من المثير للدهشة ان تقع كارثة بورسعيد، متزامنة مع احداث 'وقعة الجمل' التي قام بها بلطجية نظام مبارك العام الماضي، بالهجوم على المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير، وهذا التزامن يعطي الكثيرين ممن يحاولون فهم سبب الاحداث والفاعل الذي يقف وراءها ذخيرة للذين يتحدثون عن مؤامرات من فلول النظام او الامن او اية جهة اجنبية تستهدف الثورة المصرية وتحاول قتل انجازاتها، خاصة ان سلسلة من الاحداث وقعت بعد الثورة من مثل الهجوم على الاقباط في ماسبيرو، مقر التلفزيون المصري، اضافة الى سلسلة من عمليات السطو والسرقة والاعتداء على المواطنين. وتجمع معظم الشهادات على ان الامن مسؤول عن هذه الكارثة حيث تنقل صحيفة 'التايمز' حس المؤامرة من مشجعين قالوا ان العملية كانت منظمة من قبل، مشيرين الى ان البوابات التي تفصل بين الفريقين ظلت مفتوحة طوال المباراة على الرغم من معرفة الشرطة بالعداء المستحكم بين الفريقين. وبعيدا عن هذا فان من اهم تداعيات الكارثة هي انها زادت من مشاعر عدم الثقة بالنخبة العسكرية الحاكمة، ولها يفهم تصاعد الشجب من المتظاهرين الذين اتهموا الامن بالوقوف وراء الكارثة، لكن ما حدث يشير الى ان مصر لا تزال تحكم من نفس النظام، فقد اعطت مثالا واضحا على ان حكام مصر ومعهم حكومة كمال الجنزوري الذي يعتبر مع العسكر من مخلفات النظام الماضي، هذا النظام الذي كانت تحرق فيه القطائرات وتغرق فيه العوامات وتنهار البنايات حسب مراقب اجنبي اشار اليه ايان بلاك في تحليل للكارثة في صحيفة 'الغارديان'. فالماضي لا يزال يخيم على مصر الجديدة. ولهذا تركز الجدل على دور الامن او غيابه في كارثة بورسعيد، وعليه لا يمكن الفصل بين السياسة وكرة القدم، فكارثة مباراة الاهلي مع المصري البوسعيدي هي الاكبر في تاريخ كرة القدم المصرية وسواء كانت الكارثة نتيجة لاعمال من البلطجية او نتاجا لمؤامرة فانها ستترك اثارا عميقة على المناخ السياسي المتغير وقواه الصاعدة. وفي الوقت الذي لا ينكر فيه احد ان من مصلحة النظام السابق تعويق العملية السياسية هذه، فان ما جرى هو محاولة من فلول النظام وقواه التي ظلت متمترسة في مواقعها على نشر رسالة مضادة لرسالة الثورة وهي ان التغيير يعني الفوضى مع انها هي التي تقوم بصناعتها. وفي هذا الاتجاه يقول ايان بلاك في تحليل له للاحداث في 'الغارديان' ان استقالة محافظ بورسعيد ليست كافية لارضاء رغبة الجماهير بتعزيز ثقافة المحاسبة التي ظلت غائبة خلال الثلاثين عاما الماضية. وبحسب اسامة دياب، وهو صحافي بريطاني من اصل مصري فان عجز مؤسسات الدولة هي طابع الدولة البوليسية فضباط الجيش يعرفون انهم لن يواجهوا عاقبة افعالهم. مما يعني ان مسائل الكفاءة والثقة والمحاسبة تظل من الاسئلة المهمة التي تواجه الدولة المصرية الجديدة لان كارثة بورسعيد تظل اكبر حجما واثرا مما حدث من كوارث منذ الثورة المصرية قبل عام. ويقول بلاك ان تبادل الاتهامات والمشاعر الغاصبة تعطي مبررا لمن قالوا ان الاطاحة بمبارك مدعاة للفوضى والاضطراب وبالتالي توج اللوم على التخريب الى من 'يطلقون على انفسهم ثوريين'، مما يؤشر الى محاولات من البعض الى تأليب الناس على الثورة ولوم الثوريين بانهم وراء مشاكل البلاد. ويرى ادريان هاميلتون في 'الاندبندنت' تحت عنوان ' جنرالات مصر سيسمعون قريبا صفارة الحكم الاخيرة' مشيرا الى ان احداث بورسعيد قد تفسر من منظور بريطاني على انها نتيجة لانفجار غضب جماهير في لحظة حماسية، لكن في مصر لا يمكن تجريد الامر عن السياسة. ومع انه يشير الى نظريات المؤامرة الا انه يقول ان اللوم في النهاية وقع على السلطات لا المشجعين وعليه فان المسؤولية الضمنية اهم من الحقائق التي لا تزال مجهولة. ويقارن الكاتب بين محاولات الجامعة العربية والامم المتحدة لاقناع الرئيس بشار الاسد على التنحي طوعا، مثلما يحاول اقناع النخبة العسكرية الحاكمة انه من مصلحتها التخلي عن مميزاتها، والعمل على تحقيق تحول ديمقراطي. وان لم يستجب العسكر لذلك فان اصوات المتشائمين ترتفع وتبدأ بالتحذير من ان تحقيق الديمقراطية مستحيل وان المنتصرين الحقيقيين هم الاسلاميون. ويعتقد الكاتب ان هذه قراءة سيئة للوضع لان الثورات تقوم دائما لاجل تغيير السلطة ونقلها، وهذه العملية ليست سهلة وهو ما يجب ان تعرفه كلا من امريكا واوروبا، فما بالك بالشرق الاوسط، حيث تظل الثورات غير واضحة حتى الان لانها بدأت بطريقة عشوائية وكانت نتاج تحرك شعبي واسع بدون تنظيم او وحدة في القيادة. فما نراه الان في مصر وسورية هو وضع غير متوازن بين رغبة الشعب او على الاقل من يرفع منه صوته بتحقيق التغيير والحرية وبين رغبة الغالبية للحصول على الامن لانها تخشى من الفوضى التي تتلو التغيير. ويقول ان الاقليات من مثل الاقباط والعلويين والارمن لهم اسبابهم الحقيقية للخوف من التغيير وكذا التجار واصحاب المحلات حتى لو تمتعوا بنوع من الامن المتقلقل. وينهي بالقول ان بشار الاسد وعسكر مصر سيغادرون السلطة في النهاية، وهذا يعني ان اية تنازلات منهم ستكون متأخرة لان ما يحدث في البلدين ثورات داخلية لا العسكر ولا الشعب يمكنه ان يتسامح مع استمرار ذبح الشعب، فكلما زادت عمليات القمع كلما انشق الجنود، وسيفعلون لان تدخلا خارجيا لن يحدث، فحتى روسيا بكل مصالحها الاستراتيجية في سورية ليست مستعدة لانقاذ الطائفة العلوية فيما لا ترى امريكا مستقبلا للعسكر في مصر، ويختم بالقول ان انتصار فرنسا وبريطانيا في ليبيا ادى تجنب اي شيء للتفكير بالتدخل العسكري مرة اخرى لان اللعبة الجديدة لا تزال بدون قواعد واضحة. وفي النهاية ترى 'التايمز' ان مشجعي كرة القدم المصرية باتوا في قلب العملية السياسية، حيث شاركوا في الثورة ومظاهرات تشرين الثاني (نوفمبر). واشارت الى جذور نادي الاهلي الوطنية الذي بدأ كنادي للشعب مقابل الزمالك الذي كان ينظر اليه كنادي للانكليز.