مما لا شك فيه أن انفصال جنوب السودان الذي سيقرر مصيره في مطلع يناير 2011م سيؤدي إلى تغييرات إستراتيجية في المحيط الإقليمي للقارة الأفريقية، وأن هذا الأمر يستمد إلى حدود دول القارة فضلاً عن تداخل المصالح الدولية مع دولة جنوب السودان الوليدة، ولأهمية هذا الأمر نظم مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا ندوة عن انفصال جنوب السودان وأثره على دول الجوار الأفريقي، تحدث فيها عدد من الخبراء والمختصين الذين تناولوا الأمر من كل جوانبه، وفي سياق تعليقه على موضوع الندوة قال رئيس الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي د.لام أكول أجاوين إن الانفصال سيكون له أثر على دول الجوار، وقال إن مسألة الاستقرار في الجنوب تأتي في أسبقيات دول الإيقاد التي اعتبرها ستعترف بنتيجة الاستفتاء، مشيراً إلى أنه بسبب عدم الاستقرار سيكون هناك لجوء لدول الجوار، وسيكون هناك نزاع دولي حول الجنوب مبيناً أن دول الجوار لم تكون محايدة، وزاد أكول أن السياسة الخارجية تقوم على المصالح الإستراتيجية للدول، وأردف أن المصالح هي التي تقرر شكل العلاقات، وزاد أن دول الجوار ستقوم بتحديد علاقاتها حسب مصالحها. وفي هذا السياق قال د.لام أكول إن هناك (4) دول لها مصالح حقيقية مع دولة جنوب السودان الوليدة وهي (كينيا، أوغندا، إثيوبيا، وإريتريا) إضافة إلى دولة مصر التي اعتبر أن لها مصالح في ما يحدث في الجنوب، وأضاف أن هذه الدول ستتأثر تأثيراً مباشراً بانفصال الجنوب، وزاد أن كينيا تعتبر نفسها مركزاً اقتصادياً في المنطقة ولهذا السبب ستكون لديها مصلحة في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع دولة جنوب السودان حديثة التأسيس، مبيناً أن كينيا تحتاج إلى أسواق وأن جنوب السودان هو سوق جاهز يتلقى المواد المصنعة في دول الجوار، مشيراً إلى الطموح الكيني لتسويق بترول الجنوب وتصديره عبر ميناء (ممبسا)، بالاضافة لأنها تطمح في ضم مثلث (أليمي)، وأبان أكول أن الجنوب كدولة حديثة التكوين لا يستطيع فتح صراع في المثلث، وقال إن كينيا تهتم بوجود فرص استثمارية في الجنوب. وأرجع أكول علاقة كينيا بالجنوب إلى اعتبار أنها الدولة التي استضافت الحركة الشعبية بعد سقوط نظام (منقستو) في إثيوبيا، وفي سياق تعليقه على مسألة انفصال جنوب السودان وأثره على دول الجوار يقول أكول إن دولة أوغندا الآن تعمل على انفصال الجنوب لمصالحها، مبيناً أنها أول من سيعترف بدولة الجنوب الوليدة، وأرجع أكول ذلك إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين السودان وأوغندا، وأضاف أن الجنوب إذا أصبح دولة فإن أوغندا ستقف معه إذا حدثت به اضطرابات داخلية، مشيراً إلى أن أوغندا تحتاج إلى منطقة عازلة لجيش الرب، مؤكداً أنه الآن هناك قوات أوغندية في جنوب السودان بحجة أنها تطارد قوات جيش الرب الموجودة في جنوب السودان، وتوقع أكول أن تؤثر الانتخابات الأوغندية المزمع إجراؤها في الشهور القادمة على الوضع في جنوب السودان، واستطرد أن في كينيا أيضاً انتخابات، مشيراً إلى عدم وجود إستراتيجية كينية بعيدة المدى للتعامل مع جنوب السودان، وأشار أكول إلى أن الدولة التي وجدت نفسها في ورطة هي مصر التي ظل همها الوحيد الآن هو مياه النيل، وزاد أن الجنوب إذا انفصل سيكون من دول المنبع، وزاد