عالم فلك يفجّر مفاجأة عن الكائنات الفضائية    فيتش تعدل نظرتها المستقبلية لمصر    السيد القائد العام … أبا محمد    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة محمد عبدالفتاح البرهان نجل القائد العام للجيش السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«دولتا السودان .... فرص ومخاطر ما بعد الانفصال»..د. حيدر ابراهيم: التاريخ يضمر الانتقام لمن لم يتعلموا منه، أو حاولوا تكراره بطريقة أقرب الى المأساة
نشر في الراكوبة يوم 16 - 01 - 2012

افتتحت بالعاصمة القطرية الدوحة فعاليات الندوة البحثية التي ينظمها مركز الجزيرة للدراسات على مدى يومين تحت عنوان «دولتا السودان .... فرص ومخاطر ما بعد الانفصال». وحدد مدير المركز الدكتور صلاح الزين في كلمته الافتتاحية أهمية الندوة البحثية في انها تطرح على الخبراء والمحللين والمهتمين أسئلة اساسية في محاولة لتفكيك وفهم الوضع في دولتي السودان ومن هذه الاسئلة: ما هي أبرز الملامح والتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في دولتي السودان بعد انفصال الجنوب؟- هل تسير الدولتان نحو مزيد من التوتر في علاقاتهما أم أن فرص الشراكة والتعاون ستنتصر وتدفعهما الى التصالح والتعاون؟ - ما مستقبل علاقات الدولتين بمنظومتي الجوار العربي والأفريقي؟- كيف تتفاعل القوى الدولية النافذة مع حدث الانفصال وما هي ملامح علاقاتها المستقبلية مع الدولتين؟- كيف يمكن تعزيز الاستقرار في الدولتين والتعاون بينهما والتكامل مع محيطهما الاقليمي؟، وتتيح «الصحافة» هنا عرضا موجزا لورقتين من اوراق اليوم الأول، الأولى قدمها مدير مركز الدراسات السودانية الدكتور حيدر ابراهيم علي بعنوان «دهاء التاريخ : قضايا الصراع في جمهورية السودان»، والثانية قدمها الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم حمدي بعنوان «الوضع الاقتصادي في الشمال والجنوب بعد الانفصال»:
دهاء التاريخ
الدكتور حيدر ابراهيم قال انه تعمد اسقاط جملة: بعد الانفصال في ورقته لانها تحدد مرحلة تاريخية بعينها، بينما قضايا الصراع في السودان، هي نفسها -في جوهرها- الممتدة منذ الاستقلال، ولن تكون مختلفة بعد الانفصال ، طالما ظلت السياسات والعقلية كما هي. ثم تحدث عن ان أزمة الحكم في السودانيين - الشمال والجنوب- بنيوية، أي في غياب الرؤية ثم تطبيق هذه الرؤية بمنهجية وعلمية علي الواقع. طارحا السؤال:لماذا لم تستطع الجهود الفكرية والاكاديمية ان تجنب السودان الوقوع في الكارثة الراهنة؟ حيث لا يوجد نقص في الخطط والافكار والتوصيات، ولكن بلا رؤية شاملة تصير كلها كلاما خاويا بلا معنى أو جدوى. فهذه التحديات والمشكلات مثل: الحدود، والنفط، والاصول والديون، وأبيي، والمياه، قضايا هامة ولكن تأتي بعد معرفة الاجابة علي سؤال:كيف يريد الجنوب أن يحكم دولته الوليدة -كما يقال؟ وكيف يريد الشمال ان يحكم ما تبقي من وطن بعد أن فرط في ثلثه؟ وفي هذه الحالة لا تجدي الينبغيات والنصائح بدون تحديد الرؤية. وتلازم وضوح الرؤية الارادة الوطنية باعتبارها شرط القدرة علي احداث التغيير.
