واصلت قطر سياسة "دفتر الشّيكات" التي سلكتها في القطاعين العام والخاص الفرنسيين خلال ولاية الرّئيس السّابق نيكولا ساركوزي، لكن يسود الاعتقاد في باريس أن العصر الذهبي للثنائي الفرنسي القطري قد ينتهى في عهد الرئيس فرانسوا هولاند. فمنذ تسلّم هولاند مقاليد السّلطة منتصف مايو/ أيار، أضافت قطر صفقتين إلى سجلّ نجاحاتها "التّسوّقية" في فرنسا. قطر تساهم أيضاً في كرة اليد فبعد ان تملّكت كامل اسهم نادي "باريس سان جرمان" لكرة القدم، استحوذت المجموعة الاستثمارية القطرية على كامل اسهم نادي باريس لكرة اليد الذي يُجاهد ضد النزول إلى الدرجة الثانية ويسعى، بفضل المال القطري، إلى الوصول إلى مصاف النخبة في أوروبا وذلك عن طريق إمداد النادي بلاعبين ممتازين. وتأتي هذه الصفقة بعد أن أخذت الجهود القطرية في مجال الرياضة منحى آخر حيث بدأت قناة الجزيرة القطرية في تثبيت أقدامها في حقل النقل الحصري للمنافسات الرياضية. كما أحكمت الجزيرة سيطرتها على الدوري الفرنسي لكرة القدم بإطلاق النسخة الفرنسية ل"الجزيرة الرياضية"، "بي أن سبور1"، بداية يونيو/حزيران، وتستعدّ لإطلاق "بي أن سبور2" الشهر القادم. الاستثمار في العقار من ناحية أخرى استحوذت هيئة الاستثمار القطرية الجمعة الماضي على المبنى الذي يضمّ متاجر "فيرجين" و"مونوبري" والذي تبلغ مساحته 27 ألف متر مربع. فقد اشترت الهيئة التي ذاع صيتها على خلفية أنشطتها المتنوعة في العالم هذا المبنى الكائن في شارع الشانزلزيه الأسطوري من المؤسسة الفرنسية للتأمين "غروباما". وقالت صحيفة لوفيغارو أن "شركة قطر للاستثمارات دفعت ما يزيد عن 500 مليون يورو ل'غروباما' من أجل الحصول على عنوان لها بهذا الحي الفرنسي الشهير. والصفقة تعتبر أيضا 'عملية مربحة'. بالنسبة لشركة التأمين الفرنسية التي أنهكتها أزمة الديون اليونانية". وهذه الصفقة ليست الأولى من نوعها التي تبرمها قطر، الدولة التي تتوفر على ثروات طبيعية مهمة، خاصة احتياطات الغاز الطبيعي. فقد سبق وأن اشترت قطر سنة 2008 مركز الندوات الدولية الكائن بشارع كليبير، الذي تكلف بأكثر من 400 مليون يورو والذي حوله القطريون إلى فندق فخم يحمل اسم "بينانسولا". كما تعد قطر الجهة المالكة للفندق "رويال مونسو" الذي خضع لعملية إعادة إعمار وترميم شملت كل مرافقه، والكائن بساحة فاندوم حيث يقع فندق "إفرو" الفاخر، المملوك للعائلة الحاكمة القطرية. علاقات "عادية" وبينما تواصل قطر تسوّقها تتساءل الصحافة الفرنسية هل سيتم وقف تغلغل المال القطري في الاقتصاد الفرنسي؟ أشارت صحيفة لوموند في مقال مطوّل بقلم بنجامان بارت لى أن "الأمير القطري (الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني) لم يكن أول حاكم عربي يلتقي بفرانسوا هولاند، بعد أن تمكن من ذلك عقب انتخاب نيكولا ساركوزي" سنة 2007. وأشارت لوموند إلى أنه "على الرغم من أنه يتردد في أروقة الاليزيه أن الأمير القطري قد يزور قريبا الرئيس الجديد، فإن مجيئه لن يكون له نفس البريق الذي كان لزيارته قبل خمس سنوات". وتساءلت الصحيفة "فهل ينبغي أن يُستنتج من ذلك أن العصر الذهبي للثنائي الفرنسي القطري قد انتهى؟ أم أن العلاقات الفرنسية القطرية ستكون 'عادية' مثل الوصف الذي يحلو لهولاند استخدامه؟". وتنقل الصحيفة عن مقرّبين من هولاند القول إن "طرح هذا السؤال يمثل في حد ذاته جواباً عليه: فسيتم تحديد العلاقات الفرنسية القطرية وفق مصالحنا وتطلعات قطر، لكن بطريقة شفافة وواضحة". ويضيف المقربون من الرئيس "لن تكون هناك إعادة للنظر في العلاقات بين البلدين، لكن الرئيس الجديد لن يسعى إلى المبالغة في صداقة وهمية. فهو لا يرغب في إقامة شبكات غامضة ووسطاء يتجولون من هذا الجانب إلى الآخر". وتنقل الصحيفة عن خصوم قطر القول أن الإمارة "كانت مجرّد 'دفتر شيكات' للاستعمال العام والخاص!". وأشارت الصحيفة إلى أن "منافسي قطر لهم في فريق السلطة الجديد اتصالات أقوى تأثيراً. فالجزائر غير راضية إطلاقاً من رعاية قطر للتيارات الإسلامية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. والكثير من أصحاب القرار هناك يأملون في أن يعطي هولاند الأولوية من جديد للمغرب العربي وللمملكة العربية السعودية". الدليل على طي الصفحة وكشفت الصحيفة عن أن "سفير قطر بباريس، محمد جهم الكواري، يستعد للعودة إلى الدوحة خلال الصيف". ويذكر أن السفير الكواري هو أحد أهم المقربين من رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، الرجل القوي في النظام والذي يدير "هيئة قطر للاستثمار". لكن الصحيفة أشارت إلى أن الكواري، "رغم أنه كان من الشخصيات المقربة من فريق ساركوزي، فقد حرص، كدبلوماسي محنك، على ربط علاقات داخل الحزب الاشتراكي. فهو مقرب من أمينة الحزب مارتين أوبري، ويعرف أيضاً نجاة بلقاسم، المتحدثة باسم فرانسوا هولاند". وكان الكواري من أكبر المتحمّسين للمشروع القطري في الضواحي الفرنسية والذي أعلنت الدوحة عن تجميده بعد أن شعرت ببعض الإحراج بعد أن سُلّطت عليه أضواء الإعلام بشكل واسع وبعد أن أثار جدلاً في فرنسا. وجاءت الانتقادات اللاذعة بالخصوص من مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية (أقصى اليمين) التي نددت "بتأثير دول أجنبية تريد تنمية التشدد الإسلامي". كما أن الكثير من كبار المسؤولين الفرنسيين كانوا يبدون من وراء الكواليس استيائهم من هذه المبادرة. وتساءلت الصحيفة عما إذا كان هذا التجميد "بداية دفن هادئة للمشروع". وفي تقرير آخر لبنجامان بارت، نقلت لوموند عن بعض سكان الضواحي أنهم "لا يرغبون في أن تقوم قطر بالدعاية لنفسها على حسابهم".