"أحرقوا الكتاب المقدّس ونهبوا ممتلكات الكنيسة والأموال" تُظهر عملية النهب التي تعرّض لها مجمع الكنيسة في عطلة نهاية الأسبوع في الخرطوم الوحشية المتزايدة التي تواجه مئات الآلاف من سكان العاصمة السودانية، والذين تعود أصولهم إلى ما يعرف الآن بدولة جنوب السودان المستقلة. وبعد سبع سنوات على توقيع اتفاق بين الخرطوم والمتمردين الجنوبيين، بغية إنهاء عقود من الحرب الأهلية، وبعد تسعة أشهر على تقسيم البلاد إلى دولتين، تسببت الاشتباكات الأخيرة عند الحدود في إثارة المخاوف من عودة الحرب الشاملة. فأفاد شهود عيان أن مجموعة من الغوغاء، مؤلفة من 300 رجل، شنّت مؤخراً هجوماً على مجمع الكنيسة السبتية في حي الجيريف في الخرطوم، وقامت بإحراق أجزاء من المبنى الذي يحتوي على كنيسة ومنزل للمسنين وعيادة طبية ومدرسة لتعليم الكتاب المقدس ومساكن للكهنة. والجدير ذكره هنا أن معظم المصلّين في الكنيسة هم من الجنوبيين. وقال راعي الكنيسة، الأب جون تاو أنهم "أحرقوا الإنجيل المقدس وقاموا بنهب ممتلكات الكنيسة والأموال"، مضيفا أن بعض المهاجمين كانوا من النساء والأطفال. وذكر أنه "أثناء صلاة الجمعة، قام إمام المسجد المجاور، المعروف بتطرّفه، بتحريض الناس على تدمير الكنيسة، قائلاً أن الأرض التي تمّ تشييدها عليها كانت ملكاً للمسلمين." وتابع الكاهن قائلاً أنه يعتقد أن كلمات الإمام كانت مرتبطة بمهلة معيّنة وضعتها الحكومة لوجوب تسجيل كافة الجنوبيين، الذين يبلغ عددهم 500,000، كأجانب وإلا سيكون عليهم العودة إلى جنوب السودان. وأوضح أن الخطاب العدائي قد تصاعد قبل أسبوعين عندما بدأ الجيش السوداني وجيش جنوب السودان القتال حول حقول النفط الحدودية المتنازع عليها في هجليج، مشيراً إلى أن "المساجد كانت تلهب مشاعر الناس ضد الجنوبيين والمسيحيين خلال الأسبوعين الماضيين". من جهة أخرى، قال يحيى، حارس الكنيسة، أن مجموعة كبيرة من الرجال والسيدات سارت نحو الكنيسة وقاموا بإحراق المنطقة الموجودة حولها. وأضاف: "سمعت الناس يهتفون الله أكبر ولا كنيسة بعد اليوم"، مشيراً إلى أن الشرطة كانت حاضرة ولكنها "لم تتخذ أي إجراء ولم تمنع الناس من تحطيم الكنيسة". وفي بيان له، أفاد الكاهن جيمس بار تاب، رئيس الكنيسة الإنجيلية السبتية في السودان، أن كنيستين مستقلتين في الحي تعرضتا أيضاً للهجوم. وأضاف أن "المجموعة قامت بإحراق وتحطيم ونهب كل شيء في الكنائس ومدارس تعليم الإنجيل بما في ذلك الكتب وأجهزة تكييف الهواء وأجهزة الكمبيوتر والآلات الطابعة والثلاجات وأشياء أخرى عديدة. لقد أخذوا حتى أغراض الطلاب مثل الكتب والشنط والملابس وقاموا بإحراقها حيث لم يكن الطلاب متواجدين هناك". وفي اليوم التالي، حاول أعضاء الكنيسة والنشطاء القيام بعملية تنظيف ولكن الشرطة منعتهم من دخول المجمع. هذا وقد قامت حركات من المجتمع المدني، بما في ذلك جيريفنا وشرارة بإدانة الحادث، وربطته بالبيانات الحكومية ضد جنوب السودان وسط أزمة هجليج. وكان الرئيس، عمر البشير قد تعهّد بتحرير جنوب السودان من حكومته واصفاً إياها بال"حشرة". وفي "اعتذار علني" صدر عن حركة تغيير السودان الآن، قالت أن