ويشير ابراهيم الى ان قضايا الصراع التي تثيرها الندوة ذات جذور بعيدة، ولكن السودانيين وفي كل مرة يقفزون علي المرحلة السابقة دون تصفية حساباتهم الماضية بالنقد، والتأمل والتأسي بالعبر. وهذا يعني الاستخفاف بالتاريخ، وعدم التعامل معه بجدية. وكأن التاريخ يضمر الانتقام لمن لم يتعلموا منه، أو حاولوا تكراره بطريقة اقرب الي المأساة. وهذا ما يسميه « هيجل» دهاء التاريخ، أو مكر التاريخ، وهو ماكر كبير، وهو الآن يمارس صناعته هذه مع السودانيين - الشماليين والجنوبيين. والدولتان في اسوأ أحوال ممكنة، ونحن مبشرون بدولتين فاشلتين متجاورتين ستقومان بترحيل كل الاخفاقات الداخلية والأزمات الذاتية الي صراع خارجي مع الدولة الأم سابقا. وفي هذه الحالة لا يتوقف الصراع لأن هنالك - باستمرار- مؤامرة أو عدو خارجي. وهذا يعني عدم البحث عن الخطأ والقصور في الواقع والحياة، وبالتالي البعد عن الاسباب الفعلية وتوهم الاسباب. وهنا تغيب المعرفة والفكر وتسود الايديولوجيا أو الفكر الزائف. وهذه هي الاشكالية التي حكمت سياسة وفكر السودان منذ الاستقلال، وستظل مستمرة طالما ظل العقل والنهج كما هو، فلن يتغير شئ ويتكرر التاريخ ويتكرس الركود. وحل أو اكمال الاشكالية هو الطريق السليم لتكوين الرؤية .
ويقول ابراهيم ان السودان نال استقلاله دون أن يضع أي خطط لانجاز الوحدة الوطنية والتنمية باعتبارهما أساس أي دولة حديثة. وقد حسم تحدي التنمية بشعار:»تحرير لا تعمير». أما قضية بناء الجماعة القومية وحشدها حول برنامج أو مشروع قومي. ولم يكن من المنطقي أن تقوم الطائفتان الدينيتان بهذه المهمة، اذ كان يهمهما ابقاء مناطق النفوذ ثابتة مع صعوبة التحول من طائفة الي اخري. وحدث تغيير جديد تمثل في وسيلة اخري لاستغلال وتوظيف الدين عوضا عن الطريقة التقليدية العتيقة القائمة علي الولاء العاري من أي غطاء ايديولوجي. وهنا برز دور الجماعة أو الحركة الاسلامية ذات التعليم الحديث طارحة الشعار العاطفي الجذّاب الذي حوّل الفكر تماما عن الاهتمام المباشر بقضايا الوحدة الوطنية، والتنمية كاولويات مع المطلب الجديد الذي لا يخلو من قدسية. وقد دخل السودان-لسوء الحظ- مبكرا في جدل استنفد طاقاته، وخياله، وقدراته، حول دينية الدولة أو مدنيتها. ودخل السودان في هذا النفق بسبب استراتيجية الأخوان المسلمين السودانيين التي لم تدرك التنوع الثقافي في هذا البلد المعقد. وطغي صوت معركة الدستور الاسلامي علي كل الاصوات، ومثل هذا الوضع في بعض الاحيان ابتزازا وارهابا فكريا. فقد كان من الصعوبة الوقوف ضد هذا المطلب الا من قبل قلة صغيرة امتلكت الجرأة علي مخالفة الاجواء العامة المهيمنة.
ويسجل ابراهيم ملاحظته حول ان هذه القضية همّشت أو أزاحت القضايا الاستراتيجية والحيوية أي الدولة الوطنية الحديثة، والتنمية.
