الخاص وحوله بالكتاب!!؟. وبحسب السجناء أيضاً كان التعيين الخاص يصرف على السجناء (المستحقين) على مدار الشهر، ولكن طيلة فترة بقائي بالسجن كان التعيين يصرف ابتداءاً من منتصف الشهر أو خلال آخر عشرة أيام منه. وهنا أيضاً لن تعرف القانون أو اللائحة التي تنظم (التعيين الخاص) ولن تعرف الأصناف، ولا ما اذا كان مستحق طيلة أيام الشهر أي بلا توقف أم لا سبوعين فقط أو أيام من الشهر، خاصة اذا كان التعيين الخاص مُرتبط (بالمرض) فإنه يستوجب استدامة تقديمه للمريض حتى يشفى؟!!، كل المستحقين للتعيين الخاص يصرفون ذات الاصناف، يبدو أنه لا قيمة لنوع المرض الذي تعاني منه، فطبيب السجن سيضمك لقائمة التعيين الخاص على كل حال. ذلك ما يجري ويحدث في سجن كوبر.
مطبخ السجن لا يستخدم طهاة (طباخين) محترفين، بل يعتمد على توظيف السجناء وكما عرفت بلا مقابل. وهؤلاء هم سر رداءة طعام السجن!!. الفول يأتي للسجناء صلب القشرة عليه تراب كثيف. السجناء يتصارعون على ماء الفول لتلافي باقي اشكالاته، وبعضهم ينزع عنه قشرته حتي يستطيع أن يتعاطاه. وكل طعام السجن يتطلب منك إعادة معالجته بشكل أو آخر. الرجلة لاتعالج بل تطبخ بسيقان كاملة، ومعظم السجناء يطلقون عليها (ملاح برسيم)، أما القرع فمسلوق شديد الاصفرار وبلا محسنات أو بهار، يعالجه السجناء بإعادة طبخه على النار. أما الفاصوليا فهي والرجلة أمقت الأطعمة بالسجن وغالباً ما تبور وينفر منها الجميع إلا من اضطر لمسقبة أو نفاذ المصاريف.
العاملين بمطبخ السجن، وبعض السجناء (الشفوت) كما يطلق عليهم، يجلبون الزيت، والسكر، والثوم، وكثيراً من أنواع البهارات ويبيعونها للسجناء، والاقبال على هذه البضائع كبير كونها جيدة، واسعارها لا تقارن باسعار دكان السجن ولاحتى باسعار السوق العادي، ذلك أن دكان السجن يضاعف الاسعار لكل السلع. ولكن كيف يجلبون سلع المطبخ هذه؟، وكيف يدخلونها السجن رغم التفتيش الدائم عليهم؟، هذا حديث سنوفره لتفاصيل أدق على الكتاب.
على العموم هذه هي اللوحة التي يرسمها ما أطلق عليه زميلنا الميسري – طعام الأثيم- وهي تُفصح وببلاغة أن الطعام بالسجن جزء من العقاب، بل أكثر من ذلك أحد أدوات العقاب. أما ماقررته لائحة السجن أو قانونه حقاً لك من الطعام فلن تعرف به ابداً.
أبوذر علي الأمين ياسين
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.