عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفون مصريون يتساءلون : الثورة فشلت أم لا تزال مستمرة؟
نشر في الراكوبة يوم 11 - 03 - 2012

المؤشرات كافة على الساحة السياسية المصرية تؤكد أن الثورة المصرية نجحت فقط في الإطاحة بمبارك، لكنها فشلت في إسقاط نظامه، ومن ثم إمكانية خلق مصر جديدة تتحقق على أرضها "العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة"، حيث كان تنحي مبارك في 11 فبراير/شباط 2011 مجرد تهدئة سرعان ما تمت، وتفرق الثوار عائدين إلى بيوتهم متصورين أن ثورتهم قد نجحت، ليتم الانقضاض عليهم واحدا تلو الآخر على مدار العام الماضي وأوائل العام الحالي، ليحاكم منهم الآن 12 ألفا أمام المحاكم العسكرية، وتقدم ضد حركاتهم وائتلافاتهم آلاف البلاغات التي تم بالفعل تحويل الكثير منها للقضاء العسكري، ومن جانب آخر يتم بشكل منظم ضرب الشعب في استقراره بارتفاع الأسعار واختفاء السلع الأساسية والانفلات الأمني الذي يعاني منه الجميع، أما الخداع والكذب والنفاق والانفلات السياسي لذبح الثورة والثوار فحدث عنه ولا حرج، حتى بدا المشهد محطما.
انطلاقا من ذلك وحتى تساءلنا: في ظل الأوضاع الحالية التي تجري في مصر واستمرار نفس الفكر والنهج والأسلوب الذي كان للنظام السابق في التعاطي مع ومواجهة مختلف أشكال القضايا والأزمات والإشكاليات؟ هل نستطيع القول بفشل الثورة المصرية؟ وإذا لم تفشل فبِمَ نفسر استمرارية فكر ونهج وأسلوب النظام السابق وكأنه يولد من جديد؟
بداية يرى الكاتب والناقد السينمائي أمير العمري أن الثورة لم تفشل ويقول: "الثورة مستمرة بدليل التظاهرات والإضرابات اليومية والاعتصامات والمطالبات المستمرة بالتغيير، وليس من الممكن بالتالي القول بفشلها أو نهايتها رغم كل مظاهر المقاومة الشرسة التي تبديها عناصر الثورة المضادة التي تحكم قبضتها بشكل ما على السلطة في البلاد حتى بعد انتخاب برلمان موالي لا يرغب في الاصطدام بالسلطة العسكرية".
ويتوقع العمري ليس فقط استمرار الثورة ولكن انفجار الغضب الشعبي الجماهيري الذي قد يأتي هذه المرة من الطبقات المهمشة، ومن سكان العشوائيات والمحرومين اجتماعيا واقتصاديا، فالانفجار القادم سيكون مدمرا لكن حتمية بناء الدولة الجديدة لا مفر منه.
فكر النظام السابق لا يزال راسخا
ويؤكد الدكتور نادر عبدالخالق أن المشاهد السياسية والاجتماعية والثورية في مصر قد تباعدت واستقلت وتحول الصراع من عملية الحشد والمؤازرة العامة إلى ما يشبه السلم الموسيقى في التنويع بين علو وانخفاض الصوت وحدته وقوته تبعا لأهمية الدور المتعلق بكل فريق، والمكاسب التي يريد تحقيقها متسلحا بسلاح الدين أو الوطنية أو القوى الاجتماعية والشعبية التى يزعم تمثيلها، ولا نستثنى أحدا من ذلك، فالكل يريد كسب ود الآخر والجميع يريد الوصول إلى هدفه دون أن يخسر الدعم والمساندة من النظير المقابل له فى الصف الآخر والموازى، لدرجة أننا أصبحنا نشاهد أفرادا وقد تحصنوا وتمنعوا وألبسوا ثياب العصمة وكأنهم حكومة وإدارة مستقلة لهم الحق في التشريع وسن القوانين والأطر التي يرون أنها طوق النجاة من الأزمات والكوارث، ولا نجد غضاضة عند الفريق الأكبر من أن يتخذ من هؤلاء وهؤلاء وسيلة لتمرير رأى أو الدفاع عن قضية، وكأن الأحداث تسير وفق منهج سابق معروف وحاضر فى الذاكرة السياسية .