ويصف ابراهيم اتفاق السلام الشامل بالسلام المنقوص ويقدم تفسيره حول لماذا قاد الى انفصال الجنوب وانزواء مطلب التحول الديمقراطي ليمضي بعدها للحديث حول المستقبل المأزوم الذي تحدده قضايا الصراع الأصعب. فقد تبقت مشكلات معقدة وتهدد الاستقرار، مثل:- أبيي، جنوب النيل الازرق، جنوب كردفان، ودارفور. يضاف الي ذلك أن اقتصاد الشمال فقد ثلث موارده، ولم يصل الطرفان الي تسوية في موضوع عائدات النفط. ولم تتحقق التوقعات والآمال وعلي رأسها الأمن والاستقرار مما يعني جذب الاستثمارات. ويقول ان النظام السوداني يكرر الاخطاء وسوء التقدير، لانه يريد أن يبني المرحلة القادمة علي نفس الأسس التي انتجت الصراع الحالي الممتد منذ الاستقلال، أي الاصرار علي الدولة الدينية.
ثم يطرح ابراهيم السؤال: ما العمل؟ ويقول ان السودان المتبقي بعد الانفصال يقف في مفترق طرق تماما، طريق النهضة والتعافي واعادة التأهيل، او طريق الانهيار والسقوط والتفسخ. ويشير الى ان الانفصال دشن تاريخا طويلا من التخبط والفشل وعدم الجدية والغباء السياسي. فالانفصال صفعة التاريخ الطبيعية للسودانيين الذين فرطوا في فرص نادرة لتحقيق الاستحقاقات الوطنية وعلي رأسها الدولة المدنية الحديثة. وقد اصبح موقف السودان أكثر تعقيدا وهشاشة فقد ضعفت القدرات والموارد المادية والبشرية، وتناقص التعاطف والاهتمام. ويقول ان هذا الوضع الحرج يفرض علي السودانيين ضرورة الوصول سريعا الي عقد اجتماعي جديد أو مشروع قومي سوداني حديث وديمقراطي-رغم تشاؤم السودانيين من مصطلح مشروع. وهذا ملتقي فوق حزبي وعبر قبلي وجهوي وفئوى أي قومي مطلقا بدون أجندة خاصة. وهذا مطلب صعب ولكنه ضروري، في الحالة السودانية. اذ يتسم الوضع السوداني بقدر ملحوظ من التشرذم والانقسامية باعتبار أن السودانيين بعد المنع الطويل للعمل السياسي العلني ، فقدوا القدرة علي العمل الجماعي. فقد صارت الانقسامات والخلافات هي القاعدة داخل الاحزاب وفي علاقاتها البينية. وهذا في حد ذاته ، من التحديات أي تتسامي الأحزاب فوق خلافاتها الهامشية وتعمل معا من أجل أهداف قومية.
ويجزم ابراهيم ان أمام السودان نهجان لا ثالث لهما:النهضة من خلال عقد اجتماعي أو مشروع قومي لسودان حديث وديمقراطي. والخيار الثاني هو الانهيار وقد بدأ. ويقول ان الخلاص من حالة الصراع الراهنة يتمثل فى ضرورة الاسراع في التوصل الي عقد اجتماعي يركز علي:-
1/ الدولة المدنية بغض النظر عن المرجعيات المصاحبة لها.
2/ القبول بالآخر المختلف.
3/ نظام ديمقراطي يجمع بين محاسن التوافقية والتنافسية.
4/ تنمية من تحت الي فوق، وعادلة.
5/ سياسة خارجية قائمة علي الندية.
الوضع الاقتصادي
في ورقته عن الوضع الاقتصادي في الشمال والجنوب بعد الانفصال يقول عبد الرحيم حمدي ان السودان برغم الانفصال الا ان اقتصاده لايزال هو نفس الاقتصاد ولكن قسمة الموارد والاستخدامات فيه احدثت صدمة قاسية للطرفين لانه كان يعتمد الى حد كبير ، وان كان بنسب متفاوته، على عنصر واحد وهو البترول. ويقول ان تفاوت هذه النسب احدث مشكلة في الشمال اكثر مما في الجنوب حتى الان لان عائدات النفط في الشمال توقفت تماما« ما عدا جزءا قليلا ينتج في الجزء الشمالي لحدود 56 .. وطبعا ما ينتج في حقول اخر في الغرب» بينما استمر تدفق نفط الجنوب للسوق العالمي عبر الشمال واستمر استلام عائده بواسطة حكومة الجنوب انتظارا لاتفاق حول رسوم العبور ولهذا يقدر ان صدمة انحسار موارد البترول في الجنوب هي- حتى الان- الاخف مالم يحدث تطور سلبي في حالة عدم الاتفاق على اجراءات تسمح باستمرار عبوره الى الاسواق العالمية.
