الخرطوم: ياسر عركي - قدم الدارس أسامة الجنيد رئيس قسم النحت كلية الفنون الجميلة والتطبيقية جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا، في بحثه المقدم لنيل درجة الماجستير الذي جاء بعنوان «استلهام أعمال نحت من الألعاب الشعبية في السودان «ألعاب الصبية والأطفال» عبر استخدام وسائل النحت المعاصر من أجل المحافظة عليها، والعمل على توثيقها وعكس خصوصيتها الثقافية، وهدفت الدراسة أيضاً لتأكيد فوائدها التربوية والاجتماعية والثقافية المؤثرة في التكوينات الأساسية للشخصية وذلك من خلال الدراسة النظرية التي اشتملت على دراسات فلسفية وتربوية وعلمية ونفسية متعددة مع مراعاة فروض الدراسة التي نوقشت وظهرت نتائجها في المشروع التطبيقي الذي بواسطته توصل الدارس إلى النتائج التي تحققت من خلالها فرضيات الدراسة التي تنشرها منوعات (الحقيقة). شدت حرينا من الألعاب التي تمارس على مستوى أقاليم السودان المختلفة لعبة شدت حرينا التي يمارسها الصبية ومحرمة مجتمعياً على الإناث، وتتألف من عدد يتراوح ما بين «8 -12»مشاركاً من الصبية، وتعتمد على القوة والسرعة والجلَد، حيث ينقسم اللاعبون إلى فريقين كل فريق يختار الأسرع ليكون «العرسة» وهم في (الميس) الذي يبعد عن الآخر بما لا يقل عن عشرين متراً، تقوم العرسة وهي العنصر الأساسي في اللعبة باختراق جدار الفريق الآخر ومراوغته بمساعدة بقية الفريق إلى أن يقوم بالدخول إلى ميس الخصم، في أثناء هذه المحاولات يكون كل جهدهم اعتراض طريق العرسة ويدخل مع الفريق الآخر في صراع من أجل القضاء عليهم وذلك من خلال فك الأيدي من مسك الأرجل وإذا فك أحد رجله يعتبر ميتاً ويخرج من المنافسة، لذا يستهدفون به العرسة ليموت الفريق كله ويكون ذلك «حماراً» أي فوزاًً. وتكشف الدراسة تعدد طرق المنافسة، أحياناً يقومون بعمل (الميس) وهو مكان يتفق علية ويتم تحديده تلقائياً، يسمح بتواجد المجموعة المشاركة بداخلة، وكل واحد منهم ممسك رجله من الخلف بيده (عن خلاف)، مسكاً محكماً، ويكون هناك متابع أو حكم، بعدها يبدأون في عراك محاولين فك الأيدي عن الأرجل إلى أن يتساقطوا جميعاً عدا واحد يكون هو الفائز. وتضيف الدراسة أن هناك طريقة أخرى ل(شدّت) عن طريق السباق الحر لهدف يمثل نقطة النهاية، الفائز هو من يصل إليه أولاً وهكذا تتعدد الأساليب والغرض هو الرياضة والمتعة والترويح وملء أوقات الفراغ، وفيها أيضاً تنشيط للجسم وحيويته، كما قيل «العقل السليم في الجسم السليم»، والنماذج تكثر مع تغيير في المسميات حسب البيئة واللهجة المحلية. وبحسب الدارس أن القيمة التشكيلية لهذه اللعبة التي تجد المتعة في التعامل معها، أنها مليئة بالسرعة والحركة التي تمارس بها، تجد اللاعبين يتجمعون ويتفرقون في حركة دؤوبة مطاردين بعضهم البعض حيث يتحرك اللاعب قفزاً على رجل واحدة والأخرى معقولة مما يجعل البصر متنقلاً بينهم دارساً التناسق التصميمي ومصوراً بعض اللحظات التي لا تتكرر. وقد استلهم الجنيد من كل ذلك الرسومات الأولية لمعالجتها في جدارية بمقاس (65سم ×50 سم) مستخدماً فيها خامات جديدة للخروج بها من المألوف، وهي خامة «المسامير» بمقاساتها المختلفة و»القصدير» لسهولة التشكيل به. استخدم الدارس خامة «الطين» وقام بإفراد عجينة منه على أرضية الجدارية حتى يتمكن من استخدام المسامير على العجينة بسهولة ويسر، ومن ثم استخدم خامة «الفايبر قلاس» لتثبيت المسامير عليها للتخلص من الطين. أيضاً قام الدارس بالتعامل مع موضوع الجدارية نفسه باستخدام خامة (النملي) لمرونته وسهوله طيه وتشكيله، مشكّلاً به حركة الملابس، واستخدم الرمل الأحمر ليكسب الأرضية طابعاً واقعياً،. فلعبة «شدت» من المواضيع التي تحرض الفنان على انتزاع القيم التشكيلية من مفرداتها الغنية كما يتضح من نتائج الإطار التطبيقي للدراسة. كما قام النحات بتجريد رسم اللعبة ومعالجته كوحدات زخرفية لأغراض جمالية. لعبة عالمية ومن الألعاب التي يمارسها الكبار والصغار في جو احتفالي تملأه المتعة والسرور على المستويين المحلي والعالمي لعبة (فقاقيع الصابون)التي تعتمد على استخدام محلول الصابون كثير الماء في إناء يكون في الغالب عبارة عن علبة فارغة «علبة صلصة» وأنبوب صغير يناسب حجم العلبة ويستخدم لنفخ محلول الصابون. يقول الجنيد إن هذه العملية تحتاج إلى مهارة عالية في التحكم في نفخ الأنبوب لتخرج الفقاعات بشكل متواصل يبعث البهجة في نفوس الأطفال، ما يدفعهم إلى الجري والقفز بمرح خلف الفقاعات العائمة في الهواء محاولين فرقعتها أو الإمساك بها. ولعل القيمة التشكيلية تبرز بعد أن قام الدارس برصد ومتابعة هذه اللعبة بصرياً ومن ثم قام بتصويرها فوتوغرافياً لوضعها في قالب المعالجات التصميمية، لتسهم في استلهام عمل يصلح لإجراء تطبيقات تشكيلية عليه، توصل إلى أن هذه الفقاقيع التي تملأ المكان بألوانها الزاهية المنعكسة من الألوان الموجودة في المكان الذي تتطاير فيه، لا سيما ألوان ملابس الأطفال، أنها احتفالية لافتة للنظر الشيء الذي أثار الفنان أسامة الجنيد لرصدها وملاحقتها بالتصوير للتعبير عنها في عمل تشكيلي يصف انطباعه، وطريقته في المعالجات وإبراز المهارات والخبرات المختزلة لديه من تجريب الخامات المتاحة والتي تمتاز بالكفاءة التعبيرية. فكان الاجتهاد في معالجتها تطبيقياً على جدارية (57سم × 84سم) مستخدماً في بدايات المعالجة خامة الفلين، بعدها قام الجنيد بتطويرها وإضافة مؤثرات لونية محاولاً التوصل لشفافية الفقاقيع، وقام بتطعيمها بقطع من البلاستيك المستخدم في قوارير المياه والمشروبات الغازية، تلاها تغيير كامل بإزالة خامة الفلين والاعتماد كلياً على البلاستيك في المراحل النهائية للعمل الفني.