اطلعت على بعض المقالات الصحفية والإعلانات والتصريحات الابتهاجية بالقرارات التي صدرت أخيراً حول وضع الأستاذ الجامعي ومحاولة وقف موجة الهجرة إلى دول العالم المختلفة... وتتلخص أهم القرارات في رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً وانتخاب الجامعة لثلاثة مرشحين لمدير الجامعة يختار منهم رئيس الجمهورية بصفته راعي الجامعة شخصاً ليُعين مديراً للجامعة. أصابتني الدهشة للابتهاج بهذه القرارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولن يلتفت إليها أستاذ جامعي وجد عقد عمل بدولة أجنبية... وشعرت لحظتها بأن الأستاذ الجامعي السوداني في محنة ليس فقط بسبب تجاهل الدولة لأوضاعه وإنما أيضاً بسبب عدم إدراك الأستاذ الجامعي نفسه لمصالحه وكيفية انتزاعها من الدولة والمحافظة عليها... ماذا يعني ذلك؟ ألخص الإجابة فيما يلي:- أولاً: ما قيمة رفع سن التقاعد من 60 إلى 65 عاماً؟ المطلب الذي يجب ان يرفعه أساتذة الجامعات هو إلغاء نظام التقاعد بالنسبة للأستاذ الجامعي... فالقاعدة الذهبية هي أن يستمر الأستاذ الجامعي في العطاء الأكاديمي والبحثي إلى أن يتوفاه الله أو يصبح غير لائق طبياً... ويمكن معالجة مسألة التدرج الوظيفي بوضع كادرين... كادر هيئة تدريس حتى سن التقاعد سواءً أكانت 60 أو 65 وانتقال الأستاذ بعد ذلك إلى كادر آخر خاص بالخبراء والباحثين والمستشارين ويستمر فيه دون تحديد سن معينة... والحكمة في ذلك أن الأستاذ الجامعي تصبح له قيمة أكاديمية وبحثية أعظم كلما تقدم في السن بسبب تراكم الخبرة والمعرفة... فليس من المنطقي أن تستغنى عنه وهو في قمة التراكم الأكاديمي والمعرفي وتحوله إلى عاطل يجلس كالحبوبات بالمنازل. ثانياً: ما هو الإغراء الذي يمثله رفع سن التقاعد من 60 إلى 65 عاماً في ظل جدول راتبي مخجل... فحتى لو قررنا أن سن التقاعد قد ارتفع إلى مئة عام وظلت الرواتب كما هي فلن تمثل حافزاً على البقاء بالسودان... وكأننا نقول للأستاذ الجامعي... أبشر فنحن سنمدد لك ولأسرتك فترة البؤس الاقتصادي والاجتماعي التي تعيشها لتصبح 65 عاماً بدلاً من 60 عاماً... وفي تقديري أن المطلب الراتبي يجب أن يكون محدداً وهو أن يتراوح راتب الأستاذ الجامعي بين ما يعادل 500 دولار شهرياً لمساعد التدريس في بداية السلم إلى ما يعادل 3000 دولار شهرياً للبروفيسور هذا بالنسبة لكادر هيئة التدريس مع بدل سكن يعادل 25% من الراتب وبدل مواصلات وغير ذلك من البدلات المتعارف عليها في الجامعات... أما بالنسبة لكادر الخبراء والباحثين الاستشاريين فيكون بين ما يعادل 3000 و5000 دولار أمريكي مع نفس بدلات كادر هيئة التدريس. ثالثاً: إن حكاية راعي الجامعة هي بدعة شمولية يجب التخلص منها وبالتالي يجب المطالبة بأن يتم انتخاب جميع قيادات الجامعة على جميع المستويات دون تدخل من الدولة... رئيس القسم وعميد الكلية ومدير الجامعة لضمان استقلالية الجامعة علمياً وإدارياً... ويتبع ذلك بالضرورة مطلب حل وزارة التعليم العالي والاكتفاء بالمجلس القومي للتعليم العالي. إن معالجة أوضاع الأستاذ الجامعي وإصلاح التعليم الجامعي لن تتم إلا إذا أدرك الأستاذ الجامعي نفسه بوعي ماذا يريد... فالذي أراه أمامي الآن هو أن الأستاذ الجامعي نفسه في حالة دوار ويكتفي بالحد الأدنى الهزيل ويفرح به... والدولة تتوهم أن هذا الحد الأدنى هو الحد الأقصى المطلوب ما دام الأستاذ الجامعي نفسه قد فرح به... وبين الطرفين يضيع التعليم العالي ويضيع مستقبل الوطن بأكمله. الصحافة