ويتحدث حمدي عن الاثر الثاني الصادم لاقتصاد الجنوب - بصورة اكبر واقتصاد الشمال بصورة اقل- وهو توقف تصدير السلع العادية من الشمال الى الجنوب - بقرار سياسي- وتعدادها 180 سلعة بما فيها منتجات البترول المكرر. مما انتج ندرة شديدة وغلاءا فاحشا في اسواق المدن الجنوبية ولا يعرف على وجه الدقة تأثير توقف او تعثر مرور ملايين الابقار الشمالية ورعايتها الى الداخل الجنوبي- ما بعد بحر العرب ولكن احد تلك الاثار السالبة بدا واضحا بعد ان اتجهت آلاف من ابقار الامبررو النيجيرية ، التي غزت الجنوب في السنوات الماضية ،الى مناطق جنوب النيل الازرق - ربما بضغوط سياسية فاحدثت تخريبا واضحا في الزراعات التقليدية هناك.
وهكذا يتفاوت تحديد آثار الانفصال في دولة جنوب السودان مابين القطاع الحديث الى القطاع الرعوي - الزراعي التقليدي مع توفر معلومات اكثر في القطاع الاول .. ولكن تبقى الحقيقة الواضحة هي أن الانفصال احدث آثارا سالبة فورية على المدى القصير للطرفين .. وان تلك الاثار السالبة ستظل تتفاعل لفترة طويلة قادمة خاصة في مجالي التجارة والرعي ولابد ان تظهر اثار ديمقرافية على كلا جانبي الحدود.
ويشير حمدي الى ان الاقتصاد الجنوبي ظل قبل الانفصال وسيظل بعده مرهونا على مورد واحد وهو البترول الذي يشكل 98% من ايرادات الخزينة العامة وان كان الانفصال قد زاد من حصة الجنوبيين في قسمة البترول من 50%« في سنوات الفترة الانتقالية الى 75% » بعد الانفصال وذلك بعد خصم حصة الشركات .. وتقدر هذه الزيادة على موارد البترول للجنوب بمليار الى مليار ونصف دولار سنويا على اكثر تقدير. فهيكل الموارد الذاتية للجنوب اذا سيظل مرهونا بالبترول الذي زاد حصة وان بدأ يتناقص انتاجا حتى وصل 380 ألف برميل نزولا من 500 ألف برميل يوميا واي زيادة في الانتاج رهينة باستثمارات جديدة وكبيرة من الشركات العاملة واي شركات جديدة - في مربع B- ولكن الشركات حساسة جدا وهو امر تشوبه الان ضبابيات كثيرة ..فمورد البترول متزايد ومتناقض في نفس الوقت.
ويتحدث حمدي عن مصدر اخر متوقع وهو المعونات الخارجية الموعود بها الجنوب تصريحا وضمنا وهذه دائما مشكلة كما اوضحت تجارب اوسلو مع فلسطين ومعنا وتجارب العراق وافغانستان فالمانحون يعدون ولايوفون وفي هذه المرة تضرب المانحين جائحة اقتصادية ومالية ماحقة مما يعني ان»الموعود المنتظر» سيكون بالتأكيد اقل كثيرا من المتوقع. وبالمؤشرات التي برزت حاليا فهناك حماس امريكي للمساعدات العسكرية للجيش لتحويله الى جيش احترافي- اكثر من المساعدات الاقتصادية وهناك حديث كثير من دوائر المانحين للتحذير من الفساد والمحاباة القبلية والصراع القبلي كمبرر- ربما- لعدم انفاذ الوعود السابقة. ويقول ان هذا المورد المعونات الخارجية لدولة الجنوب اذن اضحى منقوص المصداقية ولايمكن ترتيب موازنات ولا برامج تنمية عليه. واخيرا هناك مورد الاستثمار الاجنبي الخاص الذي يأتي لمشاريع التنمية وهذا مرتبط تماما باستقرار الاوضاع السياسية برؤية المستثمرين لوجود اطر مؤسسية وقانونية لاستقبال الاستثمار وحمايته. هذا امر يبقى حاليا في طي التخمين ولابد ان يمضي وقت قبل ان تستقر الاوضاع السياسية والقانونية والاقتصادية بصورة تغري المستثمرين الخواص بالاقدام على وضع اموالهم في الجنوب. هذه اذن هي معادلة الموارد وهي متأرجحة وغير مؤكدة وبالتالي يصعب تحديدها والبناء عليها وتقابلها في الناحية الاخرى معادلة المنصرفات وهنا تطول القائمة . فدولة الجنوب الجديدة تحتاج الى كل شئ.
