الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    تشكيل لجنة تسيير لهيئة البراعم والناشئين بالدامر    البرهان يتفقد مقر متحف السودان القومي    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب مُصممة للاحتيال    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالفيديو.. فنان سوداني يعتدي على أحد الحاضرين بعد أن قام بوضع أموال "النقطة" على رأسه أثناء تقديمه وصلة غنائية بأحد المسارح    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابراهيم الكوني: المثقفون العرب يعانون اقصاء ممنهجا من كل الاتجاهات السياسية!
نشر في الراكوبة يوم 15 - 09 - 2012

الحديث عن إبراهيم الكوني لا يخلو من صعوبة، فهو أكبر وأهم من أن يوصف بأسطر معدودة، وربما كانت متابعة تجربته الإبداعية قادرة على رسم صورته أكثر من أي كلام آخر، وتشكل رواياته أبلغ تعبير عن تجربته الغنية ومسيرته المتألقة في الحياة. لا يكفي أن نقول إنه المثقف الذي نشأ في الصحراء الليبية وعبر عنها وعن حياة الإنسان والحيوان فيها أصدق وأعمق وأشمل تعبير، فهو يمتاز بموهبة إبداعية مرهفة، كما أن دراسته في معهد غوركي خلال المرحلة السوفياتية كانت منصة الانطلاق في آفاق العالمية، إضافة إلى التجربة السويسرية واهتمامه بالتاريخ العربي والعالمي ومعرفته بالعديد من اللغات، وبعض أعماله مترجمة إلى العديد من اللغات بدءا من أوربا وصولا إلى اليابان. نال الكوني العديد من الجوائز العالمية، وكانت جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب- في صدارة هذه الجوائز. لم يكن اللقاء معه سهلا، وكلما حاولت أن أحظى بحوار خاص كان يزاحمني أكثر من زميل، لكن النبع الصحراوي الأصيل يكفي جميع وارديه ويفيض. ولنبدأ معه من الواقع العربي المأزوم والأسئلة المحرجة.
* جاء الإسلام للبشرية كلها، هل يجوز لرجل الدين أن يستغل هذا الدين الحنيف سياسيا ليصل إلى الحكم وينفرد به؟
* 'عندما يدعي إنسان بأنه حامل هم الدين ويعطي نفسه الجرأة والحق بأن يمثل هذا الدين، ثم يذهب إلى مستنقع لا أخلاقي اسمه السلطة فهو فعليا ينافق نفسه، كيف نستطيع أن نحافظ على نقاء مبدأ قدسي مثل الدين في حمى مستنقع السياسة والسلطة فمن المستحيل الجمع بين الدين والدنيا، وهذه المسألة كانت محورية بين جميع ثقافات العالم وهو شيء متعارف عليه فمن المستحيل أن نفلح نحن بأن نقيم العدالة من خلال السلطة الدنيوية ونحن نرتدي لباس الدين'.
* دخلت السياسة الدين وحولته إلى قناع، كيف يرى الكوني سعي الأحزاب الدينية لاستلام مقاليد السلطة؟
* 'الأشخاص الذين يؤسسون أحزابا دينية كي يتولوا أمرا لا أخلاقيا، وهو السياسة ومن ثم السلطة، ليس هناك صفقة أبشع من أن يبيع الإنسان ضميره كي يصل. هل يقبل الرب بأن يأخذ منا ثمار إنسان قد ذهب باسم الرب كي يعقد صفقة مع الشيطان؟ فليجبني أحد على هذا السؤال. أعتقد أن هذا مستحيل والتجربة البشرية أثبتت أن هذا مستحيل. هناك شيخ أتى إلى علي بن أبي طالب وقال له: دعك منها لم تخلق لك ولم تخلق لها، بطبيعة الحال إنسان نقي مثل علي يتصورونه مكان معاوية هذا غير ممكن، فمعاوية رجل دولة بكل معنى الكلمة وبما تحمله الكلمة، وأكبر عمل لا أخلاقي قام به هو عمل المبايعة حيلة قام بها ورجل الدولة لا يستحي من أن يقوم بأي حيلة في السياسة للبقاء في السلطة، وهذا ما فعله معاوية، لو سمع علي بن أبي طالب نصيحة ذلك الشيخ، والذي أعتبره أنا مبعوثا إلهيا جاء متنكرا بثياب شيخ عادي، لما حدث ما حدث، وما نقوله الآن بطبيعة الحال استقاء من تاريخنا'.
