منذ بداية العام 2011م تناولت الصحف مجموعة من الأخبار الخاصة بالتجاوزات التى حدثت بالقطاع الصحى ،وتنوعت فى أشكالها وتعددت أسبابها حتى لا يكاد العام ينجلى والا ابتدر العام الجديد بقضية اخرى. وكأن سيل التجاوزات والعثرات فى القطاع الصحى باتت متلازمة عجز قطاع الصحة فى السودان ان يجد لها الدواء ، وضعفت مناعته تجاهها حتى الرمق الاخير ، هل المشكلة فى التنظيم الادارى لهذا القطاع ؟ ام انها مشكلة فى نمط التفكير الاستراتيجى والتدريب فى ادارة المؤسسات الصحية وبناء قدرات الافراد العاملين بهذا الحقل المرتبط بحياة الانسان بشكل مباشر؟ تساؤلات لاتفتأ تتجدد من حين لآخر وكأن الاجابة عليها من رابع المستحيلات . في يونيو الماضي كشفت جمعية حماية المستهلك بأن ادوية غير مطابقة للمواصفات دخلت عددا من المستشفيات الاتحادية بالخرطوم، واعترفت هيئة الامدادات الطبية بدخول ادوية غير صالحة للسوق، الامر الذي دعا الى تدخل لجنة الصحة بالمجلس الوطني والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق حول ملابسات ادخال تلك الادوية للبلاد. وفى ذات السياق اكدالفاتح محمد سعيد في تصريح صحفي محدود ان اللجنة عقدت اجتماعاً مع مدير هيئة الامدادات حول ما اثير عن وجود ادوية غير صالحة في السوق تم استعمالها، واشار الى ان الهيئة اكدت صحة الواقعة، واضاف ، وذكر ان الادوية غير المطابقة للمواصفات التي دخلت البلاد، تتمثل في كميات قليلة من الادوية الخاصة بموسع الشعب الهوائية والقسطرة الى جانب ادوية تحمل ديباجات مزورة استوردت من مصر. وكذلك من الاخبار التى تصدرتها الصحف باعتبارها تجاوزاً فى القطاع الطبى عندما نفذ المجلس القومى للادوية والسموم حملات تفتيشية اتضح خلالها التزام الكثير من المؤسسات العلاجية الخاصة بقرار المجلس باستثناء جهات قامت بإكمال تركيب الجهاز المستعمل واستقبال المرضى لاجراء الفحوصات، وباشر المجلس اجراءات ضد تلك الجهات وفق قانون المجلس. وكشف المجلس ان قرار الحظر جاء نتيجة الى ملاحظة اثناء اجراءات تخليص بعض حاويات الاجهزة المستعملة قد اوضح المستوى المتردى لبعض هذه الاجهزة والاحتياجات الطبية وبعض من حاويات الاحتياجات الطبية المستعملة تنبعث منها روائح كريهة وبعض المراتب الطبية المستعملة الواردة تصل الى البلاد بدون ان يتم نظافتها من بقع الدماء ،كما انه لايمكن الجزم بسلامة ماكينة غسيل كلى مستعملة من التلوث ، وان قرار منع دخول الاجهزة والمستلزمات الطبية المستعملة للبلاد القصد الاساسى منه توفير خدمات طبية جيدة ومواكبة تضمن سلامة المريض السودانى ولاتعرضه لاى خطر والمستفيد الاول منه هو المريض السودانى ،اما الاجهزه الطبية المستعملة التى تقدم كهبة من بعض الجهات خارج السودان فى معظم الاحيان يكون عمرها الافتراضى قد انتهى وغالبا تمنح بغرض التخلص منها واستبدالها ،وهذه المنح توفر على الجهات المانحة فى بعض تكلفة التخلص من الاجهزه الطبية القديمة ، واعترف المجلس بقيام بعض المؤسسات العلاجية الخاصة بادخال ثلاثة اجهزة مستعملة للرنين المغنطيسى فى مخالفة القرار وتم اخطارها بعدم استخدامها. ومازالت التجاوزات مستمرة فى القطاع الصحى وانها ليس مجرد تجاوزات عادية بل انها تودى بحياة اشخاص بسبب الاهمال والجشع والتكالب على المناصب وتصفية بعض الحسابات بين المسئولين وهذا ما كشفته وثائق ادارية عن وجود تجاوزات واهمال بجانب خرق للوائح بمستشفى الخرطوم بحرى التعليمى كما كشفت الوثائق عن وفاة ثلاثة اشخاص بسبب نقص الاوكسجين فى يناير الجارى ،وعدم التنسيق الادارى دون ان تحرك وزارة الصحة بولاية الخرطوم ساكنا. وتحدثت الوثائق عن وجود ما اسمته بالفوضى الادارية ما دفع عددا من المديرين الطبيين الى تقديم استقالاتهم فى ابريل الماضى بسبب رفضهم للطريقة التى يدار بها المستشفى دون تشكيل لجان من قبل وزارة الصحة الاتحادية قبيل قرار أيلولة المستشفيات لمعرفة دوافع المديرين الطبيين وأشارت الوثائق الى وجود شكاوى مرفوعة ضد المدير العام للمستشفى منذ اكتوبر الماضى لوزارة الصحة لم تبت فى امرها بعد ولايزال الجدل مثارا حول مايدور فى مستشفى بحرى وعن صحة وفاة الاشخاص وتضرر آخرين. الا ان مايدور فى القطاع الصحى يجعل من الوقوف على مدى صلاحية منظومات تحريك دولاب هذا القطاع امرا يحتاج الى نظرة بعين مختلفة. ويرى الخبير فى علوم الاقتصاد والادارة عبد العظيم المهل (للصحافة ) فى تحليله للمنظومة الادارية للقطاع الصحى فى السودان ان التجاوزات التى تتكرر فى القطاع الصحى اسبابها اقتصادية وان العاملين بالمستشفيات يعتقدون ان رواتبهم ومخصصاتهم ضعيفة وبالتالى يتصرفون على انه مال عام لذلك لابد من توفر جميع احتياجاتهم الاساسية ،وباتت التجاوزات متوفرة فى جميع المواقع الحكومية واستشهد المهل بحادثة محاسب وادى سيدنا الذى تم قطع يده ايام العدالة الناجزة واحدثت فى ذلك الوقت هرجا ومرجا ومناقشات واجتهادات فكرية مختلفة وكذلك موظف الزكاة الذى اخذ جزءً من المال واعتقد انه من العاملين عليها وهو لديه الحق فى هذا المال، مبينا المهل ان هذين النموذجين دعتهم الحاجة وعدم الراتب الكافي لذلك برروا مواقفهم لكن هذه المبررات واهية فعندما يتم التعاقد مع العاملين من المؤكد يتم وفق اسس وضوابط والتزامات محددة ويجب الالتزام بها من كل الاطراف عامل ودولة ، لذلك مايحدث فى المستشفيات العامة عبارة عن تصرفات فردية غير مقبولة ومبررة لا لاسباب اقتصادية ولاغيرها وحتى الذين يكسرون المنازل فى منتصف الليل يبررون بمبررات منطقية فالخطأ لايبرر الخطيئة واضاف المهل ان الاهمال وعدم الرقابة على المستشفيات وعدم التفانى فى العمل مؤشر خطير لخلق هذه التجاوزات التى تتم من كل حين وآخر. وقال المهل ان ادارة المستشفيات تعمل فى ظروف سيئة وليس لها موارد ثابتة تعتمد عليها مبينا عندما نقارن بين المستشفيات الحكومية المدنية والعسكرية نجد فرقاً كبيراً، فالعسكرية لها امكانيات كبيرة ويدها مطلوقة بينما الحكومية تواجه حزمة من المشاكل التى تؤدى الى هروب الكادر الطبى المؤهل، مبينا المهل سوء الادارة وعدم توظيف المختصين فى الادارة مشكلة حقيقية تنتج تلك التجاوزات ، ويرى المهل للخروج من هذا المأزق يتمثل فى تعيين اداريين من تخصصات ادارة الاعمال مع منحهم كورسات فى ادارة المستشفيات ،مؤكدا ان هذا النظام طبق فى بعض دول الخليج وكان ناجحاً خاصة ان لدينا جيشاً جراراً من خريجى كليات ادارة الاعمال ومكوثهم فى المرافق الطبية طول الوقت وتعيينهم برواتب اقل من الاطباء اضافة الى خبرتهم وكفاءتهم. ومن جانبه يرى الخبير الاقتصادى والمحلل عصام بوب ان الازمة فى القطاع الصحى لم تبدأ قريبا وهى نتيجة عن تدهور مستمر فى تخطيط هذا القطاع وكيفية الارتقاء به ، وقال بوب ان الازمة تتسبب فى تآكل الخدمات الصحية على مدى العقود الثلاثة الماضية وبرزت الى السطح منذ خمسة اعوام بضعف تخصيص الاموال اللازمة لتطوير وتحسين خدمات القطاع الصحى بصورة جادة ، معتبرا بوب مايحدث فى القطاع الصحى فوضى ادارية وتردى خدمات نتيجة لتجاهل الدولة لأهم قطاع خدمى ، وقال كذلك من الاخطاء المرتكبة خصخصة هذا القطاع كأنما السودان يماثل الولاياتالمتحدة ، وحتى فى الولاياتالمتحدة يحظى المريض فى الحالات الصحية الحرجة بافضل الخدمات الصحية لكننا فى السودان تجاهلنا هذا المفهوم ودخلنا فى ابشع الصور الرأسمالية التى تلتهم كل القيم المجتمعية، وظهر هذا فى انخفاض حجم الاعتمادات المخصصة لهذ القطاع . وقال بوب اذا اختنق ثلاثة مرضى او ثلاثة آلاف مريض لايعنى المسئولين وكأنهم يعملون فى بلد آخر وان هذا الفعل لايشفع فيه ان يستقيل وزير الصحة الولائي والاتحادى وفيما فوق بل يتطلب الكثير ، ويستدعى فتح بلاغات جنائية لان الوظيفة لاتتعلق فقط بالمكتب الوسير والسيارة الفارهة وانما المسئولية عن الجهة التى يتولاها وعن كل مريض فى المستشفى ، وقال بوب لايمكن اصلاح الدولة بهذا الشكل ونحتاج الى اعادة هيكلة اقتصادية وادارية بالكامل ولايمكن ان تستمر فى ترقيع ثوب بالى ولابد من تغييره بالكامل. الصحافة