إذا حدث انفصال غير سلمي فإن مصر لن تعترف بالانفصال، وفي الجانب الاقتصادي سينضم الجنوب إلى دول شرق أفريقيا، وقال أكول إن إثيوبيا التي لديها أطول حدود مع الشمال والجنوب ستضع اعتبارات في توجهها وعلاقاتها مع السودان ولذلك دائما تفضل إثيوبيا أن يكون السودان موحداً الأمر الذي تعتبره سيؤدي إلى الاستقرار في إثيوبيا التي لها مشاكل حدودية مع الصومال فضلاً عن مشاكلها مع جارتها إريتريا، وزاد أن موقفها في التعامل مع دولة جنوب السودان سيكون مبنياً على اعتبارات إقليمية الأمر الذي يجعلها دائماً تبحث عن إجماع إقليمي ولن تستعجل في الاعتراف بالدولة الجديدة لأنها تعرف أنها أكثر دولة ستتأثر إذا حدث عدم استقرار في الجنوب باعتبار أن هناك وجوداً لقبائل (النوير والأنواك) الموجودين في (إثيوبيا وجنوب السودان)، وأضاف أنه إذا حدث عدم استقرار ستحدث هجرة ولجوء إلى إثيوبيا، ولم يقف أكول عند هذا الحد بل تطرق إلى دولة شمال السودان والعلاقة بين دولتي (الشمال والجنوب) التي اعتبرها علاقة معقدة مشيراً إلى أن هناك حدوداً تقدر بحوالي (2000 كلم) بين الدولتين، فضلاً عن وجود قبائل متداخلة تبحث عن الماء والكلأ ستتأثر بالانفصال، إضافة إلى الموقف العسكري والدبلوماسي الذي اعتبر أكول أنه سيكون معقداً، إضافة إلى مشاكل الجنسية والديون وإجراءات ما بعد الانفصال، وزاد أكول أن الوضع في جنوب السودان لا ينتهي بإعلان نتيجة الانفصال وتوقع أن تقع أحداث تؤثر على وضع الدولة الجديدة، وأكد أكول أن مواقف الدول تقرر على حسب مصالحها الإستراتيجية وأن الاعتراف بالدولة في الجنوب يتم على حسب الطريقة التي يتم بها الانفصال، وزاد أنه إذا جاء الانفصال وفيه طعن فهذا الوضع سيخلف صعوبات لدول الجوار لتحديد مواقفها تجاه الدولة الجديدة. من جانبه قال السفير نور الدين ساتي إن تبعات انفصال جنوب السودان تمثل تحدياً لدول الجوار ودولة شمال السودان، وزاد أنه – الانفصال - سيشكل مكسباً لبعض الدول، وأضاف أن ميلاد الدولة الجديدة في جنوب السودان سيؤدي إلى تشكيل المنطقة على أسس جديدة ويؤدي إلى مخاوف من الدولة الجديدة، مشيراً إلى أن نموذج انفصال الجنوب سيؤدي إلى نظام أفريقي جديد بخلاف النظام الذي يبشر به الاتحاد الأفريقي الذي يدعو إلى تجمع الكيانات الإقليمية الخمسة الموجودة في أفريقيا وسيشجع بعض دول الجوار على تبني طرح حق تقرير المصير وتفكيك دول القارة الأفريقية، وزاد أن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تقسيم الصومال فضلاً عن مطالبة جيش الرب في أوغندا بذلك الحق وأضاف أن أكثر من نصف الدول الأفريقية تعاني من نفس مشكلة السودان، وقال إن تداخل المصالح بين دول الجوار مثل (كينيا وأوغندا) يجعلها تقف مع جنوب السودان واعتبر أن هذا سيؤدي إلى تعقيد العلاقات في المنطقة، وتعقيدات بين دول الإيقاد والكوميسا والاتحاد الأفريقي، وطالب ساتي بضرورة النظر إلى التكامل بين دول (الإيقاد والكوميسا) والعمل على تحويل الفشل السوداني إلى نجاح إقليمي والعمل على دعم الدولة الجديدة في جنوب السودان لتكون دولة ناجحة. وفي هذا المنحى أكد السفير حسن جاد كريم أن أوغندا هي إحدى الدول المتطرفة في دعم خيار انفصال الجنوب وأنها ظلت دائماً تعمل على انفصال الجنوب، وأضاف جاد كريم أن هناك إستراتيجية أوغندية لها