ويضيف "بعد أن هدأت عواصف الانتخابات البرلمانية وبدت ملامح العجز وفشل التمثيل النفسي والإنساني والاجتماعي والشعبي والوطني واضحة، بدأنا معتركا آخر بنفس الطريقة وبنفس المنهج وهو انتخابات رئاسة الجمهورية، وأعتقد أن النتيجة واحدة في كلا الحالين وأن محاولات الاستفادة والتوظيف للقوى المختلفة المضادة وغير المضادة لن تتغير كثيرا، كل هذا يشير إلى أن المنهج السابق والطريقة المثلى فى التشويه والتعتيم والتي اخترعها وعمل على تأصيلها في نخاع الفكر المصرى النظام السابق لم تزل راسخة ولم تزل مهيمنة".
الراهن الغامض مع المستقبل
ويوضح عبدالخالق "كم من المشاكل والقضايا القديمة والمستجدة لم يجد لها العباقرة المصلحون حلا ناجعا، وكم من الفكر العقيم لا يزال مستبدا في طريقة التحاور بين الفرق والطوائف، ويبقى المواطن المصري أمام كل هذا حائرا لا يعرف أين يضع رهانه، أيراهن على مستقبله ويثق ويكون مع فريق الفكر السابق "الكلاسيكي" أم مع فريق الفكر الجديد التيار الديني والسلفي، وهو الوجه الآخر لنوع جديد من الكلاسيكية السياسية أم مع الفكر المضاد الذي لا يجد شرعية حقيقية تدعمه ويعانى من تطفل حركات المد المضاد للثورة، التي لا تتوانى في الظهور والتشكل في مسوخ مختلفة ومتنوعة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل نجحت الثورة؟ وهل يمكن أن نلمس نتائجها واضحة؟ وإذا كان العكس فما الطريق الصحيح؟
الثورة نجحت بكل المقاييس ولا شك في ذلك والدليل أنها هدمت أسسا ونظاما وغيرت وجهه، لكن الخروج من عنق الزجاجة أخذ وقتا طويلا، والتخلص من آلام المخاض الثوري ليس بالأمر السهل، وهى حالة مرهونة بأمور كثيرة منها قوة الإرادة والقرار، والسرعة فى إنجاز المهام التى تأخرنا فيها كثيرا، على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا أشبه ببيروقراطية الحكومات السابقة في عهد النظام السابق التي كانت تضع الخطط وتقرر الميزانيات فقط ولا تراقب ولا تنفذ ما وعدت به، كل هذا يجعل الأوضاع شبيهة بما سبق، وأعتقد أن الظروف والأحوال التى تمر بها البلاد ستأخذ وقتا ليس بالقصير حتى نتحول من نمط سياسي إلى نمط أخر، لأن العقود الثلاثة الماضية لم تثمر عن رؤى جديدة أو شخصيات يمكنها القيام بمثل هذه الأدوار، وما أريد أن أنبه عليه فقط هو أن نعرف أين نسير هل نسير للأمام؟ هل نسير للخلف؟ هل نحن متوقفين؟ وإذا كنا فى حال غير هذا كله فمن المسئول؟
الخصماء نسوا أو تناسوا
ويرفض الشاعر شريف الشافعي المقولات الدبلوماسية، مؤكدا على أن الرؤية الموضوعية تقتضي ألا نساوي بين النجاح المنقوص الذي نرغب في استكماله، والفشل المكتمل الكفيل بإشاعة الإحباط وإجهاض بصيص الأمل.
