ذات مفاصلة لم يهرول إلى غير غاية، بل استأنى عن الزحام عند الحوض الروي.. طوع إرادته اختار أزمتئذٍ الانحياز إلى ما اعتبرها (الفكرة).. طفق بعدها ينتقد تجربة الإسلاميين في الحكم بكل جرأة في مقالاته الصحفية وكتبه.. في سفره الموسوم: (الحركة الإسلامية السودانية دائرة الضوء وخيوط الظلام) كانت أبرز ملامح زعمنا. بالعاصمة المصرية التقيناه، وفي حوار شفاف طرحنا عليه العديد من الأسئلة، منها المتعلق بتجربة الحركة الإسلامية في الحكم وأسباب مفاصلة الإسلاميين، مذكرة العشرة الشهيرة وأسبابها كانت حاضرة في حوارنا معه، وتطرقنا معه إلى الأهداف التي جاءت من أجلها الإنقاذ وماذا تحقق منها وعن من الذي هزم المشروع؟ عرجنا معه إلى الاتهام الذي يلاحق الحركة الإسلامية بأنها تعاني من الخواء الفكري وغياب المؤسسية والفكر.. التساؤلات حول إمكانية وحدة الإسلاميين كانت حاضرة في حوارنا، حال الأحزاب السياسية السودانية المعارضة والدعوة إلى إسقاط النظام وربيع الثورات العربية كلها وجدت نصيبها في حوارنا معه، سألناه كذلك عن مصير البلاد بعد (22) عاماً من حكم الإنقاذ وإلى أين تتجه؟ هذه المحاور وغيرها شكلت أبرز معالم جلستنا مع د. المحبوب عبدالسلام، استمع الرجل إلى جميع أسئلة (الأهرام إليوم) ورد عليها بكل طيبة نفس وأريحية وكانت حصيلة ردوده هذا الحوار.. { في ظل التعدد الثقافي والديني الموجود في السودان الشمالي تبدو الدعوة إلى دستور إسلامي كمحاولة لإقصاء الآخر!! - كما قلت لك، وثيقة ميثاق السودان في يناير 1987م نحن نعتبرها إسلامية لإدارة التعدد، في فهمنا للسياسة نحن نعدها عبادة لله سبحانه وتعالى ونكسب بها الأجر وهذا مدخل للسياسة، ولا نريد أن نكون سياسيين؛ نفصل السياسة عن الدين بهذا المعنى، نعلم أن هناك (آخر) وهناك تعددية في السودان نرغب في إدارتها دون أن نظلم الأقليات (المسيحي والجنوبي وغيرهم)، وبذا نقدم نموذجاً للعالم.. إذا قرأت دستور 1998م ستجد فيه حلاً لهذه المشاكل، ويمكن أن نتقدم خطوة أخرى كما حدث في المداولات الأخيرة ب(نيفاشا) في أنه يمكن أن تطبق الشريعة على المستوى الفردي وعلى غير المسلمين لا تسري. دستور 1998م قوانينه كانت لا تمنع المسيحيين من أكل الخنزير وشرب الخمر.. كانت فقط تعاقب المسلم إذا فعل هذه الأفعال، بالطبع نحن نأمل أن يعالج مجتمعنا لوحده هذه المشاكل ويعافيها بغيرما حاجة إلى سلطة. { حسناً: في الدستور الإسلامي الذي تدعون إليه هل يمكن لغير المسلم أن يكون رئيساً للدولة؟ - أكيد.. وأنا كتبت مقالاً وقلت سأصوت لسلفاكير لأنه في ذلك الوقت كان سيحفظ لنا وحدة السودان، واليوم إذا جاء مسيحي أخلاقه ممتازة ويحترم الدستور ويحارب الفساد وصادق في كلمته للشعب وفي وعوده فهذا يكفي، وجاءوا بمسلم سوابقه سيئة جداً وديكتاتور وفاسد وقتل شعبه فبداهةً لن أصوت له..!! { المعارضة متهمة على الدوام بالضعف والتشرذم، بما في ذلك كيانكم (الشعبي)؟ - الأحزاب تم كبتها ولا توجد حرية، إذا وجدت كانت هذه الأحزاب ستعالج مشاكلها ومشاكل قياداتها وأزمة تعاقب الأجيال، والآن يشتكون ويقولون إن الميرغني، الصادق، الترابي ونقد جلسوا طويلاً، لكن التبادل الطبيعي للأجيال والمناصب والخبرات يتم في ظل الحرية!! الآن لا يوجد حزب يستطيع أن يقيم مؤتمراً حراً ويقول فيه كل ما يريد قوله، وإذا كانت هناك حرية فإن التيار الغالب في الحزب سيحمل قيادته حملاً على أن تتوحد ولا تتشرذم، لن تكون هناك أزمة بين (مبارك والصادق) أو أخرى بين (الميرغني وحسنين)، في وجود الحريات فإن جماهير الحزبين ستحل الإشكالات القائمة، و(الشعبي) ليس فيه تشرذم الآن، بل ويبدو متماسكاً في ظل الاضطهاد الذي يمارس عليه، ويمكن عندما يأتي ابتلاء الحرية تحدث به مشكلة قيادة أو هكذا لكن سيتم حلها بلا شك،علينا فقط أن نحترم المبادئ العامة واستيعاب قوانين الديمقراطية القائمة على نزاهة الانتخابات وعلى الشفافية والصدق والمحاسبة وعلى التبادل السلمي للسلطة داخل الحزب، عندئذٍ سنؤسس ديمقراطية رشيدة. { ثمة خلافات داخلية في الأحزاب وتشرذم وخصوصاً في الحزبين الكبيرين (الأمة والاتحادي).. أليس من الظلم تعليق الإخفاقات الداخلية على شماعة الحريات وحدها؟ - أي إنسان من حقه أن يكون له طموح مشروع في أن يكون رئيساً للحزب، لكن هذا الطموح ينبغي ألا يتم فرضه على الناس بالقوة بل يجب أن يأتي عبر أجهزة الحزب لأن هناك آخر ينافسك في نفس الطموح المشروع لكن تأتي بي الأغلبية. غياب أخلاق الديمقراطية يتعذر معه ملاحظة أن بجلوس شخص ما في السلطة لأكثر من دورة أو دورتين أو ثلاث سيصبح ديكتاتوراً مهما كان إيمانه بالحرية، والأحزاب نفسها لا بد أن يحدث فيها تبادل سلمي للسلطة وعذرهم أنهم غير قادرين لأنهم لا يعملون في جو طبيعي يبدلون فيه القيادات ويحاسبون فيه المسؤولين، لذلك يتشرذمون، والديكتاتور نفسه عنده دور كبير في شرذمتهم لأنه «يشتري ناس بالقروش ويغري ناس بالمناصب ويرهب ناس بالسجون». { مواقفكم لم تتبدل تجاه إسقاط النظام على الرغم من أن اللعبة السياسية تحتّم على الدوام تبديل الخطط والتكتيكات تفاعلاً مع الواقع، ما يسميه دهاقنة البوليتيكا ب(فن الممكن).. هل من توضيح في الخصوص؟ - نعم نحن مصممون على إسقاط النظام لأن النظام لم يغير سلوكه، وإذا غير سلوكه جذرياً فهذا يكفيه لأننا سنكون حكومة انتقالية بدل أن نسقطه بمظاهرات وتتطور إلى عنف وهكذا، ويجب أن يكون هناك حل سلمي. { في ظل الظروف الحالية ستكون الدعوة إلى إسقاط النظام في غير مصلحة البلد؟ - والله هو طبعاً الأمر لا يتم بعملية آلية (بين عشية وضحاها) لكن هي عملية، أولاً الشعار يكون واضحاً وعندئذٍ لا ندخل في أي مفاوضات ثنائية مع النظام، وعندئذٍ أية خطوة سلمية للتظاهر والاعتصام والإضراب نحن سنكون معها وهذه جميعها تتبلور في أنها تؤدي إلى إسقاط النظام، لماذا أنا قلت لك إن المؤتمر الوطني عليه أن يسلم الأمر بطريقة الحكم الانتقالي؟ ذلك كي لا تحدث الصراعات، وهناك كلمة جيدة جداً قالها المفكر الفلسطيني عزمي بشارة قال: «الأنظمة العربية تتشابه وجميعها عندها بن علي وجميعها عندها ليلى الطرابلسي وجميعها عندها أحمد عز»، وعندها الأسر الفاسدة وعندها التوريث وعندها جهاز الأمن والاحتكار الاقتصادي وجميعها تتشابه، ولكن تختلف الشعوب، تونس منسجمة وفيها طبقة وسطى وفيها تعليم واستعمال عالٍ جداً للإنترنت، ومصر لا تزال فيها طبقة وسطى ومتماسكة، وليبيا لم يكن فيها وتحاربت قبلياً، واليمن كذلك، أما السودان فمجتمعه لا يزال غير سياسي بالمعنى الذي حدث في مصر وتونس والطبقة الوسطى فيه لم تتبلور واستخدامنا للإنترنت والوسائل الحديثة السلمية هذه غير جيد ودون الوسط بكثير، ولذلك لا يمكن أن تكون الثورة فيه سلمية ونتمنى أن تكون سلمية لأن مجموعة المؤتمر الوطني كفاية عليهم جريمة فصل الجنوب، وأنا أدعوهم إلى أن يتخلوا عن السلطة وهذا الشيء الطبيعي والأخلاقي والإستراتيجي والتاريخي، بعد هذا الفشل يجب أن يقروا ويقولوا مع السلامة للسلطة و»ليس هرم الناس بل هم أنفسهم هرموا في السلطة». { هل تتوقع أن تصل موجة هذا الربيع إلى السودان على حسب قراءتك للواقع؟ - طبعاً.. ستصل إلى السودان وستصل بسرعة، والآن بدأت تصل إلى إندونيسيا والصين ودول خارج الإطار العربي لأن وسائل الإعلام الحديثة أصبحت تربط العالم جميعه، والعالم أصبح قرية واحدة ويتأثر بكل شيء وحتى بالثورات، نحن قريبون طبعاً من مصر وتونس وثقافتنا واحدة وستؤثر علينا جداً هذه الموجة، لكن بعضنا يحمل السلاح وبعضنا لديه إرادة سياسية سلمية وهكذا، لكن في الحقيقة سيحدث هذا التغيير قطعاً. { المؤتمر الوطني أصبح يتحدث عن أن السودان غير محصن من الثورات ومن خلال هذا المنطق بدأوا يدعون إلى (الإصلاح من الداخل)، الدعوة إلى الإصلاح هل تجُبّ التغيير؟ - والله أنا أرى أن حديثهم عن التغيير يأتي نتيجة للتفكك الذي حدث في داخلهم، وهم حكموا عقدين من الزمان وسنتين وهذا يجعل طاقتهم محدودة، وآخرون طاقة الخيال عندهم نضبت مع أن السياسة تحتاج لخيال وحلول وابتكار، وطاقة خيالهم نضبت وتغذيتهم ذاتها أصبحت ضعيفة وأصبحوا لا يقرأون ولا يتناقشون ولا يتحاورون، وبسبب البقاء الطويل في السلطة تعبأوا ضد بعض وأنا متأكد أعسر شيء عليهم أن يجلسوا مع بعضهم البعض، ولذلك كل واحد في عالم لوحده وعندما تحدث مشكلة تجدها وكأنها نزلت من السماء، فجأة أقيل صلاح قوش من الأمن وفجأة أقيل من مناصبه جميعها وكأنها هبطت من السماء، وفجأة نافع يوقع اتفاقية مشهود عليها دولياً يخرج الرئيس ينسف هذه الاتفاقية ونافع يضطر للتراجع قليلاً، والنائب الأول الذي صنع نيفاشا في حالة صمت وجمود وكأن الأمر لا يعنيه، وبعد ذلك جاء قطاع الشباب للوطني ولأنه أكثر صلة بالمجتمع بدأ يتحدث وأغلبهم كانوا قيادات في المؤتمر الشعبي وبدأو يتحدثون عن الفساد، ومن الآن بدأ يدق إنذار الخطر وظهرت بعض الولايات تقول هذا النظام لا يمثلنا وهذه مظاهر تصدع وهذا سيساعد الثورة بالمناسبة، والمؤتمر الوطني إذا بسط الحرية الحركة الإسلامية ستتوحد وهم في داخل أنفسهم سيحدث لهم إنقاذ، وأعتقد أن المؤتمر الوطني يعاني من فقدان الحرية في داخله، والآن مثلاً رئيس مفاوضين مثل غازي صلاح الدين واضح أن سلطاته محدودة والطريقة التي قرأ بها الاتفاقية أوضحت أنه في داخله مهتز وجميعهم