كان للكلية الشرعية التي أسسها الشيخ يوسف القرضاوي تأثيرها في الشباب القطري، الذين التحقوا بها، كما ساهم الإخوان في صياغة الكثير من المناهج التعليمية والتربوية، وجلبوا عدداً من الكفايات الإخوانية التعليمية والتربوية والثقافية، التي استطاعت أن تؤثر في القطريين. المقال ملخص من بحث 'تجربة الإخوان المسلمين في قطر' أعده الباحث مصطفى عاشور نشر ضمن كتاب المسبار (43) 'الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج'(يوليو 2010) الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي. تكثف الوجود الإخواني في قطر ربما على ثلاث فترات، كان ذلك في منتصف الخمسينيات، عندما هاجر عدد من رجالات الإخوان خاصة الدعويين إلى قطر، بفعل ضغط النظام الناصري في مصر على الإخوان المسلمين واستقروا في قطر، ثم تَأَثُر بعض الطلبة القطريين بالتجربة الإخوانية من خلال واحتكاكهم بالإخوان المسلمين في مصر في فترة السبعينات، عندما درسوا في الجامعات المصرية ومن بينهم الدكتور جاسم سلطان. ثم توافَد الإخوان السوريين على قطر في بداية الثمانينيات بعد الصدام الدامي بين الإخوان والنظام السوري والذي خلف آلاف الضحايا من الإخوان، وآلاف المطاردين خارج البلاد حيث استقر بعض شخصياتهم في قطر، واندمج بعض هؤلاء في مشروع فكري وصحفي كبير تمثل في مجلة "الأمة القطرية" التي صدر منها(72) عدداً حتى توقفها، والتي كان رأسها الإخواني البارز عمر عبيد حسنة، وكانت المجلة تعبر عن المضمون الفكري لمشروع الإخوان. في منتصف الخمسينيات دفع الضغط السياسي والعنف، الذي مارسه النظام الناصري ضد الإخوان، إلى هجرات إخوانية إلي عدد من دول العالم، ومن بينها قطر، وكان من بين الإخوان الذي قدموا قطر الشيخ عبد البديع صقر، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عبد المعز عبد الستار، والدكتور أحمد العسّال، وكان سكان قطر في تلك الفترة قليلي العدد ويتركزون في العاصمة الدوحة، وهو ما جعل حضور هذه القيادات الإخوانية مؤثراً داخل المجتمع القطري، ناهيك عما تمتعت به تلك القيادات الإخوانية من عمق في العلوم الشرعية، وقدرات دعوية، وخبرات كبيرة في العمل الإسلامي. استطاع هؤلاء الإخوان أن يقيموا علاقات جيدة مع الأسرة الحاكمة في قطر، ويتمتعوا باحترامها وثقتها، وتولوا عدداً من المساجد الكبيرة في قطر، مع تولي الحركة الدعوية، وشارك بعضهم في تأسيس بعض الكليات الشرعية، فساهم الدكتور يوسف القرضاوي في إنشاء الكلية الشرعية في قطر ووضع مناهجها، وكان لهذه الكلية تأثيرها في الشباب القطري، الذين التحقوا بها، كما ساهم الإخوان في صياغة الكثير من المناهج التعليمية والتربوية، وجلبوا عدداً من الكفايات الإخوانية التعليمية والتربوية والثقافية، التي استطاعت أن تؤثر في القطريين، خصوصاً وأن الإخوان كانوا يتحركون على أرضية قابلة لاستيعاب بذور الفكرة الإخوانية والإسلامية، في مجتمع لم تطله أفكار الحداثة والعلمانية، ويحتفظ بقدر من النقاء الفطري وتلعب الروابط القبلية دوراً كبيراً في تماسكه، وكان يتشابه بقدر ما مع حالة الريف المصري الذي نشا فيه غالبية الإخوان الذين قدموا إلى قطر في تلك الفترة . كان حاكم قطر آنذاك، الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، لا