جوروكا (بابوا غينيا الجديدة )- كريستيان اولريش - ملاحقة الساحرات شيء يحدث بشكل شبه يوميفي بابوا غينيا الجديدة، ذلك البلد الفقير الذي يقعشمال أستراليا. غالبا ما تطال هذه المطاردةكبار السن والنساء، وفي الغالب تكون الاتهامات تافهة، وفي كثير من الأحيان يكون وراءهادوافع الحقد والطمع. بعد أن قام الحشد الثائربتعليقها على الشجرة لتموت، ظلت ليزبيث بولهيج واثقة في ربها. وعن ذلك تقول المرأة الرقيقة:" كنت أصلي كثيرا". لا تزال ملامح الرعب مرسومة على وجهها جراء هذا الموقف الذي تعرضت له. وتحكى ليزبيث (تم تغيير الاسم) أن وجهها كان مليئا بالجروح، وأن الشقوق العميقة لا تزالمنحوتة في بشرتها، بعد ان خدشها ابن أخيها بنفسه بسكين. واتهمتها عائلة زوجها بممارسة السحر، والسحرة يتعرضون في بابوا غينيا الجديدة إلى التعذيب والقتل. ووقعت هذه الحادثة في عيد الفصح عام 2011. وذكرت صحيفة "بوست كورير" في شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي أن :"ثلاثة يزعم أنهم سحرة لقوا حتفهم بعد تعرضهم للاختطاف والتعذيب". وذكرت الصحيفة هذه القصة في صفحاتهاالخلفية فقط، فمثل هذه الحوادث تحدث كل عدة أيام. وحسب بيانات الشرطة فإن هذه الحوادثآخذة في الازدياد. و وفقا لتقديرات الناشطين في حقوق الإنسان يموت عشرات من الناس كل عام بسبب اتهامهم بممارسة السحر. والرقم الحقيقي ربما يكون أعلى بكثير. وتقف الشرطة عاجزة أمام هذه الحوادث، كما تحارب الكنيسة بشكل متردد ويائسضد هذه الجرائم،فالمشكلة هي أن قادة الشرطة بل ورجال الدين أنفسهم مقتنعون بوجود "قوى السحر السوداء". ونقلت صحيفة "بوست كورير" مؤخرا عن تيدي تاي،قائد الشرطة في المرتفعات الجنوبية في البلاد، أن "التحقيقات في الجرائم ذات الصلة بالشعوذة صعبة للغاية لأن الشرطة تفتقر إلى الدليل المادي الذييدين الشخص بممارسة الشعوذة". ومن الملاحظ أن ما يسعى إليه هو عملية السحر والشعوذة وليس تتبع القتلة الذين يعذبون الذين يوشى بهم حتى الموت. ويضيف قائد الشرطة:"كل من يشعر أنه مس من قبل الأرواح الشريرة، فمن الأفضل له الذهاب الى الكنيسة، حتى يستطيع الكاهن تخليصه من الأرواح الشريرة". ويقول الرئيس المنتخب لمجلس رعية الكنيسة اللوثرية بالقرب من جوروكا: "بالطبع السحر موجود" ، ويضيف أنه حتى القساوسة يتهم بعضهم البعضالآخر بالسحر "الإيمان والخرافة شيء يومي هنا". ويقول المزارع جاماوافا ساجيجي في قرية افام في مدينة مادانج "نحن مسيحيون ، لكننا نعرف أيضا أن المشعوذين والسحرة موجودون". والامر مختلف بتاتا بين هذين الأمرين، بين"الشعوذة القاتلة" و"رقية السحر" مثلما يقول باول جامين مرشد سياحي على نهر سيبيك. فبالنسبة للشعوذة يذهب إليها من كان في خصاممع شخص وأراد أن يسحر له ويؤذيه، أما رقية السحر فيذهب