** تنتج مصر من الأسماك المستزرعة (750 الف طن سنويا)..وانتاج السودان من ذات الأسماك لايتجاوز (450 طن سنويا)..أي لم يبلغ إنتاجنا (ألف طن) من تلك الأسماك، بيد أن مصر تقترب الى (مليون طن)..وكما تعلمون، فالنيل يجري من هنا، وكذلك الأسماك، ومع ذلك تأمل فرق الإنتاج في الأسماك المنتجة بواسطة الإستزراع.. تأمل الفرق، ثم تابع ما يلي لتعرف سر تدهورنا في كل المناحي،وما الإستزراع السمكي إلا جزء من الكل المتدهور..أولا، ما يجب تأكيده هو أن الإستزراع السمكي نوع من أنواع التنمية التي تستهدف الفقراء لتحد من فقرهم، ولتساهم في تحسين وضعهم الإقتصادي، وهو يعني تزويد البحيرات والخزانات والقنوات المائية بالأسماك بعد تفريخها وتوليدها بطرق علمية في أحواض صناعية، وصائدي الأسماك وكل الناس هم الذين يستفيدون من هذا التزويد، بحيث يكون مصدر دخل للصائد وغذاء للناس..!! ** ولذلك .. في يناير 2010، وقع وزير الثروة الحيوانية والسمكية إتفاقا مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية، وأسموا اتفاقهم بمشروع الاستزراع السمكي في المياه العذبة، بحيث لايساهم فيه السودان إلا بقطعة أرض تجاور النيل..تم تخصيص (70 فداناً ) بمنطقة الشجرة لهذا المشروع التنموي، فاستلمتها المنظمة العربية في احتفال بهيج ..عند إستلام تلك الأفدنة بحي الشجرة، اكتشفت المنظمة العربية بأنها كانت مستخدمة في ذات المشروع قبل نصف قرن من الزمان، أي مكانا يتم فيه الإستزراع السمكي قبل إستقلال السودان، ثم أصبح مهجورا طوال السنوات الفائتة، ولم تعد فيه غير أسوار الأسلاك الشائكة و أحواض مهترئة وحظائر المواشي و غيرها من المخلفات والأطلال المهجورة..شرعت المنظمة في إصلاح المكان وتنظيفه، ثم حفرت بئراً وأخرى لتوفير المياه العذبة في أحواض الأسماك، فالنيل لايوفر المياه العذبة في مواسم الفيضان، حسب رأي الخبراء..وتم تركيب المضخات في تلك الآبار، ثم تم تجهيز الأحواض - 18 حوضا- بالمواصفات المطلوبة..ثم إتصلت المنظمة العربية بالهيئة القومية للكهرباء بحثا عن الطاقة الكهربائية، فطالبتها الهيئة بمبلغ قدره (281 مليون جنيه)..تأمل هذا الرقم، علما بأن المشروع تنموي وليس بربحي ولا إستثماري، بل هو برنامج تنموي للحد من الفقر..المهم، بعد شد وجذب ، وبعد عام وشهرين من الأجاويد، استلمت الهيئة مبلغا يعادل (52 الف دولار)، حسب الإيصال الذي بطرفي، مقابل مد المشروع بطاقة مقدارها (300 كيلو).. خير وبركة، يلا تابع ..!! ** جاءت المنظمة بالكوادر المؤهلة من مصر وتونس واليمن، بالإضافة للكوادر السودانية التي تم تكليفها بادارة المشروع..وكذلك جلبت المواد والمعدات والأجهزة المطلوبة، ثم جلبت نوع من الأسماك غير المتوفرة بالسودان والمسماة بسمك المبروك، وكذلك أنواع أخرى بربع مليون دولار.. ولم تغفل عن استجلاب الكوادر الطبية، وكذلك الأدوية والاغذية .. فأنتجت الأحواض انتاجا غزيرا بفضل الله ثم بجهد العاملين، بحيث تم تزويد بحيرة خزان جبل أولياء ب ( 500 الف من سمك البلطي)، وتم تزويد قنوات الري بمشروع بشائر بنهر النيل ب (700 الف من سمك المبروك)، وتم تزويد قنوات مشروع ود رملي ب (100 الف من سمك المبروك)..