على المنصة أثناء إدارتي للندوة الافتتاحية لمهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته ال26، والتي تناولتْ فيلمَ "المسافر" كان "عمر الشريف" بيننا لأول مرة، وكان حضوره الندوة يحمل موافقة ضمنية على الشريط السينمائي، أو على أقل تقدير، يحمل تسامحا مع الفيلم. كان "عمر" سبق له وأن حضر أول ندوة أقيمت للفيلم في مهرجان "فينسيا" في مثل هذه الأيام من العام الماضي، ويومها لم يكن قد شاهد "المسافر"؛ حيث إن الندوة كانت في أعقاب العرض الصحفي الذي لم يحضره "عمر" بينما عرض الفيلم مرة أخرى في المساء. بعد أن شاهد "عمر" الفيلم؛ فتح النيران ضد الجميع، وخاصة المخرج "أحمد ماهر"، والبطل المشارك "خالد النبوي"، وبات واضحا أن "عمر الشريف" قد صار لا يُطيق مشاهدة "المسافر" بعد أن أصبح بينه وبين الفيلم مساحة واسعة من الخلاف، ولهذا عندما وجه له مهرجان "أبو ظبي" الدعوة بعد "فينسيا" بشهر واحد اعتذر عن حضور عرض الفيلم في الافتتاح، وأيضا الندوة التي أعقبت العرض وإن كان هذا لم يمنعه من حضور باقي فعاليات مهرجان "أبو ظبي". ظل "عمر" رافضا الفيلم، ولم يخف غضبه حتى في مهرجان الإسكندرية، وقال أعجبني الجزء الثالث، وليست هذه نرجسية مني لأني بطل المقطع الثالث، ولكن ولا شك هناك خطأ في الجزأين الأول والثاني للفيلم. وأضاف طلب مني المخرج "أحمد ماهر" أن ألعب بطولة الجزء الثاني، ولكني رفضت، لأنني لن أكون مقنعا وأنا أؤدي دور رجل في الخمسين؛ إلا أنه بعد ذلك أكد على أن الفيلم أجريت له عملية مونتاج في الجزأين الأولين وصار أفضل حالا. "جمهور جاهل" لم يثر هذا الكلام شهية أحد للكتابة عنه، ولكن الكلمة التي فتحت شهية الصحافة على مصراعيها للكتابة هي عندما وصف جمهور السينما في مصر بأنه "جاهل" لأنه أحب أفلام "إسماعيل ياسين" الذي صار الأشهر في زمانه، برغم أنه لا يجيد على حد وصف "عمر" فن التمثيل. "عمر الشريف" من واقع متابعتي له تخونه الألفاظ، ولا يعرف أحيانا دلالاتها، أتحدث بالطبع عن الألفاظ العربية التي ابتعد عنها سنوات متعددة، ونادرا ما يتحدث بها مثلا جملة "انت عامل إيه" التي صارت تستخدم كثيرا في مصر بدلا من "ازيك" تزعجه كثيرا، ولا يستطيع الرد عليها رغم بساطتها، ويسأل دائما "عامل إيه في إيه؟". مثلا أراد "عمر" يوما أن يصف الرئيس "جمال عبد الناصر" بأنه كان يتعامل مع الأمريكان، وهذه حقيقة معروفة، ولكن كلمة يتعامل لم يستطع أن يتذكرها، فاستبدلها بكلمة "عميل" للأمريكان، وليس متعاملا معهم، حدث ذلك في مهرجان القاهرة في مؤتمر عقده قبل عامين أخذتها الصحافة بالطبع واعتبرتها تحمل اتهاما وتعريضا للرئيس "جمال عبد الناصر"، وحاول "عمر" أكثر من مرة الاعتذار عنها، ولكن كان قد "سبق السيف العذل". مثلا أثناء ندوة "المسافر" التي أقيمت