منذ وصول الحركات الإسلامية إلى الحكم في بعض البلاد العربية، التي عمها الربيع العربي،تتعالى أصوات من هنا وهناك، مندرجة تحت مسارين : إما مسارالكراهية لتلك الحركات، أو الرغبة في توريطها في قضايا، من شأنها القضاء عليها، قبل أن تسجل شهادة ميلادها في قيادة تلك الدول. أما فيما يخص المسار الأول، فإن كراهية مَنْ يدعون أنفسهم أنهم كُتَّاب ومفكرون وصحفيون، لتلك الحركات الإسلامية، لا تبعث على الاندهاش ؛ فهم تخرجوا من مدارس العلمانية، التي تنطوي على خواء روحي رهيب، وتربَّوْا على مائدة القوميين والبعثيين، الذين زرعهم الاحتلال الأجنبي، بعد جلائه عن العالم العربي، ليحكم من الخارج . أما أصحاب المسار الثاني، فهم يرددون نغمة، يلوكونها دائما بألسنتهم لتوريط تلك الجماعات، فيما