ويضيف "ما أحسبه صافيًا مخلصًا لوجه الثورة هو ما انخرط فيه عشرون مليون مصري من كل فصيل، اتفقوا على أهداف محددة، وقاموا بأفعال مشتركة أذهلت العالم دون خلاف يُذكر فيما بينهم، وهذه المرحلة الصافية المخلصة انتهت وكللت جهودها بخطاب التنحي، وتقويض كابوس التوريث، وبدء محاكمات رموز النظام السابق، والاستعداد لعهد جديد تحكمه الإرادة الشعبية الحرة، ينبني على التعددية والتنافسية، ومن ثم إطلاق الأحزاب، وإجراء الانتخابات، وتسييد القانون، وبلورة الكيان الديمقراطي. قصيرة كانت مرحلة الإنجاز الثوري، حيث أعقبتها مرحلة الصراع السياسي في إطار الحكم الانتقالي الراهن. وتلك هي المرحلة التي يُنسب إليها بالتأكيد هذا القدر كله من التشويش والإحباط والتراجع.
ولا يرى الشافعي ما بعد المرحلة الثورية الأولى هذه محسوبًا على الفعل الثوري والفعل المضاد للثورة، بل يراه برمته محسوبًا على الصراع السياسي الذي تديره جهات عديدة متناحرة، بما فيها المجلس العسكري ذاته، بصفته السياسية كحاكم انتقالي له مصالحه الخاصة.
ويقول "الالتقاء على قلب رجل واحد وهدف محدد شرط الثورية التي آمنت بها الجماهير، وهذا لم يتحقق بعد الزحف الجماهيري التاريخي الذي أدى إلى التنحي، وما أعقبه بفترة وجيزة. بعد ذلك دائمًا هناك فصيل أو أكثر يتبنى تظاهرة أو وجهة نظر أو آلية معينة تخدم مصالحه، يحاول أن يفرضها على الآخرين بادعاء أنه يتحدث بلسان الثورة، وهناك في الوقت نفسه فصيل آخر أو أكثر يناوئ تلك التظاهرة أو وجهة النظر أو الآلية نفسها، ويحاول إجهاضها بكل قوة، وأيضًا يدعي أنه يفعل ذلك انطلاقًا من مبادئ الثورة. وكأن هؤلاء الخصماء نسوا أو تناسوا أنهم كانوا شركاء في المرحلة الثورية الحقيقية، التي لم تشهد خلافًا على مبدأ، لأن "الحق أبلج" كما يقال. هؤلاء المتصارعون ليسوا بسطاء طبعًا إلى هذا الحد، لكنها تجارة السياسة العفنة برأسمال الثورة النظيف".
ويضيف: "الثورة طهارة ونبل واتحاد وإرادة شعبية واضحة لا تقبل اللبس، والصراع السياسي مكر واحتيال وتزييف وشد وجذب وإقصاء للآخر بلغ حد التخوين والاتجار بدماء الشهداء من أجل المصالح الخاصة للأسف الشديد. لو أن ما يجري خلال الأشهر الماضية استكمال للفعل الثوري، فأين ذهب الملايين العشرون من أبناء الوطن؟ ولماذا تمزقت الإرادة الواحدة إلى مشيئات مشتتة؟ بهذا المنطق يمكننا أن نحدد أين نحن الآن، وكيف يمكن استكمال الإصلاح في إطار المفاهيم الثورية التي زرعتها الثورة في عنفوان فورتها ونجاحها. الخطوة الأولى: تسمية الأمور بأسمائها، فالثورة لا تقبل التقسيم على متناحرين، خصوصًا أن هذه الفوضى أفسحت المجال لبعض أركان النظام البائد أنفسهم للاندساس وسط الثوار، والتحدث أيضًا بلسان الثورة استغلالاً للفرصة، ولم يلمهم لائم، لأن المناخ كله صار فاسدًا حد الجنون. إذا كنا نرفض إدارة الصراع السياسي باسم الدين، كما حدث ويحدث للأسف من أحزاب وجماعات معروفة، فإننا أيضًا نرفض إدارة الصراع السياسي باسم الثورة، فما من فصيل يحتكر الدين، وما من فريق يهيمن على الثورة".
