وتسوقني الاقدار لحضور حفل غنائي تغني فيه فنانة من فنانات (الديكور)...اللاتي يهتممن ب(قصات) شعرهن...و(لون قرنية) عيونهن وطلاء (أظافرهن) اكثر من اهتمامهن بالمنتوج الفني والاغنيات التى يقدمنها لمستمع هدت (قواه الذوقية) صولات (الورا ورا)...واغنيات (الكايلانكس) الورقية...والتى تنتهي بمجرد إستخدامها لمرة واحدة. وشعرت ب(غبينة) في دواخلي وأنا اشاهد بعض (الهبنقية) وهم يرقصون أمام تلك المطربة (الوهمية) والتى صنعتها بعض الاقلام (الصفراء)، ويمنحونها الاحساس بأنها (أم كلثوم) زمانها...بينما همست لصديق يجاروني وقلت له بإستياء: (هسي عليك الله الناس ديل برقصوا لي شنو يعني.؟) فرد عليَّ بعد أن جذب منديلاً ورقياً -يشابه الاغنية التى تقوم بأدائها في تلك اللحظة- من داخل ذلك الصندوق الانيق الذى امامنا وقال ببساطة: (يااستاذ..ديل كلهم مكسرين)...وقبل ان استفسر عن عبارة (مكسرين) تلك، وعن امكانية (تجبيص) مشاعر اولئك (الهبنقية)..واصل سريعاً: (ياخي انت قايل الغناء زي زمان ولاشنو..الزمن اختلف ياحبيبنا...والفنان بقى بيتصنع صناعة)..!! ألجمتني عبارة ذلك الصديق...فحبست بداخلي كمية مهولة من الاسئلة...وغادرت المكان وانا احاول تشريح اجوبته تلك، فلم أجد غير مزيد من الاسئلة...ولعل ذلك كان ادعى لي أن اتناسى كل تفاصيل تلك الامسية (المهببة) وأصعد لإحدى المركبات العامة في طريقي للمنزل...لأتفاجأ بسائق المركبة العامة يدير جهاز تسجيلاته وينطلق بعدها صوت الفنانة (نانسي عجاج) داخل المركبة العامة وهي تغني اغنية (اندريا)...تلك الأغنية التي كانت بمثابة (بنج) كامل لكل الركاب...حتى (الكمساري) كان يدندن مع تلك المطربة الاغنية بمزاج عالٍ وبحفظ متقن برغم تعقيدات كلماتها الغارقة في التراث. وصلت لمنزلي...ولاتزال الاسئلة تحاصرني بشدة...لكن الغريب انها فجأة تجمعت واصبحت سؤالاً واحداً فقط وهو: (لماذا تغيب فنانة مثل نانسي عجاج في الزمن المتاح لها والذى صمم خصيصاً لتربعها على عرش الاغنية السودانية..؟؟)...وهو سؤال ربما لن تجيبنا عليه الا نانسي، وربما لن تجيبنا عليه، في ظل تهتك حروفه مابين الساعات التى تفصلنا عنها والمسافات الطويلة مابيننا وبينها. جدعة: (مسخرة) حقيقية أن تجد (فاقدات الموهبة) كل ذلك البريق...ولاتجد فنانة حقيقية مثل نانسي القليل من الإنصاف...و(سخرية) عارمة تتملكنا عندما نشاهد أحدى مطربات (الديكور) وهي (تنشذ) في مطلع كل أغنية...أو تخذلها حنجرتها (الناشفة) في الصعود لأحد السلالم الغنائية العالية، فتكتفي بالابتسامة للجمهور وتمد نحوه المايكروفون لتواري سوءات حنجرتها، والغريب أن الجمهور يتفاعل معها..!!!! لسعة: لم نحافظ على نانسي عجاج ولم نبد اي حرص على اثنائها عن قرار الهجرة...تركناها تغادر البلاد والساحة الفنية في امس الحاجة اليها...ودعناها بمناديل الوداع...ومحطاته لاتزال بعيدة الوصول لتجربتها التى اعادت للاصوات النسائية ولمملكة الغناء النسوي البريق والهيبة...تركناها تذهب...ونحن أحوج مانكون لها...وتركنا فاقدات الموهبة (يسرحن ويمرحن) في ساحة فنية بلا رقيب أو حسيب. شربكة اخيرة: عذراً نانسي عجاج...فنحن اصبحنا نستمع (بأعيننا)..!! السوداني