إليها من أصابته لعنة السحر الأسود وأراد أن يتخلص منها أو من كان مثلا سيئ الحظ في الحب أو مريضا ويتهم بممارسة الشعوذة الشريرة كبار السنوالضعفاء ومعظمهم من النساء وفي بعض الأحيان الرجال الذين ليس لديهم أبناء أو ليس لديهم اتصالات اجتماعية كثيرة. وتصف سيدة تدعى ايمي مفهوم (سحر الخير) .. أي السحر المستخدم في الأمورالخيرة، في قرية ليراكو في المرتفعات القريبة من تاري،وتقول مبتسمة: "مثلا إذا أردتي أن تحافظي على زوجك"، وتبدأ: في لف لحاء الشجر مع مسحوق قليل ومعجون وشعر الزوج في ورقة ثم تقطعه فجأة بسكين إربا،وتضيف قائلة: "وأطعنبالسكين في دماغه وبطنه وذراعيه حتى يتبعني إلى الأبد مثل الكلب المدلل" ، وتضيف ايمي:"يدهن بهذا الخليط بعد ذلك إطار الباب وسيعمل بالتأكيد". وفي كوخ من الخيزران في قرية توكوا بالقرب من جبل هاجن يستعرض "كورمونف" ،الذي يعني باللغة المحلية "الرجل الذي يستحضر الأرواح" ،قوته. ويجلس كورمونف أمام قدر مليء بالأحجار "المقدسة"،ويهمس المترجم: "كل حجر يمثل روحامختلفة". ويبدأ كورمونف في ترتيل الأنشودات وتحريك يديه أعلى القدر،ويصيح "اكشفوا عن أنفسكم من هي الروح المسؤولة عن مرض أخينا؟" ثم يلمس حجرا ويصيح قائلا:"ماذا؟ أتريد مرة أخرى خنزيرا كذبيحة؟ وإلا ستأتي كثيرا! ". ويقول جاك أورامه،مدير المعهد الميلانيزي، وهو منظمة أبحاث كنسية في جوروكا: "عندما يصاب أحد بمرض خطير بالذات فإن الناس يتساءلون عن"من" وليس عن "ماذا" وراء هذا المرض". ويبحث جاك أورامه هذهالظاهرة منذ سنوات ويقول مشيرا لها:"الاعتقاد في مثل هذه القوات الخارقة مضلل تماما"، ويؤكد قائلا "على المرء أنيتكلم بصراحة ويقول: "الاعتقاد في وجود مثل هذه الأرواحالشريرة ضلال" إلا أنأورامه يقف وحده بهذه الآراء في هذا البلد، لأن قلة من الناس في بابوا غينيا الجديدة تتفق معه في هذا الأمر. وعمل أورامه قسا لمدة عام قبل عشر سنوات في مدينة أوهاوزن بالقرب من مدينة نوردلينجن في ولاية بافاريا. ويصف رئيس مجلس ادراة الكنيسة بالقرب من جوروكا بالتفصيل كيف يخلط السحرة شعر أو بصاق الضحية مع أوراق الشجر والأعشاب ثم يشحذون الأذهان بتعويذة ويمسحون الخليط على أعتاب أبواب ضحاياهم. ويقول بجدية "إنه عندما يخطو المرء فوق هذا الخليط فقد يصاب بالمرض ويمكن ان يموت" ، مضيفا ان مثل هذا الامر حدث له بالفعل، ويضيف "ثم ذهبت إلى ساحر واخذ يخز في جذور الزنجبيل لمعرفة من وراء السحر" ويضيف أنه اذا كان هناك خلافات مع مشتبه به فمن الأفضل تسويتها بأقصى سرعة. وليزبيث/40 عاما/ المفترى عليها بالسحر لا تعرف بالتأكيد كيف تفعل هذا. وعاشت مع زوجها في المرتفعات القريبة من جوروكا. وكان زوجها مريضا. واكد الأطباء تشخيص حالته بمرض سل العظام. واشتبهت عائلة زوجها على الفور في ليزبيث والقت