النجاح بشعارات دينية
لا يعفي الشافعي أحدًا من مسؤولية عدم الوصول بالحالة الثورية إلى بر الأمان، وضياع فرصة تحقيق منجزات أكبر مما شهده الواقع على مدار أكثر من عام. ويرى أن سبب التقصير واحد لدى كل المذنبين: الأنانية المفرطة وتغليب المصلحة الخاصة على مصلحة الوطن.
ويقول: "النظام الحالي مؤقت، وندرك جميعًا أنه مؤقت بعد فتح الباب بالفعل للترشح لرئاسة الجمهورية. وهو نظام قديم في الوقت نفسه، لا يستوعب حماس الثورة، ولا يملك خبرة الإدارة، ولا جرأة اتخاذ القرار، كما أنه يرغب في حماية ذاته عقب الخروج، ويشفق من أي تغيير جذري انقلابي، ويواجه ضغوطًا داخلية وخارجية لا يتعامل معها بحسم، وفي ضوء هذه المصالح والضغوط مجتمعة يعمل بشكل شبه ارتجالي، فلا ينال أداؤه القبول. فلنحمّل عليه عشرات الأخطاء، بل المئات، التي حالت دون بلوغ الثورة مداها المنشود حتى الآن. لكن هل نحمله مسؤولية فشل الليبراليين في خوض الانتخابات البرلمانية بجدية؟ هل نحمله مسؤولية عدم ظهور مرشح رئاسي جاد يجسد آمال الثوار ويحظى بقبول واسع النطاق؟ هل نحمله مسؤولية لهاث بعض الأطياف السياسية من أبناء الثورة خلف الكراسي، وتحالفهم مع رموز النظام السابق، بل ومع الشيطان نفسه في بعض الأحيان؟ هل نحمله مسؤولية الظهور السطحي المنفر لعدد لا يستهان به من شباب الثورة، بما أدى إلى لفظ الجماهير لهم، بدلاً من مساندتهم ودعمهم والالتفاف حولهم؟ هل نحمله مسؤولية غياب الوعي الشعبي في الأداء الانتخابي، وأن أغلبية الفائزين نجحوا بالشعارات الدينية وغيرها، دون أن تكون لهم برامج واضحة حتى؟".
ويتساءل الشافعي: إذا كانت العثرات كلها مرهونة بالنظام الحالي، فلماذا نحن غير متفائلين بالمستقبل في ظل رئيس منتخب بإرادة شعبية حرة؟ بل إن بعض لافتات المتظاهرين حملت عبارة: "لا للرئيس المقبل"، ويضيف "كأن الثورية قد اختزلت في الاعتراض المطلق، فقط من أجل الاعتراض، أو كأن عدم وجود مرشح يمثل فئة معينة يعطيها الحق في رفض المرشحين الآخرين كلهم على طول الخط. إن الثورة لن تبلغ غاياتها الإصلاحية بين يوم وليلة، سيراقب الناس نتائج اختياراتهم، وتدريجيًّا ربما يصلون إلى الأصلح. الشعب الآن صار أكثر وعيًا وإيجابية إزاء سوء إدارة القضايا والأزمات والإشكاليات المشار إليها في سؤالك، بقي أن نتجاوز مرحلة الرفض اللفظي لما لا نرضى عنه، إلى مرحلة القدرة على إيجاد البديل القابل للتطبيق.
إن وضع حجر واحد في بناء سليم أصعب بكثير من إزالة ألف حجر في بناء فاسد. باختصار، يخطئ من يظن النظام القديم يولد من جديد، لكنه النظام الجديد يولد ببطء شديد، وسيحتاج إلى وقت ليتخلص من سلبياته وأخطائه. لقد شاهدنا فشلاً ذريعًا لأعضاء الحزب الوطني المنحل في الانتخابات البرلمانية، فإذا وجدنا الأعضاء الحاليين ليسوا بالكفاءة المطلوبة، فذلك لا علاقة له بالنظام السابق وأعوانه، بل فلنعترف بأن البديل الكفء غير موجود أصلاً، أو يحتاج إلى بعض الوقت للظهور، والدليل أن بعض الذين اجتهدوا وعملوا بحق كما ينبغي نجحوا، كالدكتور عمرو حمزاوي على سبيل المثال، الذي نجح مستقلاً".
