في مطلع الأسبوع الجاري كشفت الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحكم جنوب البلاد أنها احتجزت قبل ثلاثة أيام طائرة تابعة للحكومة في الشمال تحمل جنودا تابعين لقائد منشق على الحركة، وألمحت إلى أنها كانت تحمل أسلحة أيضا للمتمردين عليها. وبانتظار تقرير يتوقع أن يصدره المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال لدحض ما أوردته حكومة الجنوب -السلطة القانونية بالإقليم-، أصدر رئيسها سلفاكير ميارديت توجيها بتقديم من وصفوا بالجنود المتمردين إلى المحاكمة الفورية، وهو ما اعتبر محاولة لتجريم المؤتمر الوطني. لكن عدد من الخبراء طرحوا تساؤلات حول ما إذا كان بإمكان الخرطوم دعم من يتمردون عليها باعتبار أن حكومة الجنوب -التي تحكم من مدينة جوبا- جزء من الحكومة القومية. ويظل تشكيك حكومة الجنوب حول حمولة الطائرة (أدوية ومواد طبية كما تقول الخرطوم) وقيمة استئجارها محل تساؤل على الأقل عند المسؤولين الجنوبيين. وأوضح تقرير نشرته حكومة جوبا بهذا الصدد أن قيمة الحمولة تبلغ نحو 1700 دولار فقط في حين تبلغ قيمة إيجار الطائرة لساعة واحدة نحو 4800 دولار، بينما تستغرق الرحلة التي تقوم بها الطائرة -وهذه ليست المرة الأولى- من الخرطوم إلى مناطق فلّج وفنجاك بالجنوب ذهابا وإيابا نحو عشرين ساعة، ليصل إجمالي إيجار الطائرة 96 ألف دولار. ومع ذلك يرى المحللون أن هناك أطرافا لا تزال غائبة عن المشهد المتصل بقضية الطائرة، مشيرين إلي ضرورة وجود لجنة محايدة لكشف الحقيقة فيما إذا كانت هناك جريمة وراء إرسالها أم لا. واعتبر مدير مركز دراسات الشرق الأوسط عثمان السيد أن خروج القضية إلي العلن رغم أنها من القضايا الأمنية الحساسة "يؤكد ما وصلت إليه العلاقة بين الخرطوموجوبا من تأزم واضح"، مشيرا إلي أن أمر الطائرة ما كان له أن يخرج للعلن لو كانت هناك أجواء طبيعية بين الطرفين. واستبعد في حديث للجزيرة نت احتمال إقدام الخرطوم علي دعم المتمرد جورج أتور المنشق عن الحركة الشعبية بهذه الطريقة، إذ "لا يمكن أن تحمل طائرة صغيرة كميات من الأسلحة والمؤن والركاب بجانب طاقمها". استخبارات الشعبي لكنه اعتبر أن وجود مساعد لقائد التمرد جورج أتور ضمن ركاب الطائرة القادمين للخرطوم "إذا ثبت" فسيصبح دليل إدانة ضد حكومة الخرطوم، مقللا في الوقت نفسه من قدرة استخبارات الجيش الشعبي علي كشف وجود عناصر تتبع لأتور داخل طائرة صغيرة تتنقل بين الخرطوم وفنجاك وفلج. من جانبه رأى المحلل السياسي محمد علي جادين ضرورة تشكيل لجنة تحقيق محايدة للتقصي حول الأمر، إلا أنه اعتبر في المقابل أنها نتيجة طبيعية لما وصلت إليه الخلافات بين الخرطوموجوبا. وأشار إلى أن من مصلحة الخرطوم العمل وسط الجنوبيين لدعم خيار الوحدة في الاستفتاء المقبل "وبالتالي لا يمكن أن يقع في ما يتسبب في توتر العلاقة بينه وبين المواطن الجنوبي". وتوقع جادين في حديثه للجزيرة نت أن تحمل الأشهر الأربعة المقبلة كثيرا من المفاجآت والمتغيرات "التي لا أعتقد أنها تبشر بخير". الحاجة لإثبات من جهته رأى الخبير القانوني طه إبراهيم أن اختلاف الروايات وتبادل الاتهامات يحتاج لإثبات قبل أن يعلن للملأ، مشيرا إلي أن تورط المؤتمر الوطني من عدمه لن يتكشف إلا عبر آليات تحقيق محايدة. لكنه تساءل في تصريحه للجزيرة نت عن وجود القائد الثالث في قوات المتمرد جورج أتور ضمن ركاب الطائرة التي كانت تتجه نحو الخرطوم "وهل كان بعلم الحكومة أم هو من الاتهامات الملفقة التي تثيرها حكومة الجنوب". وقال إن زعزعة الأوضاع الأمنية في الجنوب من شأنها أن تعرقل إجراء الاستفتاء وتساءل قائلا "من من الطرفين يسعى لذلك؟".