في وجهها قائلة "انجوما ميري" أى "امرأة ساحرة" ، ثم أخذوا زوجها ومنعوها من رؤيته،وعندما كان يحتضر انهالوا عليها بالضرب. وتحكي ليزبيث"كانت ليلة ، لم أستطع النوم فيها .. نظرت إلى هاتفي المحمول فعلمت أن الساعة كانتالرابعة صباحا عندما دق الباب". ووقف ابن أخيها مع بعض أصدقائه أمام الباب واختطفها شبابوتصف ليزبيث الموقفةقائلة "أمسكبي ثلاثةبقوة ورفع ابن أخيالسكين علي، و وضع النصل على شفتيحتى يظل فمي مفتوحا،وكنت ارتدي بالكاد القليل من اللبس، وأخذوايقطعون في بطني وظهري، مرارا وتكرارا و أغمي علي من شدة الألم،ثم وضعوا حبلا حول عنقي وجروني إلى شجرة مانجو". وتقول ليزبيث إنالتعذيب أثرعلى ذاكرتها لأكثر من اثنتي عشرة ساعة،فهي لم تعد تتذكر كيف سحبت نفسها في النهايةبذراعيها المكسورتينوجروحها الموجعة الى الكنيسة في القرية المجاورة، وهناك عثر عليها مجموعة من الشبان وأخذوها إلى المستشفى. وتمكنت ليزبيث في تضع ابن أخيها في السجن. وانتقدت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان حكومة بابوا غينيا الجديدة بحدةعام 2009. ويقول ابولوزي بوزيه الباحث في منظمة العفو الدولية لجزر المحيط الهادئ: "عندما يقتل عشرات الأشخاص بعد مطاردة حقيقيةللساحرات، فإنه من الواضحأن الحكومة لا تفعل ما يكفي لحماية مواطنيها.. يجب على الشرطة والسلطات القضائية أنتفعل شيئاعلى الفور حتى لا يتعرض أحدمرة أخرى لمثل هذه الوحشية.. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث..". ولم تفعل الحكومةسوى القليل للفقراء حيثيعيش نحو 85% من السكان البالغ عددهم 5ر6 مليون نسمة في المناطق الريفية عيشة الكفاف بلا كهرباء ولا مدارس ، أو رعاية طبية. ويسير البعض على الأقدام عدة أيام للوصول لأقرب نهر. ولا يكاد توجد هناك شوارع مرصوفة. ويسير معظمهم سيرا على الاقدام وعادة حفاة،ولا يستطع 40% من الناس القراءة أو الكتابة. وفي العقود الأخيرة اكتشفت ثروات طبيعية هائلة وعثر على الذهب والنيكل والنحاس والمناجم ويوجد الآن مشروع الغاز الطبيعي العملاق في المرتفعات،ومع ذلك يستفاد منه فقط نخبة صغيرة. ويقول أورامه: "كثيرا ما يقول الناس لي :" تخلينا عن القوى السحرية التى لدينا مقابل الإنجيل "،" ويضيفون " نحن نصلي ، ولكن حياتنا لا تزال بائسة، والآن نعود مرة أخرى لما كان يعلمه أجدادنا". والاتصال مع الخارج يوقظ الطمع المادي الذي لا يزال يتعذر الوصول إليه لعدم وجود المال وفرص العمل. والطمع والحقد والغيرة تعطي ذريعة للعنف. وتنهي ليزبيث حديثها قائلة:"أراد ابن أخي أن يستولي بقوة على قطعة من الأرض ملك لي، ولو أنني مت ، لذهبت إليه تلقائيا". ويقول أورامه "السحر نتيجة لنقص التنمية..الفساد يعيق التنمية، ولهذا لا شيئ يساعد سوى: التعليم، والتعليم ، ثم التعليم".