يعرض حاليا مسلسل "عمر بن الخطاب" على العديد من الفضائيات العربية، وقد اعتبره البعض مفيدا وممتعا من حيث المشاهدة، ولكنه لا يمثل كل الحقيقية التاريخية. ويشهد المسلسل الذي انتجه تلفزيون قطر مع مجموعة "ام. بي. سي" جدلا حادا، اذ ان المسلمين تعودوا على الاختلاف فيما بينهم حول رؤية الهلال وزكاة الفطر وأحكام الصيام الكثيرة وغيرها من المسائل، وياتي هذا العام مسلسل عمر ليثير بدوره جدلا وتباينا في وجهات النظر. ويمثل تجسيد بعض الصحابة الكرام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي في ادوار فنية محل خلاف بين رجال الدين والمسلمين على حد السواء، لانه لا يوجد نص قاطع لا من الكتاب ولا السنة الشريفة، يقضي بتحريم تجسيد الصحابة عبر التمثيل أو حتى الرسم. وهو ما أدى إلى الخلاف ووجود أكثر من رأي حول الفن وخاصة التمثيل السينمائي، اذ لم يكن مثل هذا الفن حاضراً أو له وجود وقت نزول القرآن وفي عهد الرسول الكريم. وقال المهندس بهاء الدين النقشبندي في هذا الصدد ان "عرض المسلسل اثار الكثير من الجدل والنقاشات، وربما هاجمه البعض ممن لا يحبون هذا الصحابي العظيم، بل إنني قرأت فتوى لبعض هؤلاء يوصون بالامتناع عن مشاهدة المسلسل خشية تأثيره عليهم". ورأى الدكتور مروان علي نورمختص التاريخ في جامعة بغداد، انه قد لا تكون هناك حيادية في كتابة التاريخ، فتدوين التاريخ الإسلامي ونقل وقائعه مهمة صعبة، وتمثيل التاريخ لابد منه، ولا يمكن إن نتجاهله طالما ان المتلقي يرغب في هذا النوع من الفن. واضاف "ان مشكلة تكمن في فهمنا لتاريخنا العربي والإسلامي وستظل قائمة إلى إن تتم كتابة تاريخنا وعرضه كما حدث، فيجب ان نخط التاريخ بطريقة احترافية". وقالت مريم بهجت مختصة فيالاعمال الدرامية والسينما "انصح الجميع بمتابعة المسلسل لاهميته الكبيرة وقيمته العظيمة في دعم الدراما التاريخية و مواجهة الجهل الذي يخيم علينا، باعتبارنا خير امة انزلت للارض ومن واجبنا ان نتعرف على تاريخ اجدادنا وان نغوص في تراثنا وحضارتنا الاسلامية العظيمة". واكدت في هذا الاتجاه "ان رفض العمل من حيث الناحية الدرامية والفنية والاخراج، امور يقبلها العقل والمنطق ولكن لا سبيل لرفض شخصية الخليفة عمر بن الخطاب فالجميع مطالب باحترام التاريخ خاصة اذا كان منقولا بطريقة امينة و بعيد عن المغالطة والتحريف. وتابعت "الزيادة بالمعرفة تكمن بالمتابعة، وهذا لا يشوه الدين او يحرض ضد العنف، وعلينا إن نستلهم الطريقة الحديثة في تحليل التاريخ ونتبع الطرق الجديدة في الدراما". على الجانب الاخر، قال ضياءالدين العمري الكاتب والأكاديمي"انتظرنا كما انتظر العرب جميعا بدء مسلسل عمر بلهفة كبيرة لاهميته ومكانته التاريخية المميزة المتزامنة مع بداية عصر العرب، ولعل محاور الجدل تركزت حول تشخيص الصحابة والخلفاء الراشدين دون حجب أوجههم كما كان يتم في المسلسلات التي عرضت قبل هذا المسلسل". واضاف "قد أسند دور عمر بن الخطاب للممثل سامر إسماعيل وترسخت في أذهان الشباب صورة غير حقيقية عن الفاروق وظهر مخالفا لما ذكرته المصادر رغم المجهود الذي بذله المخرج وفريق عمله، فمعظم كتب التاريخ تصور عمر بن الخطاب رجلا قويا ذا صوت جهوري حازم مهيب. و قد قال عبدالله بن عمر في أبيه "كان والدي أبيض تعلوه حمرة وطويل وأصلع وأشيب". والمسلسل وإن قدم عمر بن الخطاب طويلا وأبيض، فإنه قدمه اشعث الشعر، وعلى العموم يضيف المتحدث قد يكون أداء الممثل إسماعيل سامر موفقا". وابرز "إن طاقم التمثيل بلغ أكثر من 30 الف ممثل وفني، وهذا بحد ذاته يعطي قوة واهمية للعمل الدرامي. وهنا أريد ان أقول للرافضين لظهور الصحابة أن يذهبوا إلى أي مكتبة ويسحبوا من على رفوفها كتاباً مثل 'تاريخ الطبري' ليقرؤوا التحريف الذي يطل من بين سطوره، لكنهم للأسف يقبلونه لأنه مكتوب بالحبر لا بالكاميرا. والسؤال الذي يفرض نفسه، لماذا يرتبط التجسيد الدرامي بالصورة لشخصية نقدسها "بالإهانة" في حين اننا عندما نكتب عليها بالقلم تمر الامور بسلام ودون تاثير يذكر؟". وبيّن "أعتقد أن الإهانة هي في المضمون وليس الشكل، وكم من كتب تراث موجودة على رفوف مكتباتنا وتهين هذه الرموز الدينية، سواء بأحاديث مختلقة أو روايات تاريخية مفبركة يندى لها الجبين، ولا يقف منها مجمع البحوث الإسلامية نفس الموقف. وأعود لأكرر اننا نحن العرب نخشى الصورة بل نخاف منها". وهو ما يفسر برايه اصرار البعض على تحريم النحت وتحطيم التماثيل لأنها باعتقادهم تفتن الناس في دينهم ويتحدثون بنفس اللهجة المنكرة عن الدراما، ويتناسون أن إنسان القرن الحادي والعشرين مختلف تماماً عن إنسان العصر الجاهلي الذي كان يسجد للات والعزى. واعتبر ان قضية الممثل الذي يجسد دور صحابي ثم يخرج علينا بعد ذلك في دور شرير مجرم، كلام لا معنى له، لان الممثل في نهاية الامر يؤدي جميع الادوار دون استثناء. لقد شغل الخليفة عمر بن الخطاب الناس حيا وميتا رحمه الله، ومهما اختلفت وجهات النظر حول المسلسل فانه يبقى قيمة فنية وتاريخية كبيرة. ميدل ايست أونلاين