هافانا - ايزاك رسكو - بدأت مظاهر الانفتاح الاقتصادي في كوبا تنعكس تدريجيا على الأفراد من خلال المشاريع الخاصة بالطعام والحانات حيث انتشرت المطاعم في كوبا وكأن المياه قد غمرت الصحراء فجاة وأصبحت الجزيرة مزدهرة بالمطاعم التي تقدم فنون طهي السكان الأصليين المحلية وأصبحت المطاعم أكثر المشروعات رواجا حتى أن أحد الوزراء السابقين في عهد كاسترو أقام مطعما على اعتبار ان نجاح المشروع سيكون مضمونا بنسبة كبيرة. وعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في البلاد تلقى مشروعات المطاعم الخاصة رواجا وازدهارا ويطلق الكوبيون على المطاعم لقب (بلاداريس: Paladares) أي تذوق وقد اشتهر هذا الاسم المحلى نسبة إلى إحدى المسلسلات التليفزيونية البرازيلية بعنوان "بالي تودو" التي كانت تعرض في كوبا في تسعينيات القرن الماضي وكانت تدور أحداثها في إحدى جزر الأنتيل. تزدهر (البلاداريس) أو المطاعم في هافانا بسرعة مذهلة بعضها قد اتخذ طابعا شديد المحلية والبعض الاخر يعمل جاهدا من أجل التطوير لاجتذاب السائحين أو المقيمين الأجانب والفئات التي لديها قوة شرائية أكبر. بدأت (البلادرايس) في الظهور منذ التسعينيات ومع الاصلاحات الاقتصادية التي قام بها راؤول كاسترو انتشرت أعداد هذه المطاعم في البلاد بشكل كبير، كما تم انشاء بعض المراكز التي صممت خصيصا لتقديم الأطعمة التي تعبر عن الذوق الرفيع. ويبرز من بين أشهر المطاعم الموجودة في العاصمة هافانا مطعم (بوليوود) الذي أنشيء في كانون أول/ ديسمبر عام 2011 في منطقة (نويبو بيدادو) والذي اشتهر بتقديم أطعمة هندية أصيلة كما يوجد مطعم شهير يقدم الأكلات الايطالية الشهيرة يعرف باسم (الديبينو) يملكه رجل ايطالي يدعى ماركو دي لوكا وتعود شهرة هذا المطعم إلى قبو النبيذ الموجود به حيث خصصت به حجرة كبيرة مهيئة مناخيا بما يتلاءم مع حفظ وتعتيق النبيذ الجيد ويتم فيها تقسيم النبيذ طبقا لنوعه امريكي أو ايطالي أو من أي بلد آخر. يقول ماركو "نحن نقوم بدور المتذوقين أما يوهاندرا الفاريز زوجة ماركو ومديرة المطعم في نفس الوقت فتتحدث عن المشروع قائلة إن حجم الاستثمار قد بلغ حوالي 15 الف دولار . كما يوجد بار شهير يحمل اسم "مادريجال" في حي البيدادو وهو حي سكني. ويحتل البار طابقا بأحد الأبنية العريقة وصاحبه هو السيناريست الشهير رافائيل روزاليس / 54 عاما / والذي سبق ان عمل مع فيرناندو بيريز أشهر مخرجي كوبا. يقول رافائيل إن "العمل في مجال السينما غير مستقر ماديا لهذا لجأت إلى مادريجال كمشروع تجاري من أجل تأمين دخل ثابت وقد اخترت اسم مادريجال نسبة لأحد الافلام التسجيلية التي تحمل نفس العنوان". يؤكد رافائيل أن الانفتاح الاقتصادي هو ما دفعه إلى الإقدام على هذا المشروع فلجأ إلى الاقتراض من أحد أقاربه في الخارج. ويصف رافائيل المكان قائلا إنه "من الداخل شديد المحلية وبه شرفة واسعة