وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابراهيم الكوني: المثقفون العرب يعانون اقصاء ممنهجا من كل الاتجاهات السياسية!
نشر في الراكوبة يوم 15 - 09 - 2012

الحديث عن إبراهيم الكوني لا يخلو من صعوبة، فهو أكبر وأهم من أن يوصف بأسطر معدودة، وربما كانت متابعة تجربته الإبداعية قادرة على رسم صورته أكثر من أي كلام آخر، وتشكل رواياته أبلغ تعبير عن تجربته الغنية ومسيرته المتألقة في الحياة. لا يكفي أن نقول إنه المثقف الذي نشأ في الصحراء الليبية وعبر عنها وعن حياة الإنسان والحيوان فيها أصدق وأعمق وأشمل تعبير، فهو يمتاز بموهبة إبداعية مرهفة، كما أن دراسته في معهد غوركي خلال المرحلة السوفياتية كانت منصة الانطلاق في آفاق العالمية، إضافة إلى التجربة السويسرية واهتمامه بالتاريخ العربي والعالمي ومعرفته بالعديد من اللغات، وبعض أعماله مترجمة إلى العديد من اللغات بدءا من أوربا وصولا إلى اليابان. نال الكوني العديد من الجوائز العالمية، وكانت جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب- في صدارة هذه الجوائز. لم يكن اللقاء معه سهلا، وكلما حاولت أن أحظى بحوار خاص كان يزاحمني أكثر من زميل، لكن النبع الصحراوي الأصيل يكفي جميع وارديه ويفيض. ولنبدأ معه من الواقع العربي المأزوم والأسئلة المحرجة.
* جاء الإسلام للبشرية كلها، هل يجوز لرجل الدين أن يستغل هذا الدين الحنيف سياسيا ليصل إلى الحكم وينفرد به؟
* 'عندما يدعي إنسان بأنه حامل هم الدين ويعطي نفسه الجرأة والحق بأن يمثل هذا الدين، ثم يذهب إلى مستنقع لا أخلاقي اسمه السلطة فهو فعليا ينافق نفسه، كيف نستطيع أن نحافظ على نقاء مبدأ قدسي مثل الدين في حمى مستنقع السياسة والسلطة فمن المستحيل الجمع بين الدين والدنيا، وهذه المسألة كانت محورية بين جميع ثقافات العالم وهو شيء متعارف عليه فمن المستحيل أن نفلح نحن بأن نقيم العدالة من خلال السلطة الدنيوية ونحن نرتدي لباس الدين'.
* دخلت السياسة الدين وحولته إلى قناع، كيف يرى الكوني سعي الأحزاب الدينية لاستلام مقاليد السلطة؟
* 'الأشخاص الذين يؤسسون أحزابا دينية كي يتولوا أمرا لا أخلاقيا، وهو السياسة ومن ثم السلطة، ليس هناك صفقة أبشع من أن يبيع الإنسان ضميره كي يصل. هل يقبل الرب بأن يأخذ منا ثمار إنسان قد ذهب باسم الرب كي يعقد صفقة مع الشيطان؟ فليجبني أحد على هذا السؤال. أعتقد أن هذا مستحيل والتجربة البشرية أثبتت أن هذا مستحيل. هناك شيخ أتى إلى علي بن أبي طالب وقال له: دعك منها لم تخلق لك ولم تخلق لها، بطبيعة الحال إنسان نقي مثل علي يتصورونه مكان معاوية هذا غير ممكن، فمعاوية رجل دولة بكل معنى الكلمة وبما تحمله الكلمة، وأكبر عمل لا أخلاقي قام به هو عمل المبايعة حيلة قام بها ورجل الدولة لا يستحي من أن يقوم بأي حيلة في السياسة للبقاء في السلطة، وهذا ما فعله معاوية، لو سمع علي بن أبي طالب نصيحة ذلك الشيخ، والذي أعتبره أنا مبعوثا إلهيا جاء متنكرا بثياب شيخ عادي، لما حدث ما حدث، وما نقوله الآن بطبيعة الحال استقاء من تاريخنا'.
