يستفيق المشهد الدرامي السوري خاصة والعربي عموما مع كل إطلاله لشهر رمضان الكريم على إنتاج نوعي وكمي يفوق قدرة المشاهدين على الإحاطة بكل ما تقدمه الفضائيات العربية لاسيما منها " مجموعة الكبار " التي تستقطب أوسع شرائح اجتماعية في العالم العربي ، بحيث يبدو تأثيرها تاليا عندما تتحول المسلسلات التي تعرضها إلي حلقات مناقشة بين الناس في البيت و العمل و الأماكن العامة وهذا يطال بطبيعة الحال ما تقدمه هذه المسلسلات من أفكار ومعالجة للقيم و الآراء التي تبدأ من العمق التاريخي وصولا إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية الواقعية بكل تنوعاتها العامة والخاصة . يقول مدير لجنة صناعة السينما و التلفزيون في سوريا رجل الأعمال المعروف عماد الرفاعي لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ):" إن الدراما التي أنتجت في سوريا قد بيعت بمعظمها وكما يرى الجميع فان انتشارها بات كبيرا ولم تعد اللهجة الشامية عائقا أمام انتشارها في كل مكان حول العالم العربي ، فقد تم إنتاج أربعة أعمال خاصة بالبيئة الشامية و عملين تاريخيين إسلاميين هما القعقاع ورايات الحق و21 مسلسلا يمكن إدراجهم ضمن ما يعرف بالدراما الواقعية على تنوعاتها أي أن الحصيلة 27 عملا " ويضيف الرفاعي و الذي يعرف هنا في سوريا بأحد ابرز الداعمين لصناعة الدراما و السينما ولأهل الفن ان 27 مسلسلا بلغت تكاليف إنتاجها حوالي 50 مليون دولار وفروا فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لقرابة 25 ألف شخص و عادة يحتاج كل عمل في المتوسط إلى 350 شخصا يعملون بشكل مباشر بينما هناك أعمال تحتاج ضعف هذا العدد أو أكثر . يقول النجم السوري باسم ياخور لوكالة الأنباء الألمانية وهو الذي شارك في عدد من الأعمال لهذه الدورة الرمضانية أن الدراما السورية حققت حضورا لافتا واحتوت أعمالها على معالجة لكل الموضوعات التاريخية و الاجتماعية و السياسية و الدينية وخاضت في كل التحديات ، وهذا لم يكن ليحدث لولا وجود بيئة حاضنة لهذه الأعمال و المسلسلات المتنوعة والتي باتت حاضرة لدى كل المشاهدين في العالم العربي . أما المخرج السوري نجدت أنزور فقد أكد أن"دراما رمضان للعام 2010 كانت متميزة بالتنوع والجرأة ، نعم لدينا المزيد من الوقت و الحاجة إلى زيادة جرعة نسبة أوكسجين الحرية و الجرأة فيها إلا ان ذلك لا يأتي دفعة واحدة. التجربة تتطور وتكبر أكثر فأكثر ". ويكشف مدير غرفة صناعة السينما و التلفزيون في سوريا عماد الرفاعي انه سيترأس وفدا سوريا لزيارة بعض البلدان الخليجية لتوقيع بروتوكول تعاون وتبادل عرض مسلسلات سورية خليجية وقد لاقت تجربة التلفزيون السوري مؤخرا عندما بدأ ببث مسلسلات خليجية الكثير من الترحيب في بلدان الخليج العربي وصار هناك ما يشبه " معاملة بالمثل " . وعن أي من الفنانين السوريين كان الأكثر دخلا من أعماله هذا العام قال الرفاعي هناك مؤشرات إلى أن النجم جمال سليمان والنجمة سلاف فواخرجي كانا الأكثر حظوظا كما أن أسماء لامعة حققت دخولا عالية مثل بسام كوسا و أيمن زيدان و باسم ياخور وسلوم حداد ونضال سيجري وأيمن رضا وسامر المصري وسلافة معمار وعبد المنعم عمايري بعض نجوم باب الحارة وعدد آخر من النجوم والنجمات السوريين البارزين . وتبدو الأعمال التاريخية الإسلامية ذات دلالات وإسقاطات راهنة مثل مسلسل "القعقاع بن عمرو التميمي "الذييتناول حقبة من تاريخ الدعوة الإسلامية ساهمت في نشوء الدولة من خلال إبراز سيرة الصحابي الجليل القعقاع بن عمرو التميمي، الفارس الذي اشتهر بصلابته وسيرته الحافلة بالبطولات، التي أعلت راية الإسلام في مواقف عدة وهو من تأليف وسيناريو محمود الجعفوري و إخراج المثنى الصبح بينما يسلط مسلسل "وراء الشمس" الضوء على عالم ذوي الاحتياجات الخاصة الذين حكمت عليهم الأقدار أن يولدوا معوقين عقلياً ويعيشوا ضمن شروط اجتماعية وإنسانية صعبة وهو عمل اجتماعي تأليف محمد العاص وإخراج سمير حسين. أما مسلسل "كليوباترا" بطولة النجمة السورية سلاف فواخرجي فهو يجسد شخصية تاريخية معروفة بقراءة مختلفة عن القراءات السابقة التي تناولتها حيث يعرض المسلسل الجانب الشعبي من حياة الملكة كليوباترا وحالة التأثر والتأثير بينها وبين الشعب الذي أحبها وأحبته، مما جعلها تأخذ قرارا بالانتحار قبل أن ترى شعبها يُذل ، وهو من إخراج زوج الفنانة فواخرجي وائل رمضان وسيناريو قمر الزمان علوش . كما ان مسلسل " الخبز الحرام " الذي يناقش تفشي ظاهرة الدعارة في المجتمع وأثارها السلبية مطلقا رسالة تحذير للأسر خاصة بعد انتشار الفيديوهات الإباحية بين طلاب المدارس . تقول تقارير صحفية ان جزءا كبيرا من تمويل الأعمال الدرامية المنتجة في سوريا ساهمت فيها استثمارات عربية ويذهب البعض إلى القول ان 75 بالمئة كانت استثمارات عربية سواء مباشرة أو عن طريق فضائيات عربية . ويعزو المراقبون هذا الإقبال من الاستثمارات العربية للإنتاج في الدراما السورية إلى " البيئة التي توفر كل المتطلبات تقريبا " و بأسعار مقبولة نسبيا . ولعل هناك ما يشبه الإجماع على أن الكوميديا احتلت مكانة لا بأس بها هذا العام وأبرزها ثلاثة أعمال كوميدية، وهي "بقعة ضوء" للمخرج ناجي طعمي وعدد من الكتاب، و"ضيعة ضايعة" للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو، و"ملك التاكسي" لكاتبه وبطله سامر المصري وللمخرج زهير قنوع. يقول الليث حجو مخرج ضيعة ضايعة ان العمل يعرض حصريا على قناة أورينت المحطة السورية التي تم " طردها " وإغلاق مكاتبها في دمشق ، مضيفا ان الجزء الثاني هو استمرار طبيعي للأول فقد حاولنا ألا نغير شيئا في الشكل فبقي الممثلون أنفسهم كما حاولنا الحفاظ على التفاصيل كلها وأماكن التصوير وما تغير هو المضمون أي مستوى عمق الفكرة وطريقة معالجتها، لأن الكاتب هذه المرة كتب لشخصيات شاهدها مرارا و ليست مجرد شخصيات من خياله كما كان الحال في الجزء الأول. يقول الكاتب والسيناريست الشهير نجيب نصير لوكالة الأنباء الألمانية " انا اعتقد ان معظم الأعمال الدرامية الحالية هي ذات بنية خطاب إعلامي واجتماعي تقليدي يقوم بالتركيز على التراث و القدرية والقيم الغيبية كحالة عامة لكسب رضا الشارع ، حتى المنتج لا يريد لا يجرأ على الدخول في تحديات راهنة يتعرض لها عالمنا العربي ، أرى أنها ضرورية لمجتمعاتنا العربية كأن نحارب التطرف من أى جهة أتى ، كذلك وضع المرأة ، حال الفقر المتزايد من حولنا ، تعليم الفوضى والتي أصبحت حالة عامة لا بل أنها أصبحت نظام عام في المجتمعات العربية ، أساليب التربية ومناهج المدارس ، حالة القضاء ، التعليم العالي الخ ، أما على المستوى الفني فانا شخصيا لم اعد أجد توفر حالة الإبداع الفني في معظم هذه الأعمال ،ثم ان الإخراج في الأعمال وأداء الممثلين كأنه وصل إلى سقف التوقعات ، ولذلك أجد ما يشبه خلو الساحة من الأعمال التنويرية التي يفترض ان تكرس قيم حضارية جديدة تواكب العلم في أقل تقدير " . مع ان هناك تباينا في الآراء إزاء ما تقدمه الدراما السورية إلا ان التقاطعات الايجابية تبقى هي الأكثر إجماعا على المشهد العام الذي سد فراغا معينا ، لكنها بقيت قاصرا في الوقت نفسه ،عن الخوض في حاجات رئيسة وعميقة تخص مستقبل شعوب العالم العربي من مكانتها ودورها الحيوي لأنها ذات قدرة على الوصول إلى كل الناس ولها تأثير على سلوك و أفكار المجتمعات في حالها الراهن