قطعاً، لا يُقصد بالعنوان جلداً للذات الآحادية أو الجمعية، كما قد يُفهم، وإنما تحفيز للأمة للخروج من مستنقع تتْفيهِ قضاياها، إذ لا يعقل أن أمة العقل والعلم والوقت على الأقل كما في نصوص القرآن الكريم، وصحيح الحديث بشقيه النبوي والقدسي، تهمل العقل والعلم والوقت، لتغوصَ في قضايا زواج المسيار والمصياف والمِدراس، والنقاب والخمار والحجاب وحَفِّ الشارب، بينما أمة الغرب تقدس العقل والعلم والوقت وتعلو بالمِسبار والمٍنقاب والمِنبار إلى المريخ مما جعل العرب أُضحوكة وكأني لَعمري بالمتنبي يقول لِتَّوهِ الآن، ساخراً من تفاهة قومه العرب: 'أغايةُ الدينِ أنْ تحفوا شواربًكُم، يا أمةً ضحكت من جهلها الأممُ'. ولًعمري، فإن بين المسبار والمسيار فرقاً في نقطة حرف الباء تبدو كالصفر الذي إخترعه العرب ويبدو أنهم قرروا أن يبقوا فيه، ولكنْ إلى متى؟ المسبار صناعة علوية غربية والمسيار صناعة تحتية عربية. فمن إذن طبق قول الحق وأي أمة هي الأوْلى بأن تكون أهلاً للقرآن: 'يا معشر الجن والإنس إنِ استطعتُم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان' (الرحمن: 33) أي سلطان علم الفضاء وعلم المسبار، أهِيَ أمة العرب التي أنزل الله القرآن بلغتهم فهم يقرؤونه ويتلونه ويرتلونه ويجودونه آناء الليل وأطراف النهار، مكتفين بذلك فحسب أم أمة الغرب التي بقصد أو بغير قصد طبقت وعملت بما ورد فيه؟ إن تتويج الغرب لنفاذه من أقطار السموات والأرض بسلطان العلم وبتكنولوجيا وتقنيات المسبار لًهو بالضبط خلافة الإنسان لله في الأرض، ولَهي لعمري العبادة الحقة في المفهوم الواسع للعبادة 'إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، لًآياتٍ لأولي الألباب' (أل عمران: 190). أهل المسبار والصناعة التي تخدم الناس والمتفكرون في الكون هم أولوا الألباب حقا وصدقا. وما قيمة القرآن إنْ لم يتم العمل به؟ الغرب يعمل بالقرآن وهذا هو معيار الإيمان به وإنْ كان الغرب لا يؤمن به، والعرب يؤمنون به كتابا منزَّلا من الله، بَيْدَ أنهم لا يعملون به، 'فأيُّ الفريقين أهدى'؟. إن المسبار المتجول في المريخ يحلل الصخور والتراب عله يجد أثرا لحياة عاقلة في الماضي أو في الحاضر هو تعبير عن قول الله 'ولله من في السموات ومن في الأرض' و'من' هنا تدل على الكائن العاقل، أي أن ثمة كائنات عاقلة في مستوى الكائن الأرضي أو أرقى منه موجودة في مكان ما في كواكب أخرى من مجرتنا هذه وهي الصغرى على الإطلاق بين بلايين المجرات، أو في مجرات أخرى بعيدة عن مجرتنا بترليونات المسافات الضوئية، والله أعلم 'ربنا ما خلقتَ هذا باطلاً، سبحانكَ فقنا عذاب النار'. الغرب أخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا وهي أسباب الله أصلاً لأن الإنسان يعيش ويحيا إلى أن يموت بأسباب الله، وفي الجنة إن شاء الله تنقطع الأسباب، فيعيش الإنسان ويحيا بالله مباشرةً 'وتحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما'. والمسبار الحالي هو فقط البداية وثمة مسبار آخر سيتم إطلاقه للمريخ عام 2016. الله في القرآن لم يخاطب العرب ولا الذين أسلموا، وإنما بشكل رئيس يخاطب ثلاث فئات من البشر: 'يا أيها الذين آمنوا'، و'يا أيها الإنسان...' و'يا أيها الناس...' والغرب مؤمن بأن الله (و إن كان يرمز له بالطبيعة) سخر الكون للإنسان وأعطاه مفاتيح لفتح مغاليق الكون ليبحث فيه ويطور حياته، ولأن الغرب فَهِمَ ذلك تماما فهو ينتج ويصنع ويزرع ويبدع في كل مجال، والعرب والمسلمون مستفيدون لا شك من كل ذلك غير أنهم في الغالب للأسف الشديد مستهلكون سلبيون فحسب، ولكنْ إلى متى؟ ' أكاديمي وكاتب قطري القدس العربي