هذا لقاء متميز جرى بعد ساعات من وصول الفنان الكبير الطيب عبد الله إلى مدينة شندي.. في حوش العائلة الكبير، ونسمات ليل شندي تهب باردة ومنعشة، والأشواق والأحاسيس الجميلة سيدة الموقف.. في هذا الجو تحدث الفنان المرهف الحس، وكان ذلك بحضور شقيقه سليمان عبد الله وأصدقائه القدامى والجدد منهم صديقه رجل الأعمال الطيب دليل، وكان هناك بعض أفراد الأسرة، وأبناء الطيب عبد الله، والأستاذ عبد العظيم صالح مدير التحرير والصحفي المعروف محفوظ عابدين والذي وثق لهذا الحوار بكاميرته الخاصة، وعدد من أهل الفن والجيران في مربع 41 بحي الثورة - شندي. ٭ في السودان كيف وجدت الاستقبال بعد كل هذه الفترة من الغربة؟ - أسعدني الاستقبال الذي وجدته، الشعب السوداني وفيٌّ لا ينسى الجميل، بقدر ما تعطيه فإنه يحفظ هذا العطاء، الناس افتقدوني خلال فترة غيابي وهذا ما أحسسته بعد كل هذه اللقاءات. وجدت استقبالاً يعجز اللسان عن وصفه، ولهذا مسؤوليتي ستكون مضاعفة في رد هذا الجميل والعرفان. ٭ أنت الآن في مدينة شندي العريقة بلدك ومسقط رأسك والنشأة الأولى كيف وجدتها.. والناس.. والذكريات القديمة؟ - غبت عن شندي 03 عاماً.. هذا أمر لا أكاد أصدقه.. استقبلوني بصورة رائعة عند مدخل المدينة وفي الطرقات وزارني عدد من المسؤولين، وأنا كنت أحمل شندي معي في الغربة، وحبها وحب أهلها، وفي السعودية كنت الرئيس الفخري لرابطة أبناء شندي. والذكريات؟.. موجودة داخل هذا المنزل، هذا منزل أخي الكبير سليمان عبد الله في هذا الصالون نشأت وترعرت بعد وفاة والدنا، تحمل أخونا سليمان مسؤولية تربيتنا وتعليمنا. هذا المكان له معزة وذكريات خاصة في نفسي، وهنا بدأت أولى خطواتي في الفن، في هذا الركن عزفت العود ودندنت، وهنا جلس عدد كبير من الفنانين، اللحو، سيد خليفة، أبو داؤود، زكي عبد الكريم، صالح الضي، القائمة طويلة لا أستطيع حصرها الآن. ٭ نعود للغربة.. تحدث الناس عن محطة الغربة في السعودية، ولكن هناك محطة منسية في غربتك.. أنت اغتربت فترة في اليمن، ويقال إنك خططت للاستقرار باعتبار جذورك اليمنية وهناك من قال إنك رددت أغنيات يمنية فماذا تقول؟ - ضحك الطيب عبد الله وقال.. وغربة ثالثة في السودان.. ثم رد قائلاً: كانت زيارتي لليمن سريعة، ذهبت لزيارة بعض أفراد الأسرة هناك ثم رجعت للسعودية، ولا يمكن أن استقر في اليمن نهائياً فأنا الطيب عبد الله ابن هذه الأرض وأعتز بوطني السودان وليس هناك ما يجعلني أتنكر للوطن، هذا جزء من إشاعات سابقة خرجت من بعض الأقلام وربما تريد الاصطياد في الماء العكر. ٭ ويبقى السؤال ماهي أسباب خروجك من السودان؟ - عفواً أسباب خروجي من السودان هي أسباب خاصة، واحتفظ بها لنفسي وعذراً إن رفضت الافصاح عنها. ٭ ومحطة السعودية؟ - أيامي في السعودية طيبة وأعطتني في فترة، ما أريد، ونفس الفترة شهدت مرض زوجتي ورحيلها لقد تركت لي أطفالاً صغاراً والحمد لله. ٭ حزن جديد ٭ ماهو الحزن الذي قابلك في السودان بعد عودتك؟ - هذه المرة قابلني حزن جديد. شعوري الآن شعور حزين.. عندما عدت وجدت أمامي رحيل عدد كبير من العباقرة، وكل الفنانين الذين رحلوا كانوا قريبين لنفسي، خصوصاً الراحل عثمان حسين كان الأقرب لنفسي ونهلت من مدرسته، ووردي، وعلاقتي بوردي وطيدة، فقد كان أستاذي في مدرسة الاستقلال الأولية بشندي، وكان موهوباً ويمتلك حساً فنياً من نوع خاص، وصوتاً جميلاً، وذكرياته معي كثيرة، وتبدأ منذ أن عرفته على المرحوم عبد الله الطيب والذي كان يمتلك العود، ووردي في ذلك الوقت لا يستطيع شراء العود، وكان أحساسي بأنه فنان رفيع، وسيكون له مستقبل كبير- وهذا ما حدث- فقد ذهب إلى الخرطوم وملأ الدنيا بالفن الرفيع. ٭ بعد عودتك وتأملك للساحة الممتلئة بالجديد هل تحس بأن هناك صعوبة في إيجاد مكان لك من جديد؟ - بالعكس، لم ينسني أحد، لأنني تركت في قلوب الناس الفن الجميل، هذا ليس غروراً. ٭ والذين تغنوا بأغنياتك؟ قانون الملكية الفكرية هو الفيصل سوف يضع حداً لكل هذا.. ٭ وكيف تواكب الجديد في الساحة؟ - حدثت طفرة فنية في مجال علم الموسيقى، وأنا فنان مؤهل وفترة وجودي في السعودية أتاحت لي إدخال أسلوب الحداثة في عدد من أغنياتي، وسيرى الجمهور كل ذلك ومثال هناك أغنية من كلماتي وألحاني يقول مطلعها: ما كنت قايل يا جميل ٭ هجرك يكون رد الجميل تنساني في نصف الطريق ٭ في غربة لا زاد لا دليل ما لي غير ما أرضى بحكمك ٭ والزم الصبر الجميل وهناك أخرى بعنوان شيل الكلام: أنت لا خايف المدام ٭ ولا من شيل الكلام أبقى سلم لي عيونك ٭ في عيونك كل الكلام ٭ الحفلة الأولى ٭ الناس ما زالوا في انتظار الحفلة الأولى؟ - جاري الترتيب والاعداد لها وسوف تحدد قريباً، وأجريت إتصالات بالفرقة القديمة، وأيضاً بصدد إدخال آلات جديدة وهناك مشاورات لإقامة الحفلة الأولى في أحد الاستادات، كما أن هناك أندية أيضاً مختارة. ٭ كلمات قبل الختام؟ - شكري الخاص لكل الذين استقبلوني بحرارة في مطار الخرطوم، وأشكر د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم، وكذلك د. أحمد بلال وزير الثقافة والإعلام، الذي أعلن وقوفه معي، كما وجه بعض المسؤولين بتوفير احتياجاتي، وأتمنى أن تواصل الدولة برنامج رعاية الفن والفنانين، والذين هم في أشد الحاجة للرعاية والاهتمام، ثم ضحك وقال أشكر الصحافة والصحفيين وكل وسائل الإعلام الذين «ما خلوني أرتاح» منذ عودتي وأسأل الله أن يوفقني في تقديم الجديد الذي يستحقه هذا الشعب السوداني الأصيل. وتحية تقدير لصحيفة (آخر لحظة) وهي صحيفة ولدت عملاقة، وأنا أتابعها منذ أيام المرحوم حسن ساتي، والآن على رأسها صحفي فنان هو الأستاذ مصطفى أبو العزائم. آخر لحظة