لماذا يقوم محامي يحمل الجنسية الأمريكية بوضع ما يملك من مال وجهد لعقد شراكة مع متطرف عنصري للاستثمار في مشروع إعلامي فاشل شبيه بانتاج مسرحية يمثلها طلبة مبتدئون رغم أنه لا يفقه في أبجديات الإعلام وليس لعمله مردود مادي. الإجابة بكل بساطة لأن المال المستثمر ليس من ماله الخاص ولأنه غير معني بالربح بل معني بتوريد الفتنة لبلد كانت يوماً ما وطنه. هذه الحقائق هي الأقرب للمنطق لوصف تفرغ المحامي القبطي الأمريكي موريس صادق -المصري سابقاً- لإنتاج عمل مشترك مع القس الأمريكى اليميني المتطرف، تيرى جونز، لإنتاج مادة فلمية بعنوان 'محاكمة محمد' بناء على تفسيره الخاص للقرآن، بحيث يشابه محتواه فلم بورن فاضح يستهوي المراهقين، ثم توزيع ونشر الفلم المسيء للرسول الكريم وللإسلام والمسلمين ليتزامن مع تاريخ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. تحدث 'موريس صادق' الذي شارك في انتاج الفيلم المسيء للرسول عبر الهاتف من جحره في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى برنامج 90 دقيقة الذي بثته قناة المحور المصرية مدافعاً عن ما أنتجه، واصفاً قمامته على أنها عمل درامي استنبطه من نصوص الحديث والقرآن، ومدعيا بأنه استعان بمسلمين أثناء كتابة الفيلم الذي صور فيه الرسول كرجل شاذ جنسياً مهووساً بالنساء من كافة الأعمار، غبي وعديم الأخلاق. يبدو أن 'موريس كاذب' لا يعرف أبجديات الإعلام ليطلق على قمامته تعريف العمل الدرامي. وعلى الأرجح أن الأقباط في مصر الذي ادعى بأنه يسعى لتمكينهم من حقوقهم لا يعنون له شيئاً وأن جلّ اهتمامه فرصة للاصطياد في الماء العكر وتسميم مكتسبات المجتمع المصري. وإلا كان قد وظّف إمكانياته 'الإعلامية' لصناعة مادة وثائقية تتحدث عن دور الأقباط الريادي في الثقافة والصناعة والتجارة والسياحة في مصر. أو حتى الاهتمام بمشاركتهم مطالبهم المشروعة بإنتاج مادة توثيقية قانونية معنية بحقوقهم كمواطنين مصريين لهم الحق الكامل في التعبير والمشاركة السياسية وصناعة القرار وكافة الحقوق الأخرى كما لبقية المصريين على أساس أنه رجل قانون وليس بتاجر أفلام رذيلة. وجّه موريس الذي أصرّ على موقفه المسئ للإسلام وللرسول حديثه لمقدمة البرنامج الزميلة ريهام السهلي قائلاً: لماذا تتحدثين العربية؟ وأقول ليكي السبب لأن المسلمين قطعوا ألسنة المصريين المسيحيين الأصليين وأنسوهم اللغة القبطية وأصبحوا يتحدثون العربية'. نسي أنه شخصياً يخاطبها بالعربية وأنه منذ سنوات يتحدث بالانجليزية لأنها اللغة الرسمية للبلاد والعباد والإعلام الذي يتقيأ من خلاله كراهيته، والذي احتاج تلك اللغة ليصل إلى مبتغاه من إشعال نيران الفتنة الطائفية. ملاحظات موريس استفزت المهندس عاصم عبد الماجد عضو مجلس شورى الجماعه الإسلامية، ففقد اتزانه وحصل المرجو من مشروع موريس لإشعال الفتنة الطائفية حين قال عبد الماجد : موريس صادق إنسان غير محترم وأقول له : 'لعنة الله عليك يا ابن الفاجرة' رغم إساءة موريس صادق إلى المصريين جميعاً وإلى المسلمين حول العالم، نجح باستفزاز شخص في منصب عضو في مجلس شورى الجماعة الإسلامية بدرجة أخرجته عن حدود أدب الحوار واستخدام شتيمة طالت شخصاً ليس طرفاً في الموضوع وهي والدة موريس صادق. وهذا أمر مرفوض تماماً بغض