* هل أنت متفائل بما يجري؟ وكيف تنظر للوضع، سواء في بلدك أو تونس أو مصر.. الخ فهي تتحول إلى دول دينية؟
*'أنا لست بمتفائل البتة، وهي لا تتحول فقط لدول دينية لكن أيضا هناك نوع من الفوضى اللاخلاقة، وهناك من يكثرون من نظرية الثورة الخلاقة لتصبح أولا مطعونا بأحقيتها، ثانيا هي لا تصلح لكل زمان ومكان. أنا أشعر بالقلق على مصير شعوبنا في ظل هذه الشهوة للسلطة. أنا من حقي الآن أن أحذر الفئات أو الأحزاب والتنظيمات وحتى المجتمع المدني الذين يسعون إلى هذا الجحيم، فالمرء يهرب من هذا الجحيم لا أن يذهب له بقدميه. من أراد الحقيقة فالحقيقة ليست بالسلطة وإنما خارجها، سيما إن كانت هي خارج الوجود أصلا. هل هناك عمل لا أخلاقي مثل السياسة؟ فكيف يسمح إنسان لنفسه بممارسة السياسة ثم سيأتي للتحدث بالدين؟ فهو لن يقنع أحدا وأعتقد أن هذا شروع في تدمير القيم، وهذا خلل بغاية الخطورة. أنا لا أعترض على مبدأ الدولة الدينية، إن كانت بالمعنى الأخلاقي. ولكن هل هناك دولة من دون سلطة؟ وما دام هناك سلطة فهي دولة غير أخلاقية. لذلك يجب على رجل الدين أن يبتعد عن السياسة والسلطة لكي يحمي نفسه أولا وأخلاقه ومبادئه ودينه. نحن يجب أن ننقذ الدين من السلطة والسياسة بأن نبعده عنها'.
* الخطاب الديني يجتذب حوله جمهورا واسعا وجمهور الأحزاب السياسية يملأ الشوارع، أين الثقافة وأعلامها وجمهورها؟
* 'المثقفون العرب يعانون إقصاء ممنهجا وقويا من كل الأجنحة، يعانون إقصاء من السلطة السابقة واللاحقة ومن الأحزاب بجميع أشكالها، ويعانون إقصاء ممنهجا وقاسيا وخطيرا من الشارع أيضا لأن مستوى الناس الثقافي ضعيف، فإنسان لا يقرأ وثقافته بسيطة يسهل خداعه. إذاً، المثقفون يعيشون على كوكب والواقع والعالم العربي في كوكب آخر. ما أراه يحدث في واقع الأمر هو نتاج لمراحل تاريخية سابقة، ونحن فيها ما زلنا نجوس في عصور الظلمات ولم ندخل مرحلة التنوير حتى هذا اليوم'.
* لماذا في رايك، ما وراء هذا الخلل؟
* 'اغتراب الشارع، فهناك حلقة مفقودة بين المثقف والشارع، لأن المثقف الجاد يجب أن يُقرأ وقراءته صعبة، والناس لا تقرأ الشيء الجاد ونحن شعوب لا تحب القراءة، وهذا أدى إلى انقطاع همزة الوصل ما بين المثقف وبين الإنسان البسيط، مما جعل المثقف ضحية للشارع والشارع ضحية للمثقف، وذلك بسبب انقطاع الصلة بينهما'.
* رؤيتك لهذا الانقطاع الثقافي ولهذا الاستنفار الديني؟ وكيف ترى المستقبل؟
*'بطبيعة الحال، الأقوى هو الذي ينفرد بالواقع، والأقوى بنظر الشارع هؤلاء هم رجال الدين الذين سيأتونهم بالفردوس، ولكن هل هم رجال دين حقيقي أم هم مريدو سلطة؟ وهذا هو السؤال'.
