مرحلة جديدة حول «أبيي» بدأت ملامحها في الظهور، ملامح تحمل في تفاصيلها السيناريوهات المحتملة، بعد أن عجزت مباحثات أديس ابابا الماضية في فك طلاسم الملف. . . فقرار ارجاء مناقشة القضية في تلك الجولة حسب مراقبين كان بمثابة النقطة التي دخلت عبرها «أبيي» في دهاليز المنظومة الدولية عبر آلياتها التي كانت جزءا من الاتفاق والتحاور، وهو أمر فسره طرفا التفاوض كل حسب موقفه وما يملك من حجج وبراهين تدعم موقفه، فالحكومة السودانية اعتبرت حينها أن تأجيل الملف يصب في مصلحتها، لاعتبارات كثيرة من بينها أنها أفلحت في فصل القضية عن باقي القضايا المسماة بالعالقة، حيث وصف القيادي بالوطني الديردي محمد أحمد ما حدث في اديس ابابا بشأن أبيي بالفأل الحسن. . . ففصل الملف عن جسد القضايا الاخري، كان يمثل هاجسا يقلق مضاجع الكثيرين سيما المشفقين على مستقبل علاقة البلدين، بينما كانت تنظر حكومة الجنوب لذاك التأجيل من منظار مختلف مستصحبة معها مواقفها القوية داخل المنظمة الأممية وتسند رأسها في «مخدة» التعاطف الذي توليه بعض الدول المؤثرة للدولة الوليدة. . . وهذه المعطيات اضافة الى التطورات الاخيرة تمثل منعطفا في مسار قضية أبيي، اذا أخذنا في الاعتبار ان الملف اصبح بين يدي الاتحاد الافريقي صعودا الى مجلس الأمن. . . وهو ما كان واضحا طيلة ايام الاسبوع المنصرم عبر تصريحات ممثلين دوليين، بدءا بسوزان رايس ومرورا بآخر حديث قاله المبعوث الروسي ميخائيل مارغيلوف عقب عقب لقاء جمعه بالرئيس البشير، والتي كشفت فيها عن مواقف الخرطوم على مقترح يفضي الى تقسيم أبيي. الواقع يقول ان المقترح ليس بجديد طرح من قبل في جولات سابقة ورفض أيضا، وتمت اعادته في الجولة الماضية ضمن ستة مقترحات أخري، بحسب عضو وفد التفاوض د. الزبير أحمد الحسن الذي قال ل«الصحافة» امس ان المقترح كان موجودا وقبله وفد السودان في اطار البحث عن حلول ولكن رفضه وفد الجنوب مما دعا بالسودان الى العودة والتمسك ببرتوكول أبيي. . . . غير ان هناك ثمة اشارات تبدو خفية، تريد الأطراف الدفع بها ربما بقصد تحريك مياه الملف حتى لا يصيبها السكون، واعطاء خطوط عريضة للمسار الذي يجب ان تسلكه عربة أبيي في سبيل الوصول لمحطتها النهائية، هذا اذا أخذنا في الاعتبار المحطة القادمة التي سيقدم فيها الوسيط الأفريقي ثامبو امبيكي تقريرا حول اخر المستجدات الى مجلس السلم الأفريقي قبل أن يرفعه لمجلس الأمن الدولي في غضون الأيام المقبلة، علما بان الرجل سيطوف على عاصمتي البلدين»الخرطوموجوبا» قبل ان يتخذ خطوته تلك، لتجميع اخر مواقف الطرفين، وهنا يمكن قراءة أهمية الحراك الذي اشرنا لملامحه آنفا، والذي يمكن تفسيره من منطلق ان أطراف التفاوض ومعهم الداعمون والوسطاء يحاولون اطلاق بالون الاختبار في الهواء لقياس مدي صعوبة الملف ومداخل الحلول، وهذا ما أكده مصدر حكومي تحدث ل«الصحافة» امس عندما قال ان تداول المقترحات حول أبيي ومحاولة اظهارها من حين لاخر، القصد منه تلمس مواضع الأقدام وتحسس اتجاهات رياح الحلول، وضرب المصدر مثلا بما ورد على لسان «مارغيلوف» حول مقترح التقسيم، وقال المصدر ان الرئيس أكد للمبعوث الروسي بان السودان لديه استعداد لمناقشة كافة الخيارات والمقترحات المطروحة والرؤية المستقبلية لكنه لم يقطع بان التقسيم هو الخيار الحالي الذي رست عليه سفن الخرطوم». واحدة من السيناريوهات المتوقعة ان يصدر مجلس الأمن قرارا نهائيا في قضية أبيي، بناء على ما يقدمه مجلس السلم الأفريقي الذي يستند بدوره على تقرير امبيكي، وانطلاقا من هذا فان طرفي التفاوض يحاول كل منهما التغلغل داخل مواقع القرار في المنظمة الدولية، وفي هذا فان الكروت المتبقية للطرفين تتمثل في كسب تأييد اكبر قدر من الاعضاء الدائمين في المجلس لدعم مواقفهما، ويبدو ان هذا هو الخيار الافضل للجنوب باعتبار ان دولا كثيرة على رأسها امريكا يمكن ان تساند جوبا في موقفها ضد الخرطوم وهو واقع ماثل منذ سنوات خلت، فكبير مفاوضي دولة جنوب السودان باقان اموم قال ل«الصحافة» امس ان موقف بلاده رفض مقترح التقسيم وتتمسك بمقترح الوسيط الأفريقي حول أبيي، وأضاف باقان» اذا كانت روسيا لديها مقترح او انها تدعم مقترح التقسيم فيجب ان تطرحه عبر الآليات الموجودة». بينما يتجسد السيناريو الاخر في محاولة الطرفين تدعيم مواقفهما بالحجج المقنعة عبر التسلح بالمعلومات المؤكدة والمستنبطة من واقع المستندات وهذا هو الخيار الذي ترمي اليه الخرطوم حيث توقع المصدر الحكومي ان يجد مقترح التقسيم دعما كبيرا من المجتمع الدولي لجهة انه سيضمن على الاقل عدم عودة المنطقة الى نزاع جديد، وهذا لن يتوفر في أي حلول اخري بما فيها الاستفتاء، على حد تعبيره، واشار المصدر الى ان الخرطوم تنوي مناقشة هذا المقترح مع امبيكي في زيارته المقبلة، بينما يقول عضو وفد السودان د. الزبير أحمد الحسن ان السودان سيؤكد في موقفه بانه ليس ضد اجراء الاستفتاء ولكن لن يقبل أي تغيير في الاسس التي تم وضعها والتي تؤكد بان أبيي شمالية وخاضعة للقانون الدولي، ويضيف الزبير»ولكننا سندافع عن الموقف الاهم وهو الذي اشار اليه مجلس الامن والمتعلق باكمال الاجراءات المؤقته حول ادارية أبيي والذي رفضه الجنوب باعتباره المرحلة الاولي لحل الأزمة بصورتها النهائية» الصحافة