النظر عن أي اعتبارات وليس له أي مبرر على الإطلاق، وهذا الرد يدل على رعونة وتسرّع وسوء تصرّف. قال المفكر جمال أسعد في مداخلته الهاتفية مع البرنامج بأن ما فعله موريس صادق سخافات وأن الإسلام والمسيحية أكبر مما فعله موريس صادق، مشيرا إلى أنه قد أسقطت عنه الجنسية المصرية وأنه ليس بوصي على مصر. وأضاف قائلا: حينما يخطيء شخص مثل موريس في الإسلام أو نبي الإسلام فليس معنى هذا أن المسيحية هي التي أخطأت بل هذا الشخص لا يعبر إلا عن نفسه فقط ولا يعبر بأى حال من الاحوال عن الكنيسة المصرية والأقباط. أكدت الزميلة السهلي في البرنامج أن موريس يستحق ما يقال عليه من سباب، وأن الفيلم ليس مجرد سخافات كما وصفه د. جمال أسعد بل أكثر من ذلك وأفظع وفيه إساءات لا تغتفر لأنها شاهدت الفلم شخصياً. نعود للتساؤل مجدداً. لماذا يقوم شخص يدعي الاهتمام بأحوال المصريين الأقباط وحقوقهم، بالاستثمار في صناعة مادة إعلامية تافهة المستوى والمحتوى، لتشويه سمعة رسول تزوج قبطية وأنجب منها؟ الجواب، لأن الفتنة مشروع تخريب بكافة المقاييس، وما 'كاذب' إلا مجرد أداة، لا يمتلك من الذكاء أو الوطنية أو الفطنة ما يكفي لمعرفة أن أقباط مصر ليسوا بحاجة لمساعدة هارب تركهم ليناضلوا ويطالبوا بالإصلاح وحقوق المواطنة الكاملة بينما اكتفى بهزّ وتد إبليس عن بعد. موريس الذي دعا إسرائيل لاحتلال مصر، ودعا الغرب لفرض الحماية الدولية عليها، والذي هاجم الكنيسة المصرية، ووصف البابا شنودة بالمهرطق.. والأنبا بسنتى ب'المجنون'، وهنأ إسرائيل بذكرى النكبة، وأشاد بضرب أسطول الحرية، لا يمثل أخلاق أقباط مصر الوطنيين الصامدين بأي حال من الأحوال. مقتل السفير الأمريكي في ليبيا وتغطية بي بي سي من توابع زلزال الفلم المسيء مقتل الأبرياء. اليوم 12 من سبتمبر 2012 انشغلت نشرات بي بي سي العربية بتغطية مكثفة لخبر مقتل السفير الأمريكي وثلاثة موظفين آخرين في بنغازي. نقلت الشاشة صورة السفارة التي أضرمت فيها النيران من قبل من قيل أنهم محتجين على إنتاج الفلم الأمريكي المسيء للرسول الكريم. في ذات الوقت كان يمر أعلى شريط النشرة خبر مقتل أكثر من 100 شخص قضوا احتراقاً في مصنع في كراتشي دون أي تغطيات إضافية أو استضافة كمعقبين كما هو في حال خبر احتراق السفارة في ليبيا. قالت أثناء نشرة الثانية عشرة ظهراً الزميلة مذيعة 'بي بي سي' في وصف سبب الاعتداء على السفارة أن المعتدين 'اعتبروا' الفلم مسيئاً للنبي. في الواقع أن الفلم المذكور مسيء جداً ليس فقط للنبي وللإسلام والمسلمين، بل ولجميع البشر المتحضرين الذين يؤمنون بحرية الاعتقاد واحترام الآخر من جميع الثقافات. ولا يوجد بأي حال من الأحوال مبرر إعلامي أو لغوي لاستخدام مفردة 'اعتبروه' للإشارة إلى أن هناك احتمال شك في أن الفلم مسيئاً من وجهة نظر البعض فقط. كما استضافت الزميلة نائب السفير الليبي في لندن، السيد أحمد جبريل، ليعقب على الأحداث بعد عرض تقرير مصور لعملية الاعتداء على كادر السفارة. بدأ جبريل مداخلته مشكوراً بتصحيح معلومات العاملين في قناة البي بي سي الذين عرضوا في التقرير صورة للسفير الأمريكي السابق بدلاً من كريس ستيفينز، السفير الذي قضى أثناء الأحداث. بالنسبة لمن ماتوا حرقاً في كراتشي ومن ماتوا في السفارة الأمريكية فجميعهم ضحايا لكن سبب عدم مساواة دماء أربعة أمريكان بما يقارب من 100 ضحية من كراتشي من ناحية إعلامية يعود إلى سبب الموت. إذ أن قتلى السياسة يحتلون مساحة اهتمام أكبر بكثير ممن يموتون بغيرها، لأن لهذا النوع من الموت يحصل مع سبق الإصرار على الجريمه وله ارتدادات مخيفة، تتناسل منها الفجيعة لتصبح الأكفان أكثر من أن تعد أو تحصى، وتنطلق الكراهية من عقالها لتدوس سنابكها جميع من يصادفونها في الطريق دون تمييز أو رحمة. من المؤكد أن الرد على انتاج فلم مسيء بقتل الديبلوماسيين وحرق مباني السفارات والقنصليات التي تيسّر أعمال المواطنين من حضارتين تسعيان إلى التقارب هو أمر في غاية البشاعة والغباء ودليل على انعدام عنصر الإيمان. إذ لا تزر وازرة وزر أخرى. إذ ما علاقة شخص دبلوماسي يؤدي مهامه كموظف، بشخص مختل مشحون بالبغضاء أنتج فلماً قبيحاً بكافة المعايير. يقاس تحضّر الأمم بمقدار استبدالها أدوات الهمجية بأدوات الحوار والقانون لاسترداد الحق ومن الجاني بالذات، لا من أبناء بلده أو من أبناء البلد الذي آوى ذلك المجرم. كان الأجدر بمن قاموا بهذه الجريمة البشعة رفع دعوى قانونية على منتج العمل وجميع من شاركوا في تنفيذه وترك الأمر للقضاء ليحسم الأمر بدلاً من الاقتصاص من أبرياء ليس بينهم وبين المجرم صلة ولا حتى قرابة دم. من اقتصوا من السفير الأمريكي وثلاثة موظفين أبرياء هم بلا شك أشخاص في غاية الرعونة والجهل، وهذا لا يعفيهم من العقاب. لكن الأشد غرابة قيام إعلامي يدعى أبو إسلام، وهو رجل يمتلك قناة فضائية تدعى 'الأمة'، بالإساءة إلى الكتاب المقدس وتمزيق الإنجيل والتهديد بالتبول عليه في استعراض مخزي أمام السفارة الأمريكية في القاهرة كرد على الفلم المنتج. إن مثل هذا العمل المشين نرفضه كمسلمين وكإعلاميين وكعرب وبكامل قوتنا، ونتوقع من الجهات المعنية والمسؤولة عن الإعلام المصري نزع ترخيص مشروع هذا الشخص وتحجيمه كإعلامي ومنعه من إدارة أي مشروع إعلامي لأن ردة فعله تنم عن تصرفات إنسان أرعن يفتقر إلى حس المسؤولية وإلى احترام الديانات الأخرى بما فيها ديانته التي تحض على التأدب في الحوار والتنزه عن الخطأ واحترام الكتب المقدسة وعدم إصابة الآخرين بالضرر نتيجة إتيان فاسق بنبأ دون تبيّن. إن ما تلفظ به هذا الشخص علناً من تهديدات تدل على عدم صلاحيته للانضمام إلى كادر الإعلاميين لما للإعلام من دور خطير في استقرار الأمن ووأد الفتن وحماية الأبرياء والتزام الحيادية والمنطق والعدل وعدم التورط بشحن الآخرين عاطفياً أو الوقوع فريسة لنوبات الغضب الشخصية حين يساء إلى الوطن أوالعقيدة ومعالجة الأمر بحكمة. كذلك الأمر نتوقع من الحكومة الأمريكية حقن الدماء وذلك باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمعاقبة جميع المشاركين في إنتاج الفلم، لأن محتواه المسيء يتعارض مع جميع القيم التي تنادي بها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذه هي فرصتها لإثبات بأنها تقول ما تفعل، وأنها معنية حقاً باستتباب الأمن في الشرق الأوسط، وبأنها لا تقوم بحماية مواطنيها من المجرمين الذين يشكلون خطراً ليس على المجتمعات الأخرى فقط، بل وعلى مواطنيها الأمريكيين الذين يعملون في الخارج وفي بعثاتها الدبلوماسية. كاتبة من فلسطين القدس العربي