* كيف يمكن تأهيل الإنسان العربي، برأيك؟ من أين يجب أن نبدأ وما هي الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها؟
* 'هذه مسألة لها علاقة بمشروع الحضارة والتي يجب أن تبدأ من مناهج التعليم، فإنسان لم يدرب على أن يقرأ لا يمكن أن يقرأ حتى ولو بلغ من العمر ما بلغ، أقصد أنه إن لم يكن هناك ثورة في المناهج ولم يكن هناك ثورة روحية، وإن لم تنعكس إرادة الحرية ولم تترجم إلى ثورة ثقافية وروحية لا يمكن أن تؤتي النتائج المطلوبة منها. وهذا لن يحدث بين يوم وليلة، هذه سيرورة طويلة يجب أن تلعب بها دور وسائل الإعلام ووزارة التعليم ووزارة الثقافة، وهذا مشروع غير موجود في الواقع العربي. والجامعة العربية لم تتول مهامها في هذا المجال، ويجب علينا الاعتراف بذلك. لا وجود لحلول مفاجئة، وكل الحلول الممكن تحقيقها هي دوما في الحد الأدنى، لأننا نعتقد أننا بالخروج من الشتاء دخلنا الربيع فدفء الربيع صعب وما زال بعيدا ويجب علينا أن نعترف أننا خرجنا للتو من صقيع الشتاء فقط ولكن لم يينع الشجر بعد ولم نر ورودا بعد. إذاً، لا وجود لربيع بعد'.
* أشرت في حديثك إلى ما يعانيه المثقف من إقصاء وتهميش، كيف يمكن الخروج من هذه الحالة حتى يصبح دوره فعالا أكثر؟
*'لا يجب أن نضخم من حالنا، فحالنا هو حال الكثير من الشعوب. لكن من الجميل أن نجرب ونقاتل ونقوم بثورات، فهذا بحد ذاته حياة. المثقف بطبيعة الحال يعاني الإقصاء والحرب من السلطة القومية، ومن السلطة الدينية، والسلطة الدنيوية، ومن الشارع، لأنه لا توجد لغة تفاهم بينه وبين الشارع، وذلك بسبب الخلل في العلاقة الثقافية، لأن الشارع غير مثقف ودرجة الوعي في الشارع هابطة لدرجة كبيرة، لهذا السبب لا يستوعب ولا يتبنى المشروع الثقافي المطروح من قبل المثقفين، على افتراض وجود مشروع. المأساة أن نعتقد أن هذا المثقف يمكن أن يكون فارس الميدان، وفي تاريخ الثورات ثبت أن هؤلاء المثقفين هم ممهدون لثورات ولكنهم ليسوا شهود عيان للثورات، ومن يطلب من المثقفين ذلك كمن يطلب من روسو وفولتير مثلا أن ينزل للشارع كي يساهم في الثورة الفرنسية. هذا لم يحدث أبدا، كانوا ممهدين ولكنهم لم يكونوا شهود عيان أو محرضين، فالمثقف لا يلعب دور المحرض، بل المثقف مشروع ثقافي يجب أن يثبت في عقول الناس لفترة طويلة'.
* أنت بعيد عن ليبيا، ماذا قدمت لها؟
*'أنا لم أترك ليبيا كروح أبدا تركتها كجسد، أنا لدي 75 كتابا لم يقرأ منه الليبيون أي كتاب، في حين قرأها الأروبيون وهي موجودة في مناهجهم وفي مناهج الجامعات اليابانية والأمريكية وفي كل مكان، ولكن لا نجدها في العالم العربي ولا في مناهج ليبيا ولا يقرأها الناس، بينما عندما أقوم بأي نشاط أو دور له علاقة ثقافية أو لغوية بين أوروبا والعالم العربي لا أحد في البلاد العربية يهتم به، وكل النشاط الذي قمت به في دعم ثورة 17 فبراير مجهول نهائيا، في حين أني لم أنم منذ أن قامت هذه الثورة إلى هذا اليوم، وأنا أسافر بين القارات وأحضر كل المؤتمرات. ومن مأساة العالم العربي أنه لا يقرأ لغات أخرى، لذلك في ليبيا هم يعتقدون بأني صامت ولم أشارك بشيء في حين ما فعلته أنا بالنسبة لهذه الثورة فقط في الصحافة الأوروبية لم يفعله أحد آخر'.