وحجرة كبيرة لاستقبال الضيوف توحي بحالة من البوهيمية" . ومن الاماكن التي ذاع صيتها مؤخرا في هافانا مقهى شابلن في حي ميرامار وتعود شهرة المقهى إلى صاحبه روبرتو روباينا أصغر وزير خارجية في عهد فيدل كاسترو عام 1993 ولكنه طرد من الحزب عام 1999 وتم اعتباره خائنا لمعلمه وللحزب الشيوعي ويقال إن شعبيته الواسعة بين الشباب هي ما أثارت الشكوك حوله. وبعد 13 عاما من العزله السياسية يقول روباينا لقد وجدت نفسي في مقهاي ويسعدني ان أقضي وقتي وأنا أرسم لوحات فنية أوقع عليها باسمي وأزين بها جدران مكاني. ويرى روباينا باعتباره من أصحاب المشاريع الخاصة أن الاصلاحات الاقتصادية التي تمت في البلاد وجدت لتبقى وتستمر ولا مجال للتراجع عنها. كما يرى روزاليس أن الدولة يجب أن تعمل جاهدة على منح فرصة لنجاح المشاريع الخاصة حيث أن نجاح هذه المشاريع يؤدى بالتبعية إلى انتعاش اقتصادي على المستوى العام ولهذا يجب على الدولة أن تبادر بدعم هذه المشاريع. وتسعى مشاريع الانفتاح الاقتصادي إلى تحميل الدولة مسئولية استمرارها فلا يمكن للدولة إلغاء ما يقرب من نصف مليون وظيفة يعمل بها الشباب في كوبا كما تقوم هذه المطاعم بدفع الضرائب فضلا عن أنها تمثل أحد مصادر زيادة العملة الصعبة في البلاد خاصة الدولار. كما حافظت هذه المطاعم على وجود نسبة من الأجانب وساعدت على ظهور فئة جديدة من فئات المجتمع تستطيع أن تحيا على مستوى أكثر ازدهارا وهم رواد هذه المطاعم والذين يمثلون النخبة الاقتصادية في كوبا. تقول يواني سانشيز إنه في أعقاب الانفتاح الاقتصادي بدأت مشاكل أليات السوق في الظهور مع تزايد احتياجات ومستلزمات عمل المطاعم، خاصة في بلد يعاني فيه المستهلك العادي على المستوى الفردي من توافر الغذاء بأسعار معقولة . تفتقر كوبا كذلك إلى شبكات توزيع الجملة مما يمثل مشكلة حقيقية بالنسبة لأصحاب المشاريع الخاصة الذين يلجأون إلى شراء احتياجاتهم بالتجزئة مما يكلفهم الكثير ماديا بالإضافة إلى صعوبة الحصول على جميع الاحتياجات من مكان واحد. تقول نيريس هيجريس مديرة "أتيليه" إن رحلة توفير متطلبات المطعم من الاسماك ليست بالأمر السهل فعليهم الاستيقاظ في الصباح الباكر والذهاب إلى جميع الأسواق لتوفير المتطلبات ولا يعني هذا أن الأمر يتم دائما بنجاح ففي كثير من الأحيان لا نجد جميع احتياجاتنا من الاسماك . تقول هيجريس التي بدأت العمل مع أخيها في أتيليه منذ كانون أول/ديسمبر 2011 إن شركتهم المكونة من 50 شخصا غير قادرة على المنافسة حيث أن عدم توافر المنتجات الرئيسية والخلاف الدائم مع الباعة حول جودة البضاعة يؤدي إلى عدم وجود قائمة طعام ثابتة في مطعمهم وهو ما يمثل مشكلة حقيقية لأصحاب المشروع. ويشتهر مطعم أتيليه بتقديم الأسماك بالصلصات الخاصة بهم والتي تقوم أسس مكوناتها على الزنجبيل والبرتقال كما يتميز بأناقة أثاثه ذو الطابع الريفي ونوافذه الكبيرة.