شهدت البلاد في السنوات الاخيرة هجرة جماعية للكثير من السودانيين الى دول الخليج واوربا وكافة انحاء المعمورة، والخطورة ان معظم الذين يعمدون الى الهجرة من الكفاءات العلمية المتميزة، اذ تضم القائمة اطباءً ومهندسين وأساتذة جامعات، كما تضم شباباً من خريجي الجامعات ضاقت بهم سبل البحث عن التوظيف، وباتوا يبحثون عن الفرص خارج البلاد، ومعظم هؤلاء من حملة الماجستير والدكتوراة. دار الأطباء بشارع النيل بالخرطوم شهدت الأسبوع الماضي حركة كثيفة من قبل الاطباء الذين جاءوا من كل فج يحلمون بتجاوز المعاينات الشفهية إلى الحصول على الوظيفة في ذلك البلد الغني حيث المرتب المجزي. «الصحافة» انتقلت إلى دار اتحاد أطباء السودان للوقوف مع وضع المتقدمين للوظائف بليبيا من الأطباء وفنيي الأشعة والمختبرات والتخدير والقابلات، وبالرغم من أن التقديم لتلك الوظائف كان قد بدأ منذ الرابع عشر من الشهر الماضي، الا انه استمر حتى يوم أمس.. في صالات الدار وجدنا الحال يغنى عن السؤال، فالموقع ممتلئ بآلاف المتقدمين، والبعض يقف في صف للدخول الى المعاينات، بينما البعض ينتقلون بنظرهم بين الكشوفات المعلقة على الحائط بحثاً عن اسمائهم.. تأتى مجموعة وتذهب اخرى، وهكذا دواليك ما بين متأمل ويائس من الحصول على فرصة للهجرة.. كانت تتنقل بين الكشوفات الموجودة على الحائط باحثة عن اسمها، وتسأل كل من تراه امامها عن كشوفات التمريض.. اتجهنا نحوها فقالت إنها خريجة منذ ثلاث سنوات من كلية التمريض، ولم تترك فرصة عمل الا وطرقت بابها دون جدوى، حتى بدأ الياس يتسلل لدواخلها. وسمعت من إحدى زملائها من ايام الجامعة عن وجود فرص عمل للأطباء والممرضين وغيرهم بأجور مغرية تتراوح بين 1428 الى 1500 جنيه، وذلك حسب المؤهلات العلمية والعملية، فسارعت إلى التقديم بعد أن واجهت صعوبة في اقناع اسرتها بفكرة الهجرة. أما مها عبد اللطيف فقد لفتت نظرنا بوقوفها بعيداً عن صف التقديم .. وكانت كل علامات اليأس قد ارتسمت على وجهها، وبدأت حديثها قائلة: «من اجل الوظيفة سوف أذهب الى دولة أخرى»، وذكرت مها أن هذه هي التجربة الثانية لها بعد دخول معاينات الهجرة الى دبي، ولكنها وجدت اعتراضاً من اهلها، مما جعلها تنسحب من التقديم، وظلت تتنقل بين المستشفيات الحكومية والخاصة للبحث عن وظيفة حتى تم تعيينها في كل من السلاح الطبي والمستشفى السعودي بمرتب لا يسد الرمق، مما جعلها تعيد النظر في فكرة الهجرة بعد أن بذلت جهدها في اقناع والدها، واعتبرت الهجرة الى ليبيا بمرتب سبعة آلاف جنيه افضل من الهجرة الى دبي من أجل خمسة آلاف جنيه. وبين مئات المتقدمين ووسط طوابير التقديم وجدناه ممسكاً بملف بداخله كمية من الاوراق. وكانت حالة من والحيرة تكسو وجهه والشيب قد غزا شعره، ووقفنا معه بهدف استنطاقه ليخبرنا بأنه نائب طبيب في مستشفى بحري ولكن مرتبة لا يغطي جميع احتياجات أسرته، مما دفعه للتفكير في الذهاب الى ليبيا بعد أن علم أن التقديم يتم دون دفع اي مبلغ من المال، بالإضافة الى ان المرتبات مشجعة لترك البلاد، ويتم تحديد المرتب بعد تقديم الاوراق ودخول جميع المعاينات التى يرأسها مختص ليبي، ليتم التعاقد بعدها حسب الخبرة والمؤهلات الاكاديمية. وصمت الطبيب قبل ان يقول: «كنا نأمل أن نجد فرصة بين الاهل والاحباب للمساهمة في الارتقاء بالخدمة والصحة وتحقيق آمالنا وطموحاتنا داخل حدود الوطن، ولكن شاءت الظروف والاوضاع، وضاقت بنا المستشفيات الخاصة والحكومية، وضاقت بنا البلاد، حتى قررت الحكومة اتاحة فرص للهجرة خارج حدود الوطن. وما بين ضجيج المتقدمين والموظفين الذين يقومون بترتيب الاوراق والنداء لمن عليه الدور للدخول الى المعاينة، وتوتر الموظفين المعتاد.. تشعر بأنك في صالة مطار تنتظر موعد اقلاع الطائرة. الصحافة