تقرير: صباح أحمد: ٭ بدا لافتاً للانتباه خلال الجلسة المشتركة التي جمعت بين عضوية المجلس الوطني ومجلس الولايات أو ما يطلق عليه الهيئة القومية التشريعية صبيحة الخميس الماضي خلال أداء المشير عمر البشير لليمين الدستورية رئيساً للسودان، بدا لافتاً الحضور الكثيف لرجال الأعمال والرأسمالية الارستقراط الذين فازوا في الانتخابات البرلمانية. وظهرت أسماء لامعة في دنيا المال والسوق مثل السيد جمال الوالي صاحب شركات أفراس للنقل السياحي ورئيس نادي المريخ الرياضي، والمهندس الحاج عطا المنان ادريس الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة بنك التنمية التعاوني الإسلامي ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات شريان الشمال ووزير الصناعة الدكتور جلال يوسف الدقير رئيس مجلس إدارة شركة النيل الأبيض ورئيس مجلس إدارة شركة سكر كنانة والشريف أحمد عمر بدر رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية السودانية (سودانير) ورئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة بجانب الملياردير الطيب أحمد عثمان النص أشهر وأبرز تجار الجبهة الاسلامية القومية منتصف الثمانينات ونائبها في الجمعية التأسيسية عن دائرة العيلفون والشيخ عبد الحكم طيفور القطب الاتحادي الشهير الذي انسلخ عن حزبه القديم وانضم للمؤتمر الوطني مرشحاً عن دائرة المتمة القومية وهو من قدامى التجار الشماليين بجنوب السودان. والطريف في الأمر أن منافسه في ذات الدائرة رأسمالي آخر هو عصام الدين الخواض صاحب مجموعات شركات الخواض للتجارة والمقاولات والاستثمار والشريك في مدينة الأحلام «دريم لاند» القريبة من مصانع جياد!! كما ظهر اسم السر الكريل أحد أكبر تجار حزب الأمة القومي سابقاً صاحب شركة المصاعد التجارية للاستيراد والتصدير على امتداد شارع 15 بالعمارات ممثل النيل الابيض في مجلس الولايات.. وكذلك برز اسم صديق ودعة احد أبرز مساهمي بنك تنمية الصادرات «بنك الغرب سابقا»، وعضو مجلس إدارته الذي تتوزع تجارته واستثماراته ما بين سويسرا والسودان وهو الذي قام بتشييد منطقة كلمندو كقرية نموذجية بغرب السودان وافتتح منشآتها الخدمية والتنموية الرئيس عمر البشير العام قبل الماضي. لكن المدهش هو جلوس المدير العام لمجموعة شركات النحلة الأمين العام لسيدات الأعمال السودانيات وداد يعقوب ابراهيم في مقاعد البرلمان.. التي نالت مؤخراً جائزة التميز العالمية للعام 2010م والتي تمنح للنساء المتميزات في بلدانهن كأول امرأة افريقية تحظى بهذا الشرف. ٭ حسناً دعونا أيضاً لا ننسى جوزيف مكين اشهر التجار الاقباط في السودان الذي تنقسم أسرته بأعمالها التجارية ما بين الخرطوم ومدينة مصر الجديدة بشارع الهرم في القاهرة.. كما دخل البرلمان لأول مرة المدير العام السابق لشركة هجليج لعمليات البترول مؤسس شركة «إكسكو» لخدمات النفط بجنوب السودان الأمين العام لاتحاد أصحاب العمل يوسف أحمد يوسف. ٭ بالطبع فان المقدمة أعلاه ضرورية ولازمة لطرح عدد من التساؤلات التي تقفز الى الذهن بمجرد ظهور اسماء لامعة في دنيا المال والأعمال و«البزنس» بتربعها على مجالس البرلمان ومجلس الولايات كظاهرة جديدة في المشهد السياسي حيث كان يمثل الشعب في غالب المجالس النيابية السابقة ممثلون عن الطبقات الوسطى ونادراً ما نجد احتكاراً من «الارستقراط» للدوائر الجغرافية كما يحدث هذه المرة!! انه أمر يستحق التوقف والتأمل أليس كذلك!! وقد يستحق أيضا النظر لتحليل وتوصيف هذه الظاهرة حتى مع توضيحات محمد سليمان البرجوب رئيس مجلس إدارة المتضررين من قيام سد مروي بولايتي الشمالية ونهر النيل وصاحب شركات البرجوب التجارية الشهيرة والنائب البرلماني الحالي عن المؤتمر الوطني عن دائرة أبوحمد القومية التي نافسه فيها عضو مجلس قيادة الثورة السابق العميد بحري «م» صلاح الدين كرار!!. ويقول لي البرجوب ان ظاهرة احتلال الرأسمالية لمقاعد الهيئة التشريعية القومية ظاهرة