* هل أنت متفائل بما يجري؟ وكيف تنظر للوضع، سواء في بلدك أو تونس أو مصر.. الخ فهي تتحول إلى دول دينية؟
*'أنا لست بمتفائل البتة، وهي لا تتحول فقط لدول دينية لكن أيضا هناك نوع من الفوضى اللاخلاقة، وهناك من يكثرون من نظرية الثورة الخلاقة لتصبح أولا مطعونا بأحقيتها، ثانيا هي لا تصلح لكل زمان ومكان. أنا أشعر بالقلق على مصير شعوبنا في ظل هذه الشهوة للسلطة. أنا من حقي الآن أن أحذر الفئات أو الأحزاب والتنظيمات وحتى المجتمع المدني الذين يسعون إلى هذا الجحيم، فالمرء يهرب من هذا الجحيم لا أن يذهب له بقدميه. من أراد الحقيقة فالحقيقة ليست بالسلطة وإنما خارجها، سيما إن كانت هي خارج الوجود أصلا. هل هناك عمل لا أخلاقي مثل السياسة؟ فكيف يسمح إنسان لنفسه بممارسة السياسة ثم سيأتي للتحدث بالدين؟ فهو لن يقنع أحدا وأعتقد أن هذا شروع في تدمير القيم، وهذا خلل بغاية الخطورة. أنا لا أعترض على مبدأ الدولة الدينية، إن كانت بالمعنى الأخلاقي. ولكن هل هناك دولة من دون سلطة؟ وما دام هناك سلطة فهي دولة غير أخلاقية. لذلك يجب على رجل الدين أن يبتعد عن السياسة والسلطة لكي يحمي نفسه أولا وأخلاقه ومبادئه ودينه. نحن يجب أن ننقذ الدين من السلطة والسياسة بأن نبعده عنها'.
* الخطاب الديني يجتذب حوله جمهورا واسعا وجمهور الأحزاب السياسية يملأ الشوارع، أين الثقافة وأعلامها وجمهورها؟
* 'المثقفون العرب يعانون إقصاء ممنهجا وقويا من كل الأجنحة، يعانون إقصاء من السلطة السابقة واللاحقة ومن الأحزاب بجميع أشكالها، ويعانون إقصاء ممنهجا وقاسيا وخطيرا من الشارع أيضا لأن مستوى الناس الثقافي ضعيف، فإنسان لا يقرأ وثقافته بسيطة يسهل خداعه. إذاً، المثقفون يعيشون على كوكب والواقع والعالم العربي في كوكب آخر. ما أراه يحدث في واقع الأمر هو نتاج لمراحل تاريخية سابقة، ونحن فيها ما زلنا نجوس في عصور الظلمات ولم ندخل مرحلة التنوير حتى هذا اليوم'.
* لماذا في رايك، ما وراء هذا الخلل؟
* 'اغتراب الشارع، فهناك حلقة مفقودة بين المثقف والشارع، لأن المثقف الجاد يجب أن يُقرأ وقراءته صعبة، والناس لا تقرأ الشيء الجاد ونحن شعوب لا تحب القراءة، وهذا أدى إلى انقطاع همزة الوصل ما بين المثقف وبين الإنسان البسيط، مما جعل المثقف ضحية للشارع والشارع ضحية للمثقف، وذلك بسبب انقطاع الصلة بينهما'.
