الخصائص الجغرافية والسكانية لجنوب السودان وباعتباره دولة حبيسة تدفع به حتما الى الارتماء في احضان اي من دول الجوار التي تمتلك منفذا على البحر، فهو إما ان يتجه شرقا صوب كينيا او يبقي علاقته التاريخية بشمال السودان فضلا على ذلك فان الجنوب يموج بالعديد من القبائل والجماعات الاثنية غير المتجانسة التي عادة ما يدور الصراع بينهما حول قضايا الثروة والسلطة. من الواضح ان انفصال الجنوب سوف يؤدي على صعيد اخر الى تغيير طبيعة الملامح الجيوستراتيجية لمنطقة القرن الافريقي الكبير، فالتوازن الاقليمي في هذه المنطقة يتحول تدريجيا لصالح اثيوبيا التي اضحت بمثابة القوة الاقليمية الابرز وخصوصا بعد توجه الادارة الامريكية الى وضع القيادة العسكرية الامريكية لقارة افريقيا في تلك المنطقة» AFRICOMM وثمة مؤشرات عديدة تشير وتفيد بان جنوب السودان المستقل سوف يولي وجهه صوب الشرق الافريقي بعد تدهور العلاقات مع شمال السودان وهو ما يعني صياغة تحالفات اقليمية جديدة تؤثر لا محالة على منظومة امن دول الجوار العربية وعلى رأسها مصر اضافة الى تحالفات خارجية قد تكون مع اسرائيل التي تسعى لاضعاف اي قوة عربية او تكتل عربي، عندما إستقبلت رئيس دولة جنوب السودان وتعهدت بتسليح وتدريب جيش جنوب السودان. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى عدد من الاعتبارات التي تحكم التوجه الاستراتيجي الجديد لجنوب السودان ومنها :الروابط التاريخية التي تجمع بين السودانيين في الجنوب واخوانهم الافارقة في دول الجوار وهي بالاساس اوغندا، كينيا، واثيوبيا. فقد وجدت حركة التمرد الجنوبي الدعم والمساندة من هذه الدول اضافة الى ان توجه النخبة الحاكمة والسيطرة في جنوب السودان هو توجه افريقي حيث تشير كثير من الوثائق والدراسات الى ان جنوب السودان سوف تصبح دولة محورية في التجمع الاقتصادي لدول شرق افريقيا الذي يضم اوغندا, كينيا,وتنزانيا، وروندا, وبورندي. في حالة تعزيز التوجه الشرقي لجنوب السودان وامكانية استقطاب الخرطوم اليه تحت ضغوط دولية ومحلية فان ذلك يمثل خصما استراتيجيا لمصر اذ سوف تنظر حكومة الخرطوم الى منافع التكامل الاقليمي مع دول شرق افريقيا واقامة شراكة جديدة ربما تكون على حساب علاقتهما التاريخية مع مصر في الشمال. وقد تحدث البعض عن امكانيات تأسيس مثلث للطاقة يضم الخرطوم وجوبا واديس ابابا ويعتمد هذا التحالف الجديد على مبادلة النفط السوداني بالمياه الاثيوبية وبهذا تقوم اثيوبيا بتوفير الطاقة الكهربائية، وشمال السودان ينتج الغذاء وجنوب السودان يوفر النفط فان على مصر ان تدفع المال. لاشك أن هذه التطورات الاقليمية تؤثر حتما على منظومة الامن القومي المصري بحيث يمكن الحديث عن استراتيجية جديدة لاحتواء مصر بعد الثورة 25 يناير 2011 وذلك لمصلحة قوى اقليمية مثل اثيوبيا واسرائيل وعليه فان على مصر والدول العربية الغنية والمؤثرة ان تعمل على اجتذاب واستقطاب السودان صوب جواره العربي في الشمال وذلك من خلال استدعاء روابط التاريخ والجغرافيا واستخدام سلاح القوة الناعمة التي لم يحسن العرب استخدامه بعد. [email protected] الراي