اعلن رئيس مجلس الشعب المصري سعد الكتاتني السبت ان المجلس سيحقق ويخضع للمساءلة كل من تدخل في قضية التمويل غير المشروع للجمعيات الاهلية بهدف السماح للناشطين الاجانب وبينهم اميركيون بمغادرة البلاد. وقال الكتاتني خلال اجتماع مشترك لمجلسي الشعب والشورى ان البرلمان سيستدعي المسؤولين لشرح حيثيات القرار وسيقوم "بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة التي مثلت تدخلا سافرا في شؤن القضاء المصري". وبعد ضغوط شديدة من واشنطن سمح لعدد من المتهمين الاجانب ومن بينهم اميركيون بمغادرة مصر عبر مطار القاهرة الخميس، الامر الذي اثار الغضب في مصر. وكشف فتنة "التمويل الأجنبي" وخروج المتهمين الأميركيين مقابل كفالة مالية وترحيلهم على متن طائرة عسكرية أميركية من مطار القاهرة دون إذن مقابل غرامة مالية، عن أن ما كان يندرج إلى وقت قريب في باب التخمين والظن والتحليل السياسي عن صفقة بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، حقيقة باتت ثابتة. وأعلن د. محمود غزلان، المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، أثناء تعليقه على أمر السماح بسفر الأميركيين المتهمين في قضية التمويل "منذ 11 فبراير/شباط 2011 قائلا"أعطينا ثقتنا المطلقة للمجلس العسكري". وعلى الرغم من أن غزلان هاجم المجلس العسكري واصفا الأمر ب"التحول المفاجئ في المواقف العنترية للمجلس العسكري والحكومة"، إلا أن بيان جون ماكلين الذي شكر فيه جماعة الإخوان المسلمين ومساعدتهم على حل الأزمة، والذي وصفه غزلان بأنه عار من الصحة، أكد ضلوعهم في الأمر، وأن أيديهم تلطخت بصفقة أميركية، وأن ردود الفعل من جانبهم لا تخرج عن كونها تعبيرات جوفاء في إطار مسرحية هزلية يخرجونها بالاشتراك مع حليفهم العسكري. ولم تخرج محاولات بعض المحسوبين على الإخوان سواء كانوا نوابا أو مرشحين محتملين للرئاسة مثل المستشار محمود الخضيري وعبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد سليم العوا، عن التبرئة والزج بالحكومة والمجلس العسكري وتحميلهما المسؤولية. وقال المستشار محمود الخضيري إن "الولاياتالمتحدة تصنع حالة من الشقاق بين المجلس العسكري والإخوان والشعب". ووصف شكر "ماكين" ب "السخافة"، وطالب ببيان من المجلس العسكري والإخوان لتوضيح ما حدث، "تصرفنا هذا منتهى الخنوع والخضوع لأميركا، والحكومة سجدت ولم تركع". وقال د.محمد سليم العوا، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية "شعرت بوجع في قلبي عندما علمت بخبر سفر المتهمين الأميركيين في قضية التمويل الأجنبي". وألقى العوا بالتهمة على المجلس العسكري "في حالة وجود صفقة بين المجلس العسكري وأميركا، فلابد على المجلس أن يخرج للشعب ويعلن عن تفاصيلها، وما هي الفائدة التي عادت على مصر من خروج هؤلاء المتهمين؟". والتزم المجلس العسكري الصمت وتهربت الحكومة ممثلة في وزير العدل المستشار عادل عبدالحميد، وزير العدل، وإلقاؤهما بالكرة في ملعب مجلس القضاء الأعلى، بدعوى أنه "لا يجوز لأي جهة أخرى التدخل في القضاء، طبقًا للإعلان الدستوري". واكدت السلطات المصرية انه لا يمكنها التدخل في شؤون القضاء، لكن المحاكمة التي بدأت الاحد تعثرت مع تنحي هيئة القضاة والغاء حظر سفر المتهمين الاجانب. وتجاوزت العلاقة الاميركية الاخوانية مجرد استطلاع الآراء إلى الصفقات، وقد جاء الشكر الأميركي ليؤكد أن الإخوان صاروا قوة تتجاوز أحيانا قوة المجلس العسكري والحكومة، وأن اللعب معهم صار أكثر فعالية من اللعب مع العسكر، وفي النهاية الجميع سوف يخضع حتى لا يتم الغضب عليه ومن ثم إدخاله في دوامة الإطاحة به. من ناحية أخرى، استقبل رجل الشارع خروج الأميركان بحالة من "فقدان الاتزان" فقد ضخم الإعلام الرسمي الحكومي القضية على مدار شهر فبراير/شباط، واتهم هؤلاء ونظرائهم المصريين بالجواسيس والعملاء والخونة. واستغلت منابر الإخوان والسلفيين وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي ذلك، فكفرت ونجست وأحلت الدم، ورفعت رايات الشرف والوطنية والولاء للمجلس العسكري والإسلاميين، الأمر الذي شحن الشارع بالكراهية والحقد والانتقام من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني ومن ثم الثوار والمعارضين للعسكر والإخوان. الفضيحة لن تمر دون خسارة فادحة لأطراف اللعبة السياسية الآن على مستوى الشارع الذي بدأت الصفقة العسكرية الإخوانية الأمريكية تنكشف له واضحة. والشارع المصري ليس بالغباء الذي يصدق معه أن الأمر صفقة إخوانية أمريكية منفردة، وعلى مستوى اللعبة السياسية، بدأ الصراع على السلطة بيد من العسكري أم الإخوان؟ وجاءت مطالبة الإخوان بسحب الثقة من حكومة الجنزوري وتشكيل حكومة ائتلافية بقيادتهم وانتقاد المجلس العسكري لتؤكد أن الأفق ربما يحمل الكثير من المفاجآت عمن يحكم مصر الآن الإخوان أم العسكر ولأيهما ستكون الغلبة مستقبلا؟.