1- اعادة تنظيم واستيعاب عشرات الالوف من الجنود والشرطة والامن في هياكل معروفة منضبطة الموارد والهياكل البشرية والجسدية PHYSICAL غير المتوفرة حاليا.
2- بنيات تحتية من طرق ومطارات.
3- خدمات ، مدارس ومستشفيات
4- ايواء على مستوى كبير لمئات الالوف من النازحين داخليا LOCALLY DISPLACED من دولة الشمال مما يقتضي صرفا هائلا على الهياكل المادية مهما كانت بساطتها.
5- بناء خدمة مدنية وقضائية في المستويات الوسيطة والدنيا.
باختصار المطلوب انشاء دولة من الصفر .. وفي اطار تنازع قبلي على الموارد كما حدث قبل فترة قليلة من النوير والمورلي « مشاكل الهامش تتحول هناك الى مشاكل تشمل الهامش والمركز!».
كل هذا يعني الحاجة الى موارد تتعدى المتاح بعشرات المرات ! ويعني هذا ان المشكلة هناك تتعدى الاقتصاد الى السياسة والاجتماع وتختلط بهما اختلاطا معقدا .. في جو مستعر من ثورة الآمال THE REVOLUTION OF RISING EXPECTATIONS التي تعلم اصحابها ثقافة اللجوء السريع الى البندقية لتحقيق مطالبهم الملحة والآنية بينما غابت فضيلة الصبر والتسامح من الجميع.
وعن مستقبل الاقتصاد في الشمال بعد الانفصال يقول حمدي ان مؤشرات نمو الاقتصاد في الشمال في السنوات العشر قبل الانفصال كانت تشير الى تضاعف حجم الاقتصاد عشرة مرات في السنوات 2000- 2010 «حسب البنك الدولي» ومتوسط نموه السنوي 7.2% في تلك الفترة « وهو معدل عالمي» واستقرار التضخم في حدود 7% حتى 2007 وارتفاع الى 13.7% في السنوات الثلاث الاخيرة وارتفع دخل الفرد من 1083جنيها عام 2000 الى 3998 عام 2010 « من ألف الى 4000 آلاف جنيه بتضاعف اربع مرات تقريبا» وارتفعت الايرادات والانفاق العام والانفاق على التنمية بنسب تتراوح بين 470% رالى 665% وبالتالي امكن زيادة التحويلات الى الجنوب من 12.5% من الدخل القومي الى 23.3% والولايات بنسبة اقل « من 22.5 الى 24.8» وانخفض نصيب الحكومة القومية من 65% الى 51.9% ويعني هذا انه تم فعلا اعادة توزيع الثروة في البلاد حسب اتفاقية نيفاشا. ومن ناحية اخرى زاد تدفق الاستثمار الاجنبي الخاص والعام من 1.6 مليار الى 3.5 مليار اخر الفترة ولكن حدثت في ذات الوقت ظواهر سلبية منها تسيد قطاع البترول للصادرات بنسبة 96.3% وتدهور سعر الصرف بعد عام 2007 وارتفع معدل نمو النقد سنويا الى 27% وبدأ التضخم في الزيادة وظهر سوق مواز للعملة.