* مشاركتك في مؤتمرات عالمية من أجل القضية الليبية، من أي منطلق كانت؟
* 'كانت مشاركتي كمرجع، فالأوروبيون لا يرجعون لأحد بشأن ما جرى في ليبيا إلا لي وكل وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية، ومعرفتي هذه بناء على اتصالاتي بأهلي وأصدقائي بليبيا وفي العالم العربي'.
* إذا كان حكم الاستبداد هو السائد والمنظر، سواء من السلطة القومية أو الدينية، ما هو تصورك لدولة العدالة والمساواة؟
* 'لو رجعنا إلى التاريخ القديم وأفلاطون والمدينة الفاضلة هذه يجب أن يكون فيها حكماء على طريقة صولون، محفل الحكماء السبعة، هذا نموذج للنظام الديمقراطي الحقيقي. الحكمة هي التي يجب أن تسود، والحكمة التي يجب أن تقود العالم. لذلك نجد أن القبائل الصحراوية التي ننعتها نحن اليوم بالتخلف ونعتقد بأنها متخلفة، كان لها نظام سياسي فعال وعادل وأكثر حكمة، بدليل دولة الإمارات التي نراها اليوم بنتها حكمة شيخ صحراوي عادل هو الشيخ زايد'.
* ذكرت رجال الدين والسياسة والمثقفين المضطهدين، أين هم الحكماء إذاً، وخاصة حكماء الأمة؟
* 'أوتعلمين من هم الحكماء؟ الحكماء أولئك من نأتي بهم بالإجبار وليس هم من يتراكضون للحصول على السلطة، بل الهارب والكاره للسلطة هو من يجب أن نأتي به لكي يحكم لأنه زاهد وعدو للسلطة. بالأساس، كما فعل الأثينيون في العالم القديم لصولون حيث أجبروه على أن يحكم فاشترط عليهم أن يضع قوانين لا يغيرونها لمدة عشر سنوات وبالرغم من ذلك عندما قبلوا لم يصدقهم فوضع القوانين وهرب لمصر وبابل لكي يجنب نفسه الحرج معهم، فهو يعرف أن الشعوب ضعيفة وستأتيه ليغير القوانين لكن عندما هرب لمدة عشرة أعوام وعاد وجد أن الناس اعتادوا على قوانين الحكمة التي جعلت من اليونان منارة للثقافة ونموذجا يحتذى به حتى يومنا هذا، إذا الإنسان الفار والكاره للسلطة هو من يجب أن نأتي به للحكم ويقود الناس لا أن نأتي بمريد السلطة لمجرد السلطة'.
* الإعلام يسيطر على الشارع، وأنت كمثقف ومتابع كيف ترى هذا الشارع وإلى أين يسير؟ وهل نحن في ربيع أم نحن نعيش في عواصف، ومتى برأيك ستهدأ هذه العواصف؟
* 'نحن خرجنا للتو من دهليز الشتاء ولم نر الدفء بعد ونحن بانتظار الربيع وكثيرون يظنون أننا سندخل الصيف، لكن هذا وهم فنحن لم نبدأ بدخول فصل الربيع بعد، ويجب أن نتحمل النتائج. فدوما يجيء التغيير داميا وقاسيا ومخيبا للآمال دوما، ورأيي أن كل الثورات التي قامت مخيبة للآمال ولم يسبق أن حققت ثورة ما خلاصا أو سعادة أو جاءت بالحقيقة، فهذا مستحيل. لكن بالثورة يجب أن نحقق الحد الأدنى إن أمكن'.