تحالف قوى الشر
ويرى الروائي والكاتب عبدالنبي فرج أن الثورة لم تفشل بالمطلق، و"لكنه طبيعة الصراع الدائر الآن بين فئة تاريخها أسود تريد أن تحمى نفسها بالاستمرار في مواقعها، ولا تريد أن تتزحزح من مكانها ألا بعد أن تطمئن على مرسى السلامة، وهذا لن يحدث ويجب أن أذكر بواقعة واحدة دالة على المأزق الذي تعاني منه هذه الفئة ولذلك تقاتل بشراسة وعنف لا يليق ألا بقتله، وهو واحد من القوى الرئيسية الفاسدة وهو المجلس العسكري وطلبه الفج "بالخروج الآمن"، وعندما تم رفض طلبه أخذ يضع العصي في العجلة، القوى الأخرى مثل فلول الحزب الوطني من طبقة البيروقراطية ورجال الأعمال ومافيا جهاز الأمن وغيرها من قوي الشر،
عقد تحالف قوي بينهم، لأنهم في مركب واحدة يحاولون بكل السبل سد الثقوب الذي فجرتها وصنعتها ثورة 25 يناير، وهناك فئة أخرى وهي الفئة الثورية ولا اقصد النشطاء السياسيين وبعض الحركات السياسية تحديدا، ولكن أفكر في الشعب المصري الذي يقاوم ببطء ولكن بقوة وشراسة، وهي الفئة المنهكة من كل الأطياف، ولكن تحارب بقوة وشراسة المحارب معركتها، وأنا أعتقد أنها ستربح لأنها المستقبل، والثورة مستمرة، مستمرة ولم تنته المباراة بعد ومصر تغيرت ولن ترجع أبدا.
انتفاضة وليست ثورة
وتؤكد الشاعرة علية عبد السلام على أهمية إعادة تقييم الأحداث منذ بدأ الدعوة على الفيسبوك للتظاهر في 25 يناير 2011 والتي كانت تتسم بمطالب محددة استمدت قوتها من حرق "محمد بوعزبزى" لجسده فى "سيدي بوزيد" بتونس، كانت اقرب لدعوة النظام لتغيير نفسه بنفسه بينما أدى التزم النظام المخلوع الصمت تجاه تفاقم الأوضاع إلى أن هبَّ الناس هبة شاسعة في كل مدن البلاد فيما هو أشبه بالانتفاضة منه بالثورة في 28 يناير، إذن من الصعب خاصة بعد مرور عام ولم يتغير شيء أن نسمى ما حدث ثورة، بينما هي "انتفاضة شعبية" أشعلها صمت النظام ووحشية العنف على يد الداخلية التي زادت من تأزم الأوضاع فور قرار انسحاب الشرطة من الأقسام والشوارع، إذن هي انتفاضة شعبية جل ما حققته عزل المخلوع وأعوانه المقربين، إضافة إلى انهيار مشروع التوريث بأكمله وبغير رجعة، من البداية القبول بالمجلس العسكري لإدارة شؤون البلاد كان خطأ عظيما ليس متأخرا أبدا استدراكه كيف نقبل بولاية أتت بتسمية من خلعته الإرادة الشعبية؟ الإجابة بسيطة ولكنها قاسية بما صعب على الكثير في حينها تخيله تواطؤ القوى السياسية المعارضة الموجودة قبل 25 يناير مع المجلس العسكري مع غياب القائد والرؤية وبروز بعض العناصر الشابة باسم الثورة، جميعا عقدوا صفقاتهم الخاصة أبرزها الاستفتاء بينما كان الضروري إعادة كتابة الدستور بما يلبى طموح الشعب ورغباته، ويعيد السيادة لشرعية الشعب، ويحدد صلاحيات الرئيس والبرلمان بما يكفى لإعادة هيكلة الدولة اقتصاديا بما يحفظ كرامة المواطن وحقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر بميثاق الأمم المتحدة وهي ملتزمة بها.
