فتاة دون السادسة عشر بقليل كانت برفقة والدها وهما يخرجان من المسجد عقب صلاة التراويح أمس الأول، حياني والدها فانتبهت هي، وسألتني: هل أنت صحفي..؟.. أومأت لها بالايجاب، فقالت: بالله عليك.. اكتب عن برنامج اسمه (بيني وبينكم) يقدمه التلفزيون السوداني، وهذا الاسم (مسروق) من برنامج آخر في قناة الرسالة ، يقدمه الشيخ الدكتور محمد العوضي.. صدمتني الدهشة.. وحاولت أن أتأكد من الذي سبق الآخر، فقلت لها: لم أرِ برنامج د. العوضي هذا، لكني رأيت برنامج تلفزيون السودان، فلمّ لا يكون (دكتورك) قد أخذ الاسم منه..؟.. أجابتني بكل ثقة: د. العوضي ظل يقدم البرنامج لسنتين ماضيتين، وهذا هو موسمه الثالث..!!.. حينها لم أجب.. ولكني طرقت مفكراً.. هل ما حدث (سرقة) أم (توارد خواطر)..؟! ..... شُبهة اقتباس يُعرف د. محمد عبد الرافع توارد الخواطر على أنه نوع من الاتصال الفكري والروحي بين شخصين -وربما أكثر- ونجده على نطاق واسع في الموسيقى والادب والفكر السياسي والاجتماعي، بل أنه ينتشر في الحياة العامة على نطاق واسع، وفي بعض البحوث العلمية قبل عصر المعلومات وسرعة انتقال المعلومة، نجد كثيراً من العلماء توصلوا لنفس الاكتشافات بنفس الطريقة، في نفس الوقت. ويواصل د. محمد قائلاً: وهذا التوارد نجده في الفنون وخاصة الشعر منذ قديم الزمان، وقد يختلف الناس حول تسمية التشابه هذا، فالبعض يعرف التشابه في المنتوج الابداعي على أنه توارد خواطر، وفي درجة أخرى يسمى اقتباساً، أما في آخر درجاته فيسمى سرقة أدبية، وربما يحدد نوع التسمية الزمن الذي تم فيه انتاج العمل ذي الدلالات المشتركة، وبعد ذلك تأتي مقدرة الشاعر -إذا اخذنا الشعر كمقياس- على النظم بعيداً عن شبهة الاقتباس.. * يقول امرؤ القيس في معلقته: وقوفاً بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسىً وتجمل ويقول طرفة بن العبد: وقوفاً بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسىً وتجلد فرق التوقيت ونرى بوضوح أن الاختلاف في النص كان في حرفين فقط، وفي الدلالة المعنوية كان التطابق كاملاً، ومن المعروف أن الشاعرين عاشا في فترة زمنية متقاربة حتى أن بعض الباحثين يؤكد أنهما عاشا في نفس الفترة دون أن يلتقيا، ومن المسلم به كذلك أنهما من فحول شعراء العرب، إذن هما ليسا بحاجة للاقتباس وبالتالي تنتفي شبهة السرقة مهما كانت، ويبقى الأمر توارداً للخواطر.. لكن، وبحسب رأي د. محمد يشترط أن لا تكون فكرة سبقت الأخرى بزمن.. أي أن كل الفكرتين قد تمت بمعزل عن الأخرى، وهذا ينتفي في حالة برنامج (بيني وبينكم) الديني، إذ أننا تأكدنا بأنه يبث منذ سنوات على بعض القنوات الدينية، آخرها (قناة الرسالة).. اختلاف المضمون من جانبه أكد الأستاذ معز ضو البيت بالمصنفات، أن تسجيل البرامج يتم عبر عدة خطوات فيتم تقديم الفكرة واختيار الاسم، للمصنفات الفنية عبر ورق مطبوع، وكوبون ورسوم تدفع، ويخضع (البرنامج) لفترة تقييم تمتد بين يومي إلى اسبوع، حتى يتم التأكد من عدم وجوده مسجلاً باسم شخص أو جهة أخرى، وبعد ذلك تُعطى شهادة تسجيل مصنف.. في حالة البرنامجين اللذين نحن بصددهما، حملا نفس الاسم، لكن اختلف المضمون، إذ أن برنامج قناة الرسالة برنامج ديني يثير قضايا ساخنة وجدلية ليبرز الموقف الاسلامي منها، والآخر الذي يخص تلفزيون السودان برنامج منوعات يجمع ما بين الفن والثقافة والأدب والاجتماع.. إذن اختلف المضمون، ولكن الاسم ظل كما هو.. فهل هذه سرقة..؟! يجيب مسؤول المصنفات قائلاً: تسجيل المصنف يتم للفكرة والاسم معاً، وأي تعد تجاه الاسم أو الفكرة، يقتضي المساءلة.. لا مساءلة..!! هذه المساءلة يقلل منها الأستاذ المخرج حامد عثمان -الذي يقوم بالاشتراك في اخراج البرنامج- ويقول: إذا أخذنا الفكرة أو الاسم من قناة سودانية مثلاً، تكون هذه المشكلة، ولكن خارج السودان، لا يمثل هذا (سرقة) للاسم، وهذا البرنامج مشاهد فضائياً، فاذا كان هنالك أية مشكلة لوصلتنا شكوى من الاخوة في قناة الرسالة، ولكن هذا لم يحدث إلى الآن..!! لكن وفق الإدارة الجماعية للمصنفات الفنية كما يقول الأستاذ معز، فان هذه الادارة تقوم بالمقاضاة إنابة عنك إذا كنت منضماً لها، وهي تتيح لك مساءلة كل من يتعدى على حق المؤلف، وفي أي مكان.. عن اختيارهم للاسم، يقول حامد: جاءت فكرة الاسم بمبادرة من الأستاذ الطيب عبد الماجد مقدم البرنامج، ودلالة الاسم نابعة من (الونسة السودانية العادية)، ونقصد بها بين التلفزيون والمشاهدين، أو بين الطيب وضيوفه.. ويؤكد حامد أن الحيز الجغرافي المعين الذي وجد فيه البرنامج بعيداً كلياً عن مكان وجود البرنامج الآخر، وينوه إلى أنهم كانوا يعلمون بوجود برنامج قناة الرسالة، بل وأضاف: هناك برنامجاً آخر، كوميدي.. ويحمل نفس الإسم..!! ومن قبل وجدنا ان برنامج (عزيزي المشاهد) موجود بنفس الاسم في احدى الفضائيات العربية، وكما قلت، فإن ذلك خارج نطاقنا، خاصة ان فكرتي البرنامج مختلفتين..!! إذن.. بين حُجة حامد وفرضية قانون المصنفات ومفهوم الإدارة الجماعية، يظل برنامج (بيني وبينكم) متواصلاً ويحتفي مساء اليوم بحلقته رقم (20)، وهذا يفتح الباب واسعاً للكثير من الكسالى الذين سنراهم يتسابقون لتقديم برامج أجنبية وعربية بعد سودنتها، أو على الأقل (سودنة) أسمائها، فلن نستغرب أن نرى برنامج (عوض وينفري)، أو (ساعة عواطف)، وربما نتابع أيضاً (الساعة العاشرة والربع).. كل ذلك يبقى متاحاً في ظل هذا الفضاء المفتوح، مادام أن هناك حيزاً جغرافياً، يفصل بين هذه البرامج..!! إلى أن يشتد ساعد الادارة الجماعية، وترمي مثل هذه الاقتباسات والشبهات في مقتل..!!