* قيل لك في أحد اللقاءات: هناك مقولة لنجيب محفوظ تقول الثورة يدبرها الدهاة وينفذها الشجعان ثم يكسبها الجبناء، ما رأيك في ذلك؟
* 'هذه المقولة ليست لنجيب محفوظ بل قالها أحد قادة الثورة الفرنسية، لكن تزييف الصحافة الإعلامية للأمور أمر واقع فهم يخطفون الأمور وينسبونها لمن يريدون، لقد قالها أحد قادة الثورة الفرنسية، وأنا تحدثت أكثر من مرة عما قاله قادة الثورات الروسية والفرنسية وكل ثورات العالم، كلهم قالوا ان الثورات في نهاية المطاف تسقط في يد من يستحقونها ومن لم يدفعوا فيها ثمنا في حين يبقى النزهاء مهمشين ويبقى البسطاء مضطهدين في حين يخرج كل أولئك الجديرون أن يحكموا أو أن ينالوا ويبقون مغدورين، وهذه إحدى مفارقات الثورات'.
* كيف ترى الوضع على الأرض في ليبيا بعد الثورة؟ وإلى أين تمضي الأمور هناك وقد دخلت البلاد في مرحلة صعبة؟
* 'ليبيا مثلها مثل بقية جيرانها، وأعتقد أنه ما زال أمامها مراحل جدا قاسية، والجميع اعتقد أن المجتمع الليبي بسيط ومسالم وبأنه بمجرد أن يزول ذلك النظام سيعود مجتمعا مثاليا، وأنا أركز هنا على مثالي، لكن اتضح غير ذلك وتكشف أن هذا الواقع أكثر تعقيدا، فيه عداوات وأطماع وجشع وإقصاء، وهو ما أدى إلى حروب وهذا شيء خطير قد ينسف البلد بكاملها ويفقدها حتى الحد الأدنى مما قد تجنيه من تغيير'.
* هل تشعر باليأس من قضية الثورة وهل ترى بصيص أمل؟
* 'أنا قرأت التاريخ وتجربتي كبيرة في هذه الحياة وعشت انقلابات وثورات كثيرة، لقد عايشت العهد الملكي وكنت صحفيا، وعايشت انقلاب القذافي والثورة الحالية، وعاصرت انهيار أكبر إمبراطورية في العالم، أقصد انهيار الاتحاد السوفييتي، وعشت في بولونيا تسع سنوات وواكبت انبعاث حركة التضامن التي نسفت المعسكر الاشتراكي بالكامل، وعايشت أيضا الحرب اللبنانية ويوم حادثة الشياح كنت في بيروت حيث كان الجميع يقتتلون، هذه التجارب الكثيرة تمنحني الحق بأن أقول كلمتي وأن لا أتفاءل فالتفاؤل الآن هو نوع من الأحلام'.
* مصر هي العمود الفقري للدول العربية، كيف ترى ثورة مصر وهذا المخاض الذي يعيشه الشعب المصري وتأثيراته على بقية الدول العربية؟
* 'أعتقد بأن ما يقال عن الثورات العربية يقال عن الثورة المصرية، وفي الواقع اعتقدنا بأنها ستكون القدوة بسبب تاريخها العريق وحضارتها وتقاليدها العريقة في كل المبادئ الإنسانية وفي التسامح والتعايش، ولكنها خيبت هذا الظن، الأقليات القبطية والمسيحية والتناحر على السلطة ومحاولة تسخير الدين في كسب مغانم سياسية كل هذا كان له انعكاس سلبي على التجربة المصرية'.
* بالنسبة لما يجري في سورية، كيف تراه وإلى أين سيصل؟
* 'أعتقد أنه عندما يكون النموذج الأول أو المثال خائبا، فإن هذا مبرر جيد لأن يتعرقل النموذج اللاحق'.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.