وضع قرار حكومة جنوب السودان وقف ضخ نفطها عبر السودان كثيرا من علامات الاستفهام إزاء بدائل جوباوالخرطوم لسد الفجوة الاقتصادية التي سيحدثها تنفيذ القرار الجنوبي. وألجمت الدهشة كثيرا من الاقتصاديين الذين استبعدوا إقدام جوبا على الخطوة لما لها من تداعيات اقتصادية وسياسية. واعتبر الاقتصاديون أن اقتصاد الدولتين لا يحتمل هزة كبيرة كهذه، مؤكدين في الوقت نفسه عدم وجود مبررات كافية للخطوة الجنوبية رغم ما وصفوه بالأخطاء المشتركة. ويأتي ذلك بعد أيام من إعلان جوبا اعتزامها الوقف التدريجي لإنتاج النفط في غضون أسبوع أو أسبوعين، وبررت ذلك بقرار الخرطوم أخذ حصة من نفط الجنوب الذي يمر عبر أراضيها مقابل رسوم عبور لم تدفعها جوبا. وقد تصاعد نزاع بشأن رسوم العبور بين الدولتين عقب انفصال الجنوب في يوليو/تموز الماضي، وفشل الطرفان في التوصل لاتفاق في القضية حيث يتمسك كل منهما بموقفه، فالخرطوم تطلب 32 دولارا للبرميل مقابل خدمات تصدير نفط الجنوب عبر أراضيها ومينائها بورتسودان، في حين تقترح جوبا سعر دولار واحد للبرميل. واستبعد مراقبون إمكانية تنفيذ تهديدات جوبا على اعتبار أن المجتمع الدولي ورعاة اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل بين البلدين سيمنعان ذلك لما سيترتب عليه من احتمال انزلاق الطرفين إلى نزاع جديد. وأضافوا أن حاجة جوبا الملحة لمصادر الدخل المعتمدة بالدرجة الأساس على النفط ستمنعها كذلك من تنفيذ تهديدها رغم إقدامها مؤخرا على إغلاق نحو أربعين بئرا نفطية بحسب مصادر جنوبية. ومن جانبها اعتبرت الخرطوم أن القرار -إذا ما نفذ- لن يؤثر على اقتصادها، لكن محللين اقتصاديين رجحوا أن يواجه السودان إذا أقدمت جوبا على تنفيذ تهديداتها مزيدا من المشكلات الاقتصادية التي يعاني العديد منها حاليا. استبعاد وتستبعد الخرطوم إقدام جوبا على تنفيذ تهديداتها على اعتبار أن إيقاف إنتاج النفط سيلحق أضرارا بالجنوب أكثر مما سيلحقه بالسودان، وأكدت عبر بيان لخارجيتها أنها لن تتوقف عن أخذ نصيبها عينا من النفط الجنوبي إلى حين التوصل لاتفاق مع جوبا بشأن أجرة تصدير نفط الجنوب عبر خطوط وموانئ السودان. غير أن الخبير الاقتصادي التجاني الطيب رأى أن الطرفين سيعانيان على المدى القصير لأنهما من دون بدائل حقيقية لتغطية فجوة النفط، وأشار إلى أن الشمال بنى موازنته لعام 2012 على تحقيق إيرادات من تصدير نفط الجنوب عبر السودان. وأضاف أن دولة الجنوب كذلك لن تتمكن من إدارة شؤونها إذا توقف إنتاج النفط، وأشار إلى ضيق فرصها في إيجاد بدائل حقيقية لمعالجة ما ينجم من مشكلات اقتصادية حقيقية. وعن إمكانية تصدير جوبا للنفط عبر دول أخرى غير السودان قال الطيب للجزيرة نت إن إنشاء خطوط نقل جديدة سيكلف الجنوب أكثر مما يأخذه السودان إيجارا لمنشآته، واعتبر أنه ما من مخرج للجنوب غير الشمال. وأكد أن الطرفين يدركان خطورة موقفهما "وبالتالي يناوران دون أن يكون ذلك موقفهما الحقيقي"، وذكر أن وقف إنتاج النفط سيقود إلى تدخل جهات دولية وإقليمية لا يمكن أن تسمح بانهيار اتفاقية السلام الشامل بين السودان والجنوب بتقويض أحد أركانها الرئيسية. تدهور اقتصدي أما الخبير الاقتصادي حسن ساتي فتوقع تدهورا كبيرا لاقتصاد الدولتين، متسائلا عن عدم استثمار الحكومة السودانية لعائدات النفط السابقة في الزراعة أو الصناعة. وقال للجزيرة نت إن الحكومة السودانية لم تتهيأ لهذا اليوم الذي تفارق فيه النفط رغم علمها بإمكانية انفصال الجنوب منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في 2005، وتساءل عن البدائل النقدية التي ادخرتها الحكومة في السابق. وحذر من أن الصادرات السودانية لن تغطي فاتورة ما يتم استيراده من الغذاء الذي يواجه شحا حقيقيا هذا العام، وتوقع عدم تمكن الحكومة من الحصول على قروض جديدة لسد الفجوة الاقتصادية إذا تم تنفيذ القرار الجنوبي. المصدر: الجزيرة