أهداف تسعى إلى تحقيقها وأنها ترى في الجنوب دولة مغلقة وتعطيها ميزة وأنها تستقوى بها وأنها ستساعد في زيادة نفوذ الرئيس الأوغندي موسفيني مما سيؤدي إلى تقوية وضعه الداخلي والإقليمي والدولي، وزاد أن أوغندا ستعطي دولة الجنوب الدعم في مجالات (تنقيب البترول والمياه والسياحة)، وقال جاد كريم إن حادثة تحطم طائرة (قرنق) ساعدت أوغندا على تنفيذ سياستها في جنوب السودان وتنفيذ إستراتيجيتها تجاه الجنوب، مشيراً إلى الوجود العسكري والأمني المباشر في جنوب السودان تحت دعاوى مطاردة جيش الرب، فضلاً عن وجود قنصلية أوغندية في جوبا، وطالب جاد كريم بضرورة تبادل المصالح والمنافع بدلاً من تبادل الكراهية والحرب مبيناً أن هناك مخاوف يجب على الشريكين التحاور عنها وتوزيع الأدوار فيها وشدد على ضرورة الحوار مع أوغندا ومراجعة وتقييم اتفاقية السلام الشامل. من جهته شدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د.صفوت صبحي فانوس على ضرورة ألا يفشل الطرفان في إدارة العلاقات بين الدولتين في حالة حدوث الانفصال، وقال إن مواقف الدول الأفريقية جنوب الصحراء تقف مع انفصال الجنوب مؤكداً أن هذه الدول ستدعم انفصال الجنوب، فضلاً عن أن كل المنظمات الإقليمية في أفريقيا ستدعم الدولة الجديدة التي موقفها سينعكس على دول القارة الأفريقية، وطالب فانوس دولة الشمال بألا تعادي الدولة الجديدة في الجنوب في حالة الانفصال، وأضاف أنه إذا استمرت سياسة التشاكس بين الشريكين إلى أن يحين وقت الاستفتاء فسوف لن تكون هناك علاقات سلمية بين الدولتين، مبيناً أن الفترة المقبلة تحتاج إلى قدر كبير من الحكمة والحوار الحقيقي والجاد وتقدير الموقف كي يخرج الطرفان بأقل قدر من الخسارة باعتبار أن انفصال الجنوب هو خسارة، وفي هذا الاتجاه قال السفير حسن سيد سليمان إن السودان من قبل دخل في صراعات مع معظم دول الجوار الأفريقي مشيراً إلى أن أوغندا الآن لديها أسوأ سياسة جوار مع السودان واتفق مع من سبقوه في الحديث مؤكداً أن أوغندا هي أكثر دولة أفريقية تدعم خيار انفصال جنوب السودان بالإضافة إلى كينيا التي ربما تدعم خيار الانفصال لمصالحها ولكنها تقف مع وحدة السودان لتعددها الإثني وتخوفها من انتقال العدوى، وقال إن إريتريا تقف مع وحدة السودان وتتعامل مع الجانبين لدعم مصالحها في المستقبل، واعتبر سيد سليمان أن هذا هو أثر دول الجوار على انفصال جنوب السودان، وفي هذا السياق قال د.ماريو أرتك أويت إن علاقة الجنوب مع دول الجوار يحكمها مدى قبول شعب جنوب السودان بحكومته، مشيراً إلى أن حكومة الجنوب هي التي تحدد العلاقات الخارجية، وفي هذا الاتجاه قال الخبير العسكري الفريق أول ركن فاروق علي محمد إن الحركة الشعبية صرفت حوالي (4) مليارات دولار للتسليح العسكري وأضاف أن دول الجوار شاركت في ذلك، مشيراً إلى أن كينيا قامت بفتح (8) مصارف في الجنوب، فضلاً عن خطوط الطيران الموجودة في الجنوب، مبيناً أن كينيا لها علاقات متطورة مع جنوب السودان، وكشف عن حدوث إشكالات في الحدود بسبب مثلث أليمي بين جنوب السودان وكينيا، وقال إن انتخابات أوغندا وكينيا في الشهورالقادمة ستأتي بنفس القيادة القديمة مما يشكل دعماً للحركة الشعبية وحكومة دولة جنوب السودان، وتخوف فاروق من أن تكون هناك مطالبة بقيام دول داخل الدولة الوليدة.