وهكذا تواصل الإنتاج، شهرا تلو الآخر، وتواصل تزويد القنوات والخزانات بالأسماك .. وكانت هذه هي المرحلة الأولى من المشروع ..!! ** ثم شرعت المنظمة في تنفيذ المرحل المهمة جدا من المشروع، وهي المرحلة التي يجب أن تنتج فيها الأحواض ما يقدر ب ( 100مليون أصبعية)، والأصبعية تعني الصير بعاميتنا..ولكن - فجأة كدة - جاء أحدهم الى مكان المشروع قبل أسبوع ونيف، وعرف نفسه للكادر العامل بأنه مندوب من جامعة السلام، وأن وزير الثروة الحيوانية - شخصيا - كلفه بفك الحظائر القديمة الموجودة في أرض المشروع ثم ترحيلها الى الجامعة السلام..نعم كما قلت بارض المشروع بعض المخلفات القديمة ومنها حظائر مواشي..طالبت كوادر المنظمة هذا المندوب باحضار خطاب من الوزير يؤكد صحة طلبه، فهاج فيهم المندوب وهددهم بالطرد ثم خرج غاضبا وهو يردد ( على الطلاق أنا أطردكم، انتو قايلين البلد دي حقتكم)، هكذا قالها للخبير اليمني العامل بالمشروع ..!! ** بعد ثلاث ساعات فقط لاغير من غضب مندوب جامعة السلام وتهديده بطرد المنظمة وكوادرها، إتصل وزير الثروة الحيوانية بمساعد المدير العام للمنظمة العربية غاضبا وقائلا بالنص ( ياخ نحن ماعايزين مشروعكم ده، ودوه اليمن ولاسوريا ولا الأردن ولا أي حتة تعجبكم، وفضوا لينا المكان ده سريع )..ثم خاطبهم في اليوم الثاني بخطاب رسمي ينهي اتفاق المشروع (جملة وتفصيلا).. واليوم، منذ أسبوع ونيف، شرطة أمن المنشأت هي التي تحرس أبواب مشروع الاستزراع السمكي بالشجرة وترفض دخول كوادر المنظمة وعمالها ، و إدارة المنظمة والمشروع تخشى أن تموت الملايين من الأسماك التى تضج بها الأحواض..لقد تم فك الحظائر القديمة وترحيلها الى جامعة السلام كما أراد الوزير ومندوبه، ولكن أسماك المشروع تكاد أن تموت بسبب الحظر المفروض من قبل شرطة أمن المنشأت..هذاما يحدث يا الكيانات المسماة برئاسة الجمهورية ومجلس الوزارء والبرلمان..مشروع تنموي يستهدف الفقراء في مهب الريح، فقط لأن المنظمة طالبت مندوب الوزير بخطاب رسمي يشهد فك الحظائر قديمة ويوثق ترحيلها الى جامعة السلام.. نسأل بكل براءة وبلاهة : ماعلاقة جامعة السلام بالحظائر القديمة؟.. بل ما علاقة جامعة السلام بوزارة الثروة الحيوانية وحظائرها، قديمة كانت أو جديدة؟..وهل من العقل أن تفقد الناس و البلد مشروعا تنمويا كهذا، بسبب ( صديق الوزير الملقب بمندوب جامعة السلام )..؟؟..إن كان هذا المندوب مهما للغاية، بحيث يتسبب غضبه في ضياع مشروع كهذا، فلماذا لا يكون وزيرا لوزارة التعليم العالي والثروة الحيوانية، بعد دمجهما؟..بل لماذا لايتم تتويج هذا المندوب بحيث يكون (ملك السودان)..؟..على كل حال، ياهو ده السودان يا صديقي القارئ، وتلك هي وقائع القضية وكل وثائقها بطرفنا، نهديها لرئيس ألية مكافحة الفساد، لا ليحاسبهم، فالمحاسبة من مستحيلات زمان فقه السترة، ولكن ليزين بها (أدراج مكتبه)..وعليه، ليس بمدهش أن تنتج مصر ذاك الحجم من الأسماك المستزرعة، وأن ينتج وطننا مثل هذه المآسي..!! ................ نقلا عن السوداني [email protected]