آثار انفصال الجنوب
في هذا الجو الايجابي- عموما- والحديث لحمدي - حدث انفصال الجنوب منتصف 2011 واحدث صدمة عنيفة لاقتصاد الشمال فانخفض معدل الناتج الاجمالي الى 1.2% حسب البرنامج الثلاثي ولكن في ميزانية 2012 قدر ان يرتفع «باجراءات الميزانية» الى 2% فقط وارتفع معدل التضخم الى 23% ولكن الميزانية تتوقع له ان يستقر عند حدود 17% وذلك بعد تبني ميزانة انكماشية جدا في جانبيها النقدي والمالي.
وسيرتفع رغم هذا الدخل الفردي من 1572 دولارا عام 2010 الى 2111 دولارا عام 2012 ولكن السبب الرئيسي في هذا الارتفاع هو انخفاض حجم سكان الشمال. وقدر البرنامج الثلاثي - الذي وضع بعد اعلان الانفصال مباشرة- وظهرت عليه تعديلات في ميزانية 2012 - اي بعد ستة اشهر - وجود عجز يقدر بنصف مليون طن من الحبوب في الانتاج الزراعي ولكن ميزانية 2012 تقدر ان يكون هناك فائض بنفس الحجم بنهاية العام وسينخفض نصيب القطاع الصناعي من 24.7% الى 16.7% في عام 2010 لخروج البترول « باعتباره صناعة استخراجية» بينما يحافظ قطاع الخدمات - الاكثر نموا في السنوات الاخيرة - على نصيبه من الدخل القومي في حدود 45% مقارنة بالزراعة في حدود 35% من الناتج القومي الاجمالي.
وقد تم تبني برنامجا ثلاثيا للاعوام 2012- 2014 لتلافي صدمة خروج النفط ويستند البرنامج على اجراءات مالية ونقدية تقشفية قاسية لتخفيض المصروفات وتمويل برنامج انتاجي لسلع الصادرات غير البترولية « الذهب والقطن والصمغ والثروة الحيوانية» وسلع الواردات الاساسية «كالقمح والزيوت النباتية والسكر والمنتجات البترولية» ويعاني البرنامج من خلل في هيكل الايرادات اللازمة لتمويل هذا البرنامج وكذلك خلت ميزانية 2012 من اي ايرادات « بعد ان رفض المجلس الوطني رفع الدعم عن البترول الذي كان متوقعا ان يوفر 400 مليار جنيه».
وتبقى على الحكومة ان تعتمد على موردين:
الاول سد العجز من موارد داخلية كالاستلاف الداخلي من الجمهور والاستلاف من البنك المركزي - في اقل الحدود - والسحب من القروض الخارجية. وهناك برنامج لتسريع وتوسيع الاستثمارات البترولية في الشمال وتوزيع المربعات والامتيازات التي لم يفعل القائمون عليها شيئا مفيدا بالنسبة لها ولكن الاعتماد الاكبر هو على الاستثمار الخارجي لتمويل التنمية والسلع المشار اليها سابقا لاعادة هيكلة الموارد .. ولهذا فان هناك مجهودا كبيرا لتحسين قانون وبيئة الاستثمار الخارجي الخاص « والى حد ما الاستثمار العام للدول العربية في مجال الامن الغذائي العربي في السودان».
ويخلص حمدي الى ان الانفصال السياسي قد خلق مشكلة اقتصادية كبيرة لبلدين وقد تم هذا بصورة كافية بوقوع الانفصال.. ولم تسعفهما النوايا الحسنة في فترة الاشهر الستة التي اعقبت الانفصال ليسهل كل طرف للطرف الاخر الخروج من مأزق الانفصال الاقتصادي . بل ان العكس تماما قد حدث حيث لجأ الطرفان الى حد كبير الى التسويف والمشاكسة والمعاندة بصورة فاقمت الامر عليهما . ويقدر ان الامر لايزال قابلا للتدارك اذا خلصت النوايا او بدون ذلك اذا استبان الطرفان ان الاستمرار في نهج المعاكسة الاقتصادية سيزيد من مشاكل الطرفين.
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.