مهتزون داخلياً وجميعهم يشعرون بوضعهم وبأنهم ارتكبوا جريمة وقمتها هي فصل الجنوب، والشعب السوداني جميعه في حالة خيبة أمل تشبه خيبة الأمل التي حدثت في العالم العربي بعد عام 1967م وفصل الجنوب أدخل الشعب السوداني في حالة إحباط وهم المسؤولون عن فصله، لعافيتهم عليهم أن يذهبوا ويتنافسوا مع المعارضة وقد يأتون والسودان لا زال عنده أمل في الإسلاميين وقد يأتون مرة أخرى، ولكن هكذا إذا استمسكوا فحزبهم سيتصدع وسيتصارعون وسيضيعون السودان. { التوتر بولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق وفي أبيي، برأيك ما هو التصور الموضوعي المنوط به الحيلولة دون عودة الحرب إلى هذه المناطق؟ - والله لا بد أن يكون هناك مدخل جديد للتعامل مع الحركة الشعبية غير الذي مضى طيلة عمر نيفاشا إلى انفصال الجنوب، وكان الشريكان متشاكسين وانفصل الجنوب، ولكن الحركة الشعبية لا تزال قائمة عندها والٍ في النيل الأزرق ويكاد يكون لها والٍ لولا أن الانتخابات تم تزويرها في جنوب كردفان وعندها وجود في الوسط وفي الشمال عندها قيادة برئاسة ياسر عرمان الذي كان مرشحاً لرئاسة الجمهورية وأحرز ملايين الأصوات، وهذا واقع لا بد أن يتم التعامل معه، وأنا مدخلي للتعامل مع هذه المسألة على المؤتمر الوطني وعلى الإسلاميين عامة أن يعترفوا بأن الحركة الشعبية تيار سوداني أصيل لا بد أن نتعامل معه بطريقة سياسية ونحترم وجوده وفعله في الواقع السياسي لأنهم كانوا شركاء المؤتمر الوطني لفترة خمس سنوات وأن المؤتمر الوطني قبل بنتيجة استفتاء الجنوب، وخطوة أن تذهب بالقوة وتجردهم من سلاحهم هذه كانت خطوة غير موفقة من جانبهم طبعاً، وأنا ليست لدي معلومات ولا أعرف من الذي بدأ الحرب في جبال النوبة وهم يؤكدون أن عبد العزيز الحلو كان يريد أن يحتل عاصمة الولاية وغيرها، ولكن لا توجد لجنة تحقيق محايدة أثبتت هذا أو ذاك لكن على أية حال الحركة الشعبية هي واقع وإذا المؤتمر الوطني بدأ حرباً في جبال النوبة فسينهزم فيها وفي النيل الأزرق الهزيمة ظهرت منذ أيام الانتخابات وهم يمكن جداً أن يمتدوا إلى دارفور، ومن الأفضل طريقة التعامل التي مضت في السنوات الماضية مع الحركة الشعبية أن تختلف. { عطفاً على زيارة الأمين العام إلى القاهرة، هل هناك اتجاه لتطوير العلاقات بينكم وجماعة الإخوان المسلمين مع العلم أنهم من المتوقع أن يفوزوا في الانتخابات القادمة في مصر؟ - طبعاً نحن لدينا معهم علاقات قديمة جداً وقوية وفيها جوانبها الفكرية والسياسية وسنطورها، لكن بنفس القدر وبالمثل سنطورها مع قوى اليسار والوفد ومع أحزاب ائتلافات الثورة ومع الأحزاب الناصرية جميعها ولن تكون مقتصرة على الإخوان ولا نعطي الإخوان ميزة خاصة. { الدكتور المحبوب عبدالسلام قبل أن نشكرك نفسح لك المجال لكلمة أخيرة إذا كانت لديك رسائل تريد أن ترسلها من القاهرة إلى الشعب السوداني؟ - أنا مطمئن أن الشعب السوداني فيه مستوى من النضج جيد وأصبح يعلم ما الأهداف وكيف يختار قياداته السياسية، لكن أنا عندي كلمة واحدة أريد أن أوجهها إلى المؤتمر الوطني، هي (كفاية).