مؤخرا في مهرجان الإسكندرية لم يجد "عمر" سوى أن يقول: لما طلعت من بطن أمي، كان يريد أن يقول عندما ولدت. خانه أيضا التعبير. كانت "فاتن حمامة" حريصة على ألا يتورط "عمر الشريف" في تكرار هذا التعبير الذي كثيرا ما أشار إليه، أنها حبه الأول والأخير والوحيد؛ لأنها متزوجة منذ أكثر من 15 عاما بالدكتور "محمد عبد الوهاب"، وهو مثل أي زوج شرقي لا يرحب بمثل هذه الأقوال، وطلبت منه ألا يذكر ذلك مجددا، وبالفعل التزم "عمر"؛ إلا أنه في مهرجان "فينسيا" الذي عقد في العام الماضي كرره، ربما لأن الجمهور أغلبه أوروبي؛ إلا أن الصحافة العربية كانت حاضرة. لا أرى "عمر الشريف" قاصدا وعامدا متعمدا إهانة الجمهور المصري، ولا حتى "إسماعيل ياسين"، عندما وصف الجمهور بالجهل و"إسماعيل ياسين" بعدم إجادة فن التمثيل، هو فقط يبحث عن تعبير ملائم لمعنى أن الجمهور يقبل على الأفلام التجارية، لأنها تتماشى مع ثقافته أكثر، ولا تجعله حريصا على أن يجهد نفسه بالتفكير في تفاصيلها، وأفلام "إسماعيل ياسين" بالطبع في مجملها هي أفلام تجارية، وكثيرا ما هوجم "إسماعيل ياسين" في الصحافة، وكانت هناك تحذيرات توجه لأولياء الأمور بعدم تعريض أطفالهم لأفلام "إسماعيل ياسين". هل نصدر مثلا أمرا بأن نحجر على "عمر الشريف" ونمنعه من حضور الندوات واللقاءات الجماهيرية؟ أم أن علينا أن نستوعب تلك الشطحات التي يُطلقها؟ وجزء كبير منها سببه -على الأقل هذا تفسيري- هو أن مدلولات الكلمات تخون "عمر" أحيانا. لقد كان "يوسف شاهين" في أحيان كثيرة تفلت منه هو أيضا الكلمات، وقد يخرج على النص، ولهذا صدرت أوامر في التلفزيون المصري خلال السنوات الخمس الأخيرة من حياته بمنع استضافته على الهواء. وبالطبع، الدولة كانت تخشى أن تنفلت من "يوسف شاهين" بعض كلمات لها حساسيتها فيما يتعلق بالوضع السياسي، أما كلماته التي قد يبدو بعضها خارجا عن العرف الاجتماعي فلم تكن تقلق الدولة كثيرا!. من حقنا أن نراجع "عمر الشريف" في كلماته، وعليه أن يعتذر عندما لا يحسن اختيار الكلمات، فهو مثلا قال في أحد البرامج قبل نحو عام ونصف "إن فلوس الفن حرام". لم يكن يقصد الحرام بمعناه الديني، ولكن كان يريد أن يقول إن النجوم يحصلون على مبالغ كبيرة كأجور، بينما المخرج والكاتب لا يحصلون على 10% من هذه الأجور، رغم أنهم يبذلون جهدا أكبر، ولم يجد كلمة أخرى تسعفه سوى "حرام". وهو ما فسره البعض بأن "عمر" يحرم الاشتغال بالفن، رغم أن من البديهي أنه لا يمكن أن يحرم الفن. متى نكف عن إحالة أخطاء "عمر الشريف" إلى خطايا، وأقول بنفس القدر على "عمر الشريف" أن يسارع بالاعتذار عندما تنفلت منه بعض الكلمات، حتى لا يمنح شرعية للخطأ حتى يكبر أكثر وأكثر، ويصبح خطيئة؟!. (*)طارق الشناوي ناقد مصري، والمقال يعبر عن وجهة نظره.