تونس تراقب حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية الدعوات التي أطلقتها قوى سياسية ومدنية تونسية من أجل رفع الشرعية عن سلطاتها بانتهاء يوم الثلاثاء 23 اكتوبر/تشرين الاول، بخوف شديد. وقال أحد المعلّقين السياسيين التونسيين إن حركة النهضة التي راكمت على مدى السنة المنقضية من أعداد خصومها، تشعر وكأنها ستواجه في هذا اليوم الموعود، انقضاء أجلها ويوم قيامتها، في آن واحد. ويعتبر قسم كبير من المعارضة التونسية ان شرعية الحكومة المكونة من أحزاب النهضة (اسلامي) وحزب المؤتمر (يسار قومي) والتكتل (يسار وسط)، تنتهي الثلاثاء بموجب القانون وبموجب التزام أخلاقي من الأحزاب الثلاثة. ونتيجة لهذا الموقف الجماعي، عزز الجيش التونسي الإثنين انتشاره في مواقع "حساسة" في البلاد تحسبا لوقوع أعمال عنف الثلاثاء، تزامنا مع مرور عام كامل على اجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المكلف بصياغة دستور جديد. وتم تعزيز الحضور الامني امام المباني الرسمية على غرار وزارة الداخلية في شارع بورقيبة حيث نصبت امامها اسلاك شائكة. وقال العميد مختار بن نصر المتحدت باسم وزارة الدفاع "تم منذ السبت نشر تعزيزات عسكرية بالعاصمة وداخل جهات الجمهورية (...) في إطار مخطط انتشار وقائي لطمأنة المواطن ومجابهة أي طارىء وذلك الى غاية انتفاء الحاجة لذلك". وأضاف ان الهدف من هذه التعزيزات هو "تأمين بعض النقاط الحساسة كالمصارف والمنشآت الحكومية (...) الى جانب بعض السفارات". ويقول مراقبون إن الحكومة التونسية، ورغم تصريحات أعضائها بأنهم لا يشكون في أن يوم 23 اكتوبر/تشرين الأول سيمرّ بشكل عادي وسلس، لم تنجح في كتمان حالة الفزع والرعب التي تنتابهامن امكانية خروج أعداد هائلة من التونسيين في عصيان مدني شامل، لن ينتهي إلا بإذعانها لمطالب تشكيل حكومة جديدة لا تتقلد فيها النهضة مسؤولية ما يصطلح عليها بالوزارات السيادية للدولة، مثل وزارة الداخلية والعدل والخارجية. وتطبق تونس حالة الطوارئ منذ بداية كانون الثاني/يناير 2011 وفرار بن علي الى السعودية بعد ثورة شعبية غير مسبوقة على نظامه. لكن معارضين وناشطين لا يأبهون لهذا الوضع الأمني في البلاد، دعوا على شبكات التواصل الاجتماعي الى الخروج في تظاهرات الثلاثاء ل"إسقاط" الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية. وكانت هذه الشبكات قد اسهمت بشكل رئيسي في حشد الشعب التونسي وراء مطلب "ارحل" الذي رفع في وجه الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. ويعتبر هؤلاء النشطاء أن "شرعية" الحكومة "تنتهي" الثلاثاء لأن 11 حزبا بينها حركة النهضة، تعهدت في وثيقة وقعتها في 15 أيلول/سبتمبر 2011 ألا تتجاوز مدة عمل المجلس التأسيسي سنة من تاريخ انتخابه. وطالب بعض هؤلاء بتسليم الحكم الى الجيش الى حين تنظيم انتخابات عامة. وفي وسط العاصمة التونسية، تجمع اكثر من الف شخص الاثنين للتنديد بانحراف السلطة التي يهيمن عليها الاسلاميون الى الاستبداد وبالعنف السياسي بعد ايام من مقتل معارض. وجمعت الجبهة الشعبية (ائتلاف 12 حزبا قوميا ويساريا) انصارها بداية في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة. وهتف المتظاهرون "الشعب يريد اسقاط النظام" و"خبز حرية كرامة وطنية" وهي من الشعارات التي رفعت ابان الثورة التي اطاحت زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير 2011. كما جمعت ثلاثة احزاب اخرى (نداء تونس والحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي) مئات من انصارها في الشارع ذاته للتنديد بالعنف السياسي والدعوة إلى حلّ المجالس التي يطلق عليها " مجالس حماية الثورة. وتأتي هذه التظاهرات بعد ايام من مقتل مسؤول محلي في حزب نداء تونس اثناء مواجهات مع انصار الاسلاميين الذين يقودون الحكومة. وفي خطوة اعتبرت تصعيدا جديدا في ساحة متوترة، رفض راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس حل "الرابطة الوطنية لحماية الثورة" (جمعية غير حكومية) بعدما قتل محسوبون على الرابطة ناشطا سياسيا معارضا في تطاوين (جنوب شرق) الخميس. وصرح الغنوشي في مقابلة مع اذاعة "موزاييك إف إم" الخاصة بأن المنتمين الى الرابطة "هم الذين صنعوا وقادوا الثورة" التونسية التي اطاحت في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وان الرابطة "استمدت شرعيتها من نضالها" و"لا احد له الحق في إنهاء هذه الشرعية". والخميس قتل لطفي نقض منسق حزب "حركة نداء تونس" في تطاوين، إثر تعرضه الى اعتداء خلال تظاهرة نظمها فرع الرابطة الوطنية لحماية الثورة بالمنطقة. وتعتبر الرابطة حزب "حركة نداء تونس" الذي يترأسه الوزير الاول السابق الباجي قايد السبسي، امتدادا لحزب "التجمع" الحاكم في عهد بن علي وتعتبره من القوى "المعادية" للثورة. والجمعة أعلن الرئيس التونسي في مقابلة مع التلفزيون الرسمي أن حوالى 200 شخص اعتدوا بالضرب على لطفي نقض الذي قال انه تم "سحقه" تحت الاقدام في عملية "إعدام تعسفي". واعلن الباجي قايد السبسي رئيس حزب حركة نداء تونس في مؤتمر صحافي الجمعة أن مقتل لطفي نقض كان "أول عملية اغتيال سياسي" في تونس بعد الثورة. واتهمت احزاب معارضة الرابطة الوطنية لحماية الثورة بممارسة "الارهاب" و"العنف السياسي" وطالبت بحلها. وتعتبر احزاب معارضة أن الرابطة الوطنية لحماية الثورة ذارع لحركة النهضة وأنها مكونة من "ميليشيات" تأتمر بأمر الحركة وهو ما تنفيه النهضة باستمرار. وفي حزيران/يونيو 2012 حصلت "الرابطة الوطنية لحماية الثورة" على تأشيرة قانونية من الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة. وقال محمد معالج رئيس الرابطة الوطنية لحماية الثورة في مؤتمر صحافي الاثنين "من يطالب بحل الرابطة، فهو يطالب بحل الشعب التونسي، والشعب التونسي عصي عليه". وفي مركز ولاية قابس (جنوب) غير بعيد عن تطاوين أين قتل مسؤول نداء تونس، استخدمت قوات الامن قنابل الغاز المسيل للدموع وأطلقت الرصاص في الهواء لتفريق مئات من المتظاهرين حاصروا مديريتي الشرطة والحرس التي تشهد منذ 17 الحالي احتجاجات اجتماعية. وحاصر نحو 800 شخص من سكان حي محمد علي بمعتمدية قابسالمدينة، مديريتي الشرطة والحرس الوطني طوال ساعتين لمطالبة السلطات بفتح تحقيق في "تجاوزات" لرجال أمن قالوا إنهم "أفرطوا" في استخدام القوة وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع عند تعاملهم ليلة الاحد مع متظاهرين لم يلتزموا بحظر للتجول. وفرضت وزارة الداخلية منذ الاحد حتى أجل غير مسمى، حظر تجول يبدأ التاسعة مساء (الثامنة ت. غ) وينتهي الرابعة صباحا (الثالثة ت. غ) في معتمديات قابسالمدينة، وقابسالجنوبية، وقابسالغربية، وغنوش التابعة لولاية قابس. وطالب المحتجون وزير الداخلية علي العريض، القيادي البارز في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، بالاعتذار لسكان محمد علي وبفتح تحقيق في "تجاوزات" أعوانه، رافضين قبول اعتذارات من مدير اقليم شرطة قابس. وقررت المندوبية الجهوية للتربية التابعة لوزارة التربية التونسية إغلاق المدارس وسط مدينة قابس تحسبا لاستمرار اعمال العنف. وضربت عناصر من الحرس الوطني بالهراوات، مصور تلفزيون "الحوار" التونسي الخاص، وحطمت الكاميرا التي كانت بحوزته وانتزعت منها شريط فيديو، بعدما صور عناصر الحرس وهم بصدد إطلاق النار في الهواء وقنابل الغاز على المتظاهرين. وقال مصدر طبي في مستشفى قابس ان المصور أصيب بتمزق عضلي في ساقه اليسرى وبكدمات في جسمه جراء الضرب. وأثرت التجاذبات السياسية، زيادة على ظهور الاسلاميين المتطرفين، على الوضع الاجتماعي والامني في تونس، حيث تتزايد الاحتجاجات وأعمال العنف المتقطعة، عشية الذكرى الاولى لاول "انتخابات حرة في تاريخ تونس". واختار التونسيون في هذه الانتخابات اعضاء مجلس وطني تأسيسي لصياغة دستور جديد للبلاد، غير ان هذا المجلس فشل في القيام بمهمته في الفترة الزمنية المخصصة له، والتي تم تحديدها بسنة واحدة. وهو ما ترتب عنه كل هذا الصراع المحتدم بشأن شرعية السلطات التونسية الحاكمة.