* رؤيتك لهذا الانقطاع الثقافي ولهذا الاستنفار الديني؟ وكيف ترى المستقبل؟
*'بطبيعة الحال، الأقوى هو الذي ينفرد بالواقع، والأقوى بنظر الشارع هؤلاء هم رجال الدين الذين سيأتونهم بالفردوس، ولكن هل هم رجال دين حقيقي أم هم مريدو سلطة؟ وهذا هو السؤال'.
* كيف يمكن تأهيل الإنسان العربي، برأيك؟ من أين يجب أن نبدأ وما هي الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها؟
* 'هذه مسألة لها علاقة بمشروع الحضارة والتي يجب أن تبدأ من مناهج التعليم، فإنسان لم يدرب على أن يقرأ لا يمكن أن يقرأ حتى ولو بلغ من العمر ما بلغ، أقصد أنه إن لم يكن هناك ثورة في المناهج ولم يكن هناك ثورة روحية، وإن لم تنعكس إرادة الحرية ولم تترجم إلى ثورة ثقافية وروحية لا يمكن أن تؤتي النتائج المطلوبة منها. وهذا لن يحدث بين يوم وليلة، هذه سيرورة طويلة يجب أن تلعب بها دور وسائل الإعلام ووزارة التعليم ووزارة الثقافة، وهذا مشروع غير موجود في الواقع العربي. والجامعة العربية لم تتول مهامها في هذا المجال، ويجب علينا الاعتراف بذلك. لا وجود لحلول مفاجئة، وكل الحلول الممكن تحقيقها هي دوما في الحد الأدنى، لأننا نعتقد أننا بالخروج من الشتاء دخلنا الربيع فدفء الربيع صعب وما زال بعيدا ويجب علينا أن نعترف أننا خرجنا للتو من صقيع الشتاء فقط ولكن لم يينع الشجر بعد ولم نر ورودا بعد. إذاً، لا وجود لربيع بعد'.
* أشرت في حديثك إلى ما يعانيه المثقف من إقصاء وتهميش، كيف يمكن الخروج من هذه الحالة حتى يصبح دوره فعالا أكثر؟
*'لا يجب أن نضخم من حالنا، فحالنا هو حال الكثير من الشعوب. لكن من الجميل أن نجرب ونقاتل ونقوم بثورات، فهذا بحد ذاته حياة. المثقف بطبيعة الحال يعاني الإقصاء والحرب من السلطة القومية، ومن السلطة الدينية، والسلطة الدنيوية، ومن الشارع، لأنه لا توجد لغة تفاهم بينه وبين الشارع، وذلك بسبب الخلل في العلاقة الثقافية، لأن الشارع غير مثقف ودرجة الوعي في الشارع هابطة لدرجة كبيرة، لهذا السبب لا يستوعب ولا يتبنى المشروع الثقافي المطروح من قبل المثقفين، على افتراض وجود مشروع. المأساة أن نعتقد أن هذا المثقف يمكن أن يكون فارس الميدان، وفي تاريخ الثورات ثبت أن هؤلاء المثقفين هم ممهدون لثورات ولكنهم ليسوا شهود عيان للثورات، ومن يطلب من المثقفين ذلك كمن يطلب من روسو وفولتير مثلا أن ينزل للشارع كي يساهم في الثورة الفرنسية. هذا لم يحدث أبدا، كانوا ممهدين ولكنهم لم يكونوا شهود عيان أو محرضين، فالمثقف لا يلعب دور المحرض، بل المثقف مشروع ثقافي يجب أن يثبت في عقول الناس لفترة طويلة'.
* أنت بعيد عن ليبيا، ماذا قدمت لها؟
*'أنا لم أترك ليبيا كروح أبدا تركتها كجسد، أنا لدي 75 كتابا لم يقرأ منه الليبيون أي كتاب، في حين قرأها الأروبيون وهي موجودة في مناهجهم وفي مناهج الجامعات اليابانية والأمريكية وفي كل مكان، ولكن لا نجدها في العالم العربي ولا في مناهج ليبيا ولا يقرأها الناس، بينما عندما أقوم بأي نشاط أو دور له علاقة ثقافية أو لغوية بين أوروبا والعالم العربي لا أحد في البلاد العربية يهتم به، وكل النشاط الذي قمت به في دعم ثورة 17 فبراير مجهول نهائيا، في حين أني لم أنم منذ أن قامت هذه الثورة إلى هذا اليوم، وأنا أسافر بين القارات وأحضر كل المؤتمرات. ومن مأساة العالم العربي أنه لا يقرأ لغات أخرى، لذلك في ليبيا هم يعتقدون بأني صامت ولم أشارك بشيء في حين ما فعلته أنا بالنسبة لهذه الثورة فقط في الصحافة الأوروبية لم يفعله أحد آخر'.
* مشاركتك في مؤتمرات عالمية من أجل القضية الليبية، من أي منطلق كانت؟
* 'كانت مشاركتي كمرجع، فالأوروبيون لا يرجعون لأحد بشأن ما جرى في ليبيا إلا لي وكل وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية، ومعرفتي هذه بناء على اتصالاتي بأهلي وأصدقائي بليبيا وفي العالم العربي'.
* إذا كان حكم الاستبداد هو السائد والمنظر، سواء من السلطة القومية أو الدينية، ما هو تصورك لدولة العدالة والمساواة؟
* 'لو رجعنا إلى التاريخ القديم وأفلاطون والمدينة الفاضلة هذه يجب أن يكون فيها حكماء على طريقة صولون، محفل الحكماء السبعة، هذا نموذج للنظام الديمقراطي الحقيقي. الحكمة هي التي يجب أن تسود، والحكمة التي يجب أن تقود العالم. لذلك نجد أن القبائل الصحراوية التي ننعتها نحن اليوم بالتخلف ونعتقد بأنها متخلفة، كان لها نظام سياسي فعال وعادل وأكثر حكمة، بدليل دولة الإمارات التي نراها اليوم بنتها حكمة شيخ صحراوي عادل هو الشيخ زايد'.
* ذكرت رجال الدين والسياسة والمثقفين المضطهدين، أين هم الحكماء إذاً، وخاصة حكماء الأمة؟
* 'أوتعلمين من هم الحكماء؟ الحكماء أولئك من نأتي بهم بالإجبار وليس هم من يتراكضون للحصول على السلطة، بل الهارب والكاره للسلطة هو من يجب أن نأتي به لكي يحكم لأنه زاهد وعدو للسلطة. بالأساس، كما فعل الأثينيون في العالم القديم لصولون حيث أجبروه على أن يحكم فاشترط عليهم أن يضع قوانين لا يغيرونها لمدة عشر سنوات وبالرغم من ذلك عندما قبلوا لم يصدقهم فوضع القوانين وهرب لمصر وبابل لكي يجنب نفسه الحرج معهم، فهو يعرف أن الشعوب ضعيفة وستأتيه ليغير القوانين لكن عندما هرب لمدة عشرة أعوام وعاد وجد أن الناس اعتادوا على قوانين الحكمة التي جعلت من اليونان منارة للثقافة ونموذجا يحتذى به حتى يومنا هذا، إذا الإنسان الفار والكاره للسلطة هو من يجب أن نأتي به للحكم ويقود الناس لا أن نأتي بمريد السلطة لمجرد السلطة'.
* الإعلام يسيطر على الشارع، وأنت كمثقف ومتابع كيف ترى هذا الشارع وإلى أين يسير؟ وهل نحن في ربيع أم نحن نعيش في عواصف، ومتى برأيك ستهدأ هذه العواصف؟
* 'نحن خرجنا للتو من دهليز الشتاء ولم نر الدفء بعد ونحن بانتظار الربيع وكثيرون يظنون أننا سندخل الصيف، لكن هذا وهم فنحن لم نبدأ بدخول فصل الربيع بعد، ويجب أن نتحمل النتائج. فدوما يجيء التغيير داميا وقاسيا ومخيبا للآمال دوما، ورأيي أن كل الثورات التي قامت مخيبة للآمال ولم يسبق أن حققت ثورة ما خلاصا أو سعادة أو جاءت بالحقيقة، فهذا مستحيل. لكن بالثورة يجب أن نحقق الحد الأدنى إن أمكن'.
* قيل لك في أحد اللقاءات: هناك مقولة لنجيب محفوظ تقول الثورة يدبرها الدهاة وينفذها الشجعان ثم يكسبها الجبناء، ما رأيك في ذلك؟
* 'هذه المقولة ليست لنجيب محفوظ بل قالها أحد قادة الثورة الفرنسية، لكن تزييف الصحافة الإعلامية للأمور أمر واقع فهم يخطفون الأمور وينسبونها لمن يريدون، لقد قالها أحد قادة الثورة الفرنسية، وأنا تحدثت أكثر من مرة عما قاله قادة الثورات الروسية والفرنسية وكل ثورات العالم، كلهم قالوا ان الثورات في نهاية المطاف تسقط في يد من يستحقونها ومن لم يدفعوا فيها ثمنا في حين يبقى النزهاء مهمشين ويبقى البسطاء مضطهدين في حين يخرج كل أولئك الجديرون أن يحكموا أو أن ينالوا ويبقون مغدورين، وهذه إحدى مفارقات الثورات'.
* كيف ترى الوضع على الأرض في ليبيا بعد الثورة؟ وإلى أين تمضي الأمور هناك وقد دخلت البلاد في مرحلة صعبة؟
* 'ليبيا مثلها مثل بقية جيرانها، وأعتقد أنه ما زال أمامها مراحل جدا قاسية، والجميع اعتقد أن المجتمع الليبي بسيط ومسالم وبأنه بمجرد أن يزول ذلك النظام سيعود مجتمعا مثاليا، وأنا أركز هنا على مثالي، لكن اتضح غير ذلك وتكشف أن هذا الواقع أكثر تعقيدا، فيه عداوات وأطماع وجشع وإقصاء، وهو ما أدى إلى حروب وهذا شيء خطير قد ينسف البلد بكاملها ويفقدها حتى الحد الأدنى مما قد تجنيه من تغيير'.
* هل تشعر باليأس من قضية الثورة وهل ترى بصيص أمل؟
* 'أنا قرأت التاريخ وتجربتي كبيرة في هذه الحياة وعشت انقلابات وثورات كثيرة، لقد عايشت العهد الملكي وكنت صحفيا، وعايشت انقلاب القذافي والثورة الحالية، وعاصرت انهيار أكبر إمبراطورية في العالم، أقصد انهيار الاتحاد السوفييتي، وعشت في بولونيا تسع سنوات وواكبت انبعاث حركة التضامن التي نسفت المعسكر الاشتراكي بالكامل، وعايشت أيضا الحرب اللبنانية ويوم حادثة الشياح كنت في بيروت حيث كان الجميع يقتتلون، هذه التجارب الكثيرة تمنحني الحق بأن أقول كلمتي وأن لا أتفاءل فالتفاؤل الآن هو نوع من الأحلام'.
* مصر هي العمود الفقري للدول العربية، كيف ترى ثورة مصر وهذا المخاض الذي يعيشه الشعب المصري وتأثيراته على بقية الدول العربية؟
* 'أعتقد بأن ما يقال عن الثورات العربية يقال عن الثورة المصرية، وفي الواقع اعتقدنا بأنها ستكون القدوة بسبب تاريخها العريق وحضارتها وتقاليدها العريقة في كل المبادئ الإنسانية وفي التسامح والتعايش، ولكنها خيبت هذا الظن، الأقليات القبطية والمسيحية والتناحر على السلطة ومحاولة تسخير الدين في كسب مغانم سياسية كل هذا كان له انعكاس سلبي على التجربة المصرية'.
* بالنسبة لما يجري في سورية، كيف تراه وإلى أين سيصل؟
* 'أعتقد أنه عندما يكون النموذج الأول أو المثال خائبا، فإن هذا مبرر جيد لأن يتعرقل النموذج اللاحق'.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.