الحادث يظهر الاتجاه المقلق جداً نحو مزيد من العنف في البلاد نتيجة دعاية التهميش البغيضة التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وذكر البيان أن "هذه الأنواع من أعمال العنف البغيضة والجرائم العنصرية غير مقبولة وغير أخلاقية وغير دستورية. فنحن شعب السودان نتكون من أعراق وديانات وأجناس مختلفة ونقف معاً ضد مثل هذه الجرائم ونقول أن تلك الجرائم ليست باسمنا". وفي هذا السياق، قال وليام (23 عاماً) وهو واحد من كثير من السودانيين الجنوبيين الذين كانوا يعيشون في مخيم مؤقت حول محطة قطار شجرة: "كلما يندلع القتال على الحدود أبقى هنا. فأنا مثلاً لم أخرج من هذا المخيم لمدة أسبوع... وفي آخر مرة خرجت تعرضت لمضايقات شفهية وعنصرية. فالناس يصرخون بوجهي عندما أكون في الشارع ويسألونني "لماذا ما زلت هنا يا جنوبي؟" هذا وقد أضاف وليام أن بعض أصدقائه تعرضوا للضرب وتمت مهاجمتهم من قبل أشخاص يطلقون على سكان جنوب السودان تسمية "الأعداء" الذين يريدون الاستيلاء على السودان. ويقول "مشكلتي الكبرى الآن هي أنني لم أعد مقيماً بصورة قانونية. ويمكن أن أتعرض للسطو أو الضرب أو حتى القتل ولن يأبه أحد بي أو يتعرف علي". وفي محاضرة ألقاها مؤخراً في جوبا، قال المحلل السوداني المخضرم، جون أشوورث أن مسألة "الهوية" كانت السبب الرئيسي للحروب الأهلية التي اجتاحت السودان خلال معظم تاريخ ما بعد الاستقلال، مضيفاً أن السودان اعتاد أن يكون "دولة متعددة الثقافات والديانات واللغات والأعراق... ولكن خلال فترة طويلة تمكنت مجموعة هوية واحدة، تصادف أن تكون من العرب المسلمين، من السيطرة على البلاد. وقد عرّفت بنفسها على أنها الهوية السودانية وكانت في أوقات عديدة تقوم بالاضطهاد والتهميش، ساعيةً إلى تدمير الهويات الأخرى". عملية التسجيل غير واضحة من جهة أخرى، ورغم أن الخرطوم قد مددت الموعد النهائي لعملية التسجيل لمدة شهر- حتى 8 مايو- بالنسبة للسودانيين الجنوبيين، إلا أن العملية ينقصها الوضوح في غياب حملة إعلامية فعالة. وقال مشروع كفاية في بيان صدر في 18 أبريل أن الحكومة لم توضح أين سيتم ذلك التسجيل. وأضاف البيان "في الوقت الذي تظل فيه التفاصيل المحيطة بعملية التسجيل غامضة، لن يتمكن السودانيون الجنوبيون الراغبون في البقاء في السودان من التسجيل بدون أي وثائق هوية". ووفقاً لما ذكره مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وصلت مجموعة من المسؤولين الحكوميين لجنوب السودان إلى الخرطوم في 7 أبريل من أجل البدء في إصدار وثائق سفر طارئة، وكانت سفارة جنوب السودان في الخرطوم تخطط أيضاً لإصدار جوازات السفر والشهادات الوطنية. وبالإضافة إلى إصدار أوراق العمل، يعتبر انتقال السكان إلى جنوب السودان تحدياً كبيراً بسبب أعدادهم الكبيرة ونقص وسائل المواصلات الكافية والنزاع على الحدود والقدرة الضعيفة في جنوب السودان على نقل العائدين إلى أوطانهم وتقديم الخدمات الأساسية لهم. وكانت الخرطوموجوبا قد توصلتا في مارس إلى مسودة اتفاق سيمنح حريات واسعة تشمل الإقامة وتصاريح العمل لمواطني الدولتين ولكن تصعيد النزاع أوقف تنفيذ هذا الاتفاق.