وتضيف علية عبدالسلام: "الآن وبعد أكثر من عام وكما قلت وكأن النظام يولد من جديد، هو كذلك النظام لم يسقط، تغيرت بعض الوجوه لا أكثر، إذن هي انتفاضة شعبية وأدها المجلس العسكري بالتعاون مع الجماعة المحظورة وبسبب غياب القائد والرؤى وانشغال البعض من عناصر شباب الثورة بإنجازاتهم الشخصية، والاكتفاء بالانتصارات الذاتية فرغ الساحة للمجلس العسكري والمحظورة، الوضع كما هو عليه لا يمكن التنبؤ به، مازلت قوى الثورة المضادة تدبر وتخطط وتنفذ، ولكن الذي لا شك فيه أننا لن نعود للوراء سيبزغ من هذا الظلام قائد شاب شجاع لإرساء دولة القانون والحقوق، ونحن في انتظاره ولكن كيف إذا لم يبدأ الناس الثورة على أنفسهم، أولا في داخل كل منا يسكن المخلوع ونظامه وعلينا أن نقضى عليه بالعمل ومقاومة الفساد في كل مكان.
بين فكي الرحى
وتؤيد الكاتبة صفاء عبدالمنعم أن الأوضاع كما هي بل ازدادت سوءا. وتتساءل لماذا؟ وتقول: "بسبب وجود بعض التراخي والتلاعب والإعلام الذي يلعب على جميع الحبال، وصنع حالة من التشويش الذهني لدى المتلقي السلبي الذي يأخذ الخبر ولا يفكر فيه بشكل منطقي أو يبحث عن أكثر من مصدر للتأكد من صحة هذه الأخبار، وكذلك برامج التوك شو وحسب أهواء القناة والمعد والمذيع والضيف أصبح الكلام في حالة (معجنة كلامية) والذي يدفع ثمن هذه الثرثرة هو المشاهد العادي السلبي".
وتضيف "مع بداية الثورة واتضاح الأمور والأموال المنهوبة ومدى تفشى الفساد الإداري والمادي عند رجلات الدولة السابقين، جاء للناس حالة من الهلع والذعر الفكري ووقعت بين التصديق وخيبة الأمل، وأخذ كل فقير يفكر كم سوف يجنى من هذه الثروات لو عادت؟ وعاشت الناس على هذا السراب, وعندما تمت محاكمة النظام ورؤوسه لم تعد أموال، ولم يغتنِ الفقراء ولم يعتدل ميزان الكون، بل وضحت ظاهرة خطيرة هي سياسة التخوين والتشويه وعدم المصدقية، واحتار الناس من تختار؟ وتثق في من؟ وما فائدة كل هذه الأشياء التي حدثت طالما "يبقى الوضع على ما هو عليه" فبدأت تظهر علامات الاستفهام الكثيرة، وكذلك تسرب الإحباط الشديد، أسأل أي شاب أو رجل أو امرأة ماذا تريد الآن؟ ومارأيك في الثورة؟ سوف يسب ويلعن (سلسفين أبوها ويقولك بالفم المليان عايزين ناكل عايزين فلوس)، هذا بخلاف ارتفاع الأسعار واستخدام نفس آلية إألهاء الناس مرة بالغاز ومرة بالسولار ولا يزال المواطن المصري مطحونا بين فكي الرحى، وظهر بلطجية جدد لم يكن لهم وجود على خريطة المجتمع بخلاف التجارة في الأعضاء البشرية وخطف الفتيات، كل هذا لترويع الناس كي يقولوا لهم بشكل مباشر (أدى الثورة) وأصبح كل إنسان يبتز أخاه وزميله وجاره وبشكل علني ودون حياء، وانتشت المظاهرات الفئوية للضغط لتحقيق المطالب، وكانت هذه هي الفرصة الوحيدة والأخيرة في حياة المواطن المصري كي يأخذ بها حقه الآن.
النظام لم يسقط
وعلى الرغم من ذلك كله ترى عبدالمنعم أن الثورة لم تفشل "لا اعتقد، وليس بسهولة ولكن هناك تعطيل لاستمرارية الثورة وذلك لتحقيق بعض المكاسب لأحزاب بعينها، ولولا الثورة ما كان لها وجود".
أما استمرارية فكر ونهج النظام السابق فلأن النظام لم يسقط تماما كما يعتقد البعض، ولكن تم استئصال جزء من النظام ولكن الجسد لا يزال يعمل فى جميع المؤسسات. وعلى فكرة لن يسقط بسهولة وسرعة لسبب أنه تكون في ثلاثين عاما، فكيف يسقط في عام أو عامين؟ ما يحزنني حقيقي هو المستقبل، واحتمال تراجع كثير من المكتسبات التي تحققت في العقود السابقة، ونهدم بشكل أهوج كل ما هو جميل وحقيقي. انظر إلى الشارع الآن؟ انظر إلى كم الفيلات التي يتم هدمها، وكم الأراضي التي بني عليها، إننا نعانى الآن من أزمة أخلاق وأزمة ضمير، إذا انصلح حال العباد سوف ينصلح حال البلاد، ومازالت الثورة مستمرة ودائمة حتى لو استقرت الأمور، فلا يجب أن نستسلم ونهبط، مثلما حدث أثناء ثورة 19 عندما طالب الناس بعودة سعد زغلول وعندما عاد هدأت الثورة وعاد الناس، الجميع طالب بإسقاط النظام ورحيل الرئيس وعندما رحل الرئيس ووقع النظام هل هبط الناس وعادوا هذا هو السؤال؟
ولدت لتبقى
وترى الكاتبة د. عزة بدر أن ثورة 25 يناير ولدت لتبقى ولتحفر لها مجرى في قلوبنا ونفوسنا بما قدمته من شهداء وبما أحدثته في نفوس المصريين من رغبة عارمة في التغيير ومن إصرار على الحرية والعدالة والكرامة، فلقد زلزلت الثورة نفوس الناس وخاطبت الجميع ودفعت برسائلها الثائرة المضيئة إلى كل وجدان "كن ثائرا كن مع الثورة" فانتفض الجميع ولبوا نداء الحرية وقدم المصريون أروع أمثلة التكاتف والتضامن والتضحية.
وأضافت "ثورة 25 يناير ولدت لتبقى: نظرة أمل في أعيننا غدا نحلم به ويحلم بنا طاقة إصرار على أن نرفض كل ظلم، وأن نسعى لكي تكون راية بلادنا عالية خفاقة، واجهنا أشد الظروف حلكة وتكاتفنا وأبدى المصريون وعيهم في كل لحظة، فصنعوا دروعا بشرية لحماية تراثهم الإنساني بالمتحف المصري، شكلوا اللجان الشعبية لحماية الممتلكات العامة والخاصة، يحبون بلادهم بالفطرة ونقاء الضمير، ان روح ثورة 25 يناير فى أعماقنا جميعا تهتف: ليس هناك مستحيل، أما لماذا استمرار نفس النهج فى معالجة المشاكل فأقول لك إننا في مرحلة انتقالية صعبة ودقيقة بكل ما تحمله من ايجابيات وسلبيات حيث لا يمكننا أن نغير كل شيء بين يوم وليلة، وإنما هو مخاض طويل لا بد ألا نفقد فيه صبرنا ولاإيماننا بثورتنا التي ولدت لتبقى نموذجا يحتذى لإصرار أمة وإرادة شعب".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.