فترة تعد من أهم مراحل تاريخ الغناء في السودان ويعتبرها البعض إن لم يكن الكل أساس فن الغناء بهذه البلاد, برزت فيها أسماء لها وزنها في كتابة الشعر الغنائي, وكذا الأصوات الغنائية المتميزة, من شعراء تلك الفترة الشاعر عمر محمد عمر البنا, صاحب المفردة الشعرية المتميزة, أسهم في رفد مكتبة الغناء السوداني بالعديد من الأغاني التي لا تزال تردد حتى الآن على الرغم من مرور سنوات طويلة على ميلاد تلك الأعمال الغنائية.. لمحة ولد في مدينة أمدرمان عام 1900م من آل البنا إحدى أعرق الأسر في أمدرمان.. درس عمر البنا القرآن الكريم في خلوة والده الشيخ محمد عمر البنا والأولية أيضا بمدرسة والده ليلتحق بعد ذلك بمدرسة أمدرمان الأميرية ثم كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حاليا) وهي لم تكن رغبة والده الذي كان يحلم بأن يرى ابنه بالمدرسة الحربية إلا أن عمر البنا فضل العمل الحر وسافر إلى رفاعة ليشرف على أعمال والده الزراعية والرعوية وقد عرف عن آل البنا حبهم للقنص والصيد والعيش في المراعي. أجواء الزراعة والصيد كان لها عميق الأثر في مخيلة عمر البنا، إذ كانت بمثابة الملهمة له ليبدأ رحلة كتابة الشعر وبدأ كتابة الشعر وهو ولم يتجاوز السادسة عشر من عمره وكانت أولى خطواته في كتابة الشعر محصورة في الدوبيت حيث كتب قائلا: حليفة الخضرة الدايما ملازمة حرابا مستورة القناع الخايفة من آدابه الحاشاها من شبت ما اجتازت البوابة على خطى والده لم يكن عمر الشاعر الوحيد في الأسرة حيث اشتهر آل البنا بنظم الشعر فكان والده الشيخ محمد عمر البنا شاعر المهدية صاحب القصيدة الشهيرة التي جاء فيها: الحرب صبر واللقاء ثبات والموت في شأن الإله حياة كما كان هناك شقيقه الأكبر الأستاذ والشاعر الكبير عبد الله محمد عمر البنا صاحب القصيدة المشهورة ومطلعها: يا ذا الهلال عن الدنيا أو الدين حدث فإن حديثا منك يشفيني حدث عن الأعصر الأولى لتضحكني فإن أخبار هذا العصر تبكيني الشاعر الغنائي لم يقف البنا كثيرا عند كتابة الدوبيت ليبدأ أولى محاولاته في كتابة الشعر الغنائي ليكتب قصيدة (زيدني في هجراني) وقام بتلحينها عبد الكريم (كرومة) والتي يقول فيها..: زدني في هجراني في هواك يا جميل العذاب سراني على عفافك دوم سيبني في نيراني وقام بمجاراته في هذه الأغنية الشاعر الغنائي عبد الرحمن الريح بأغنية (غبت عن إنساني) لتبدأ المنافسة بين عمر البنا والأستاذ عبد الرحمن الريح الذي جاراه في أكثر من عشر قصائد إلا أن الشاعر عمر البنا لم يجاره في أي أغنية... ولقد أطلق على الشاعر عمر البنا مخاطب النسيم وبريده وهي إشارة إلى القصائد التي تغنى بها للنسيم مما جعله مثل حامل البريد يحمل النسيم للعشاق حيث كتب.. أغنية (نسيم الروض زورني في الماسية), وأغنية (نسيم سحرك لو يسري), وأغنية (النسيم الفايح طيبه من رؤياك), وأغنية (نسائم الليل) وغيرها من الأغاني عندما يجلس تحت شجرة النخيل في منزله العامر بحي ود البنا ومعه اللورد كما كان يحلو له أن يسميه وهو الفنان كرومة ويقومان بتلحين الأغاني التي تغنى بمعظم قصائد عمر البنا إن لم يكن جميعها إذ بخل الشاعر عمر البنا بقصائده على المغنيين الآخرين في ذلك العهد إلا الفنان عوض شمبات الذي أعطاه أكثر من أغنية حتى لا يتغنى بأغاني كروان السودان كرومه، فقد كان الفنان كرومه يخاف من الفنان عوض شمبات عند حضوره إلى حفلات الغناء التي يقدم بها كرومه أغانيه في الأعراس لأن عوض شمبات كان يحفظ هذه الأغاني عند سماعها لأول مرة فكيف حفظها؟ ويجيء رد الفنان عوض شمبات في استخفاف (قايلني صفايا) والفنان كرومة معروف بأنه سريع التلحين للأغاني وكذلك كان الشاعر عمر البنا يمتلك القدرة على سرعة التأليف للأغاني. زهرة الروض و يقال إنه في عام 1936م كان عمر وكرومة في رحلة فنية إلى القاهرة لتسجيل بعض الأغاني في أسطوانات وهما في الباخرة بين حلفا والسودان طلب الفنان الذي لقب بكروان السودان كرومه من رفيق دربه عمر البنا أن يسجل حبه وولهه في كلمات يناجي بها نفسه ويتذكر بها المحبوبة فما كان من البنا إلا أن يستجيب لطلب صاحبه ويضع كلمات شاعرية كلها حب وهيام وضعها في أقل من ساعة وسلمها لكرومة الذي اطلع عليها فأدخلت السرور والبهجة في نفسه وذكرته بمن ترك في أمدرمان وفي أقل من ساعة أيضا وضع لها اللحن لتسجل في مصر وكانت درة كروان السودان (زهرة الروض الظليل) والتي قال فيها..: يا زهرة الروض الظليل جاني طيبك مع النسيم العليل زاد وجدي نوم عيني أصبح قليل واصل الشاعر عمر البنا ترجمة إحساسه وأحساس صديقه فقدم له أغنية (في الطيف أو في الصحيان) ثم أغنية (أنا صادق في حبك) لتدفق بعدها الأغنيات تباعا فكانت أغنية (إمتى أرجع لأم در وأعودا..) وهي تعبير عن شوقه لموطنه وهو في القاهرة مع كروان السودان. حقيبة الفن عدد من الأسماء لمعوا في عهد الحقيبة التي يؤرخ لها عدد من الباحثين أنها بدأت منذ العام 1918م إلى أواسط حقبة الأربعينات من القرن الماضي ومصطلح حقيبة الفن لا يعني كما يعتقد البعض حقبة من الحقب إنما تم إطلاق هذا الاسم نسبة للحقيبه التي كان يحملها الإعلامي المرحوم أحمد محمد صالح والتي كان يوجد بداخلها أسطوانات تحتوي على مجموعة من الأغاني ويقوم بتقديمها عبر أثير الإذاعة السودانية (هنا أمدرمان) التي كانت تعد بمثابة البوابة الوحيدة للفنانين لتوصيل أعمالهم إلى كافة الشعب السوداني.. ومن شعراء الحقيبة الشاعر صالح عبد السيد (أبوصلاح) وسيد عبد العزيز، وعبدالرحمن الريح, عبيد عبد الرحمن, محمد بشير عتيق, العمرابي, العبادي, خليل فرح, عبد الله سليمان. وقد انقسم الشعراء في تلك الفترة إلى قسمين بين المطربين سرور وكرومة حيث شهدت تلك الفترة إنتاجاً غزيراً للأغاني وتنافساً شديداً بين أبوصلاح وعمر البنا من جهة، والعبادي وسيد عبدالعزيز من جهة أخرى. وعلى الرغم من الإنتاج الضخم للأغاني في تلك الفترة إلا أنها أفرزت أغنيات ما زالت تعيش في ذاكرة ووجدان المستمع للأغاني السودانية إيمانه بأبوصلاح كان الشاعر عمر البنا يؤمن بشاعر غنائي واحد قام بمجاراته في أكثر من قصيدة وهو الشاعر الغنائي صالح عبد السيد أبو صلاح وقد جاراه في أكثر من قصيدة وكمثال قصيدة (طبعا بهواك) التي وضع كلماتها أبو صلاح وجاراه عمر البنا بقصيدة (نعيم الدنيا) ليس هذا فحسب بل من إعجابه بالشاعر الغنائي أبو صلاح تغنى له بأغنيتين سجلهما الفنان عمر البنا في أسطوانات وهما قصيدة (وصف الخنتيلا) وقصيدة (يا ربيع في روض الزهور). الاحداث