صحية وتشكل أسس الحكم الحديث في الدول الغربية وتحديداً في أمريكا وأوروبا ، ويشير الى أن الحكومات الغربية الحديثة يقودها رجال الأعمال و«البزنس» وحتى في جمهورية مصر القريبة منا نجد أن رئيس الوزراء أحمد نظيف من كبار رجال الأعمال في أرض الكنانة!! ويعتبر أن البزنس هو علم الخيارات وإدارة الأزمات وتوظيف الفرص من أجل المصلحة العليا وأن رجال المال والأعمال «بحسبوها صاح»!! ٭ ربما.. فالمسألة في نظر البرجوب يجب ألا ينظر إليها من زاوية أن القضية انتهازية أو أن التجار الذين دخلوا في البرلمان ليسوا أصحاب مواهب فهم، حسب محدثي، لهم باع كبير في الحقل التعليمي والأكاديمي ونالوا دراسات ودرجات أكاديمية متقدمة، ويسمى البرجوب بعضهم كجمال الوالي ويوسف أحمد يوسف على سبيل المثال لا الحصر.. ولا ينسى البرجوب نفسه حينما يؤكد أنه خريج كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم.. ويقول: «مثلا نحن ناجحين في البزنس سنكون ناجحين في البرلمان»!!! ٭ ربما.. لكن هل يمكن لهؤلاء الرأسمالية أن يشعروا بآلام وآمال الفقراء والمساكين ويحسوا بمعاناة الجماهير الكادحة والمسحوقة وينفعلوا بقضايانا وهمومنا، أم أن هؤلاء التجار والارستقراط سيجلسون على برج عاجي بعيداً عن نبض الجماهير يزيدهم الموقع الجديد «وجاهة» على «وجاهتهم»؟!! ٭ وتأتي إجابة البرجوب على الأسئلة أعلاه بأنهم أبناء أسر بسيطة وجاءوا من مناطق ريفية وطرفية وفازوا بثقة أهاليهم ولو لم يكونوا مرتبطين بالبسطاء وآلامهم لما تم اختيارهم ليمثلوهم في البرلمان!! ٭ حسناً.. دعونا مرة ثانية نطرح تساؤلاً جديداً يتعلق بمدى إلتزام هؤلاء الرأسمالية بالموازنة التي تبدو صعبة للغاية حينما تأهلوا للدخول الى مجلس مهمته الرقابة والتشريع والحفاظ على المال العام ومحاربة الفساد كاختصاص أصيل للمجلس الوطني، ألا يمكن أن يستغل الرأسمالية وجودهم في الهيئات التشريعية لتمرير مصالحهم أو اعتراض القوانين التي تسن او تشرع للحفاظ على مصالح الشعب؟!. ٭ العضو البرلماني السابق والرأسمالي الشهير حسن عبد القادر هلال يستبعد تماماً لجوء هؤلاء الأثرياء أو توظيفهم لمواقعهم في البرلمان لخدمة مصالح خاصة تتعارض والمصلحة العامة، لاسيما وان معظم هؤلاء الرأسمالية في مستوى المسؤولية الوطنية!! ويفترض حسن هلال في الهيئة التشريعية أن تكون مرآة للشعب السوداني بكل قطاعاته الغنية والفقيرة والمتوسطة وخاصة المجال الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وذلك لأن 70% من الشعب يمتهنون حرفتي الزراعة والرعي ، وان تمثل فيه كافة الطبقات وحتى أصحاب الأعمال. أما القوائم الحزبية فيجب تخصيصها للمهنيين والمثقفين والعقول المفكرة حتى تستطيع إثراء النقاش بفكرها الثاقب وتطرح حلولا جذرية للمشاكل المعقدة. ولا يعترض هلال في حديثه معي على تشكيل المجلس الوطني بصورته الحالية ومجيء معظم أعضائه من حزب واحد لكنه يعود ليقول ان هذا الوضع يستدعي إعمال العقل بتجرد ونكران ذات. ٭ وبالطبع فان الحديث عن وجود الرأسمالية في المجلس الوطني بالضرورة لا ينفصل عن التمثيل الكبير للوزراء الاتحاديين ووزراء الدولة في البرلمان، فكيف يتم فك الارتباط بين مهمة المجلس الوطني ودوره كجهاز رقابي على مجلس الوزراء وبين وجود الوزراء أنفسهم في المجلس الوطني خاصة وان الوزراء يتضامنون فيما بينهم!! يقول لي محمد الحسن الأمين النائب البرلماني ان الوزراء في الأساس لن يقوموا بممارسة أي نشاط تشريعي مع احتفاظهم بحق التصويت واتخاذ مواقف ضغط باعتبار عضويتهم.. لكنهم لا يملكون حق الرقابة على انفسهم من بقية الاعضاء وبحكم انهم ممثلون للشعب لديهم حق التصويت. ولهذا فان الأمين لا يرى وجود أي تضارب بين وجودهم في البرلمان ومواقعهم كوزراء في الدولة يدافعون عن أنفسهم أمام المجلس الوطني. ويضيف أن عدد الوزراء نفسه بسيط مقارنة بعضوية المجلس الوطني، فالوزراء عددهم 30 وزيراً مقارنة بعضوية البرلمان البالغة 450 عضواً.