يجد حرجاً في الثقة في تلك المجموعة من العلماء الإخوان، الذين قدموا إلى بلاده، وانتقلت هذه الثقة من الحاكم إلى القطريين، وهو ما أوجد لهم قبولاً وموقعاً متميزاً داخل المجتمع؛ وإذا أدركنا السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في قطر، في تلك الفترة، حيث لم تكن هناك أزمات تتعلق بالهوية، أو التكامل، أو توزيع الثروة، أو وجود معارضة للنظام السياسي، أو أزمات اقتصادية تؤدي إلى احتقانات اجتماعية وسياسية، كل هذا جعل العمل الإخواني يتركز على الجانب الدعوي والتربوي والتعليمي، أضف إلى ذلك أن المجتمع القطري كان متشابها مع المجتمع الخليجي في كونه مجتمعاً محافظاً من الناحية الاجتماعية والدينية، وهو ما يسر للإخوان حركتهم وأن يتركز جهدهم في الجانب الدعوي الذي يحظى بالرضا والقبول السياسي والمجتمعي. ومع مرور الوقت، والاستمرار في قطر، بدأت تنمو العاطفة الإسلامية لدى البعض من الشباب القطري، وأخذت مجموعات منهم تطالع كتب الإخوان، من التي ألفها سيد قطب، وفتحي يكن، والشيخ محمد الغزالي وغيرهم، وشرع هؤلاء في القيام ببعض الأنشطة التي تشبه وسائل التربية عند الإخوان المسلمين، فكانوا يقيمون المعسكرات والرحلات الصحراوية وكان يدعى إليها بعض قيادات الإخوان الموجودين في قطر لكي يحاضروا فيها. في تلك الفترة المهمة، في حياة مصر والمنطقة، قدم إلى مصر عدد من الطلبة القطريين، ومن بينهم الدكتور جاسم سلطان الذي جاء إلى مصر العام 1973 لدراسة الطب، وكان هذا الطالب مشبعا بروح إسلامية، وشاءت الأقدار أن يشهد ولادة الحركة الإسلامية في الجامعة المصرية، في كليتي الطب والهندسة من جامعة القاهرة، فتعرف على قيادات طلابية من الإسلاميين. كما شهد تلك الفترة بدايات اتصال القيادات الإخوانية الخارجة من السجون المصرية مع الجماعة الإسلامية الطلابية، وعاصر بدايات نمو تيار العنف في مصر، وهي خبرات انعكست في تكوينه، وفي رؤيته، وفي تأسيس الإخوان في قطر بعد ذلك، وكان تأثر جاسم سلطان الأكبر بمجموعة الكتب التي أصدرها المفكر والكاتب الإخواني السوري سعيد حوى، والتي كانت تحاول أن تبني نسقاً فكرياً وسلوكياً وروحانياً متكاملاً للفرد المسلم، خصوصاً إذا كان عضواً في الإخوان المسلمين. واندمج بعض هؤلاء الطلاب القطريين، ومن بينهم جاسم سلطان، في الأنشطة الإخوانية في مصر، في تلك الفترة، وتأثروا بالتجربة الإسلامية. ويشير الدكتور عبد الله النفيسي أنه مع منتصف السبعينات شرع مجموعة من الشباب القطري، لا تتعدى المائة، في بناء تنظيم خاص للإخوان في قطر، وتركز أغلب نشاط هذه المجموعة على النشاط الدعوي والتربوي. ثم بعد مضي خمس سنوات، من تشكيل التنظيم الجديد البسيط شكلاً ومضموناً، جاء بعض الخريجين الجُدد من الخارج 1980 - 1981 وانضموا إلى هذه المجموعة، وبدأت تُطرح إشكالات حول أهمية وجدوى ومدى الحاجة إلى إنشاء تنظيم للإخوان المسلمين داخل قطر، ومدى قدرة هؤلاء الأفراد على تحمل تبعات مثل هذا التنظيم في ظل انتفاء الأسباب السياسية والاجتماعية الداعية لظهوره، ومدى قدرتهم على تحمل تبعاته في ظل أنظمة سياسية لا تطيق الحزبية خاصة الإسلامية منها، وتضيق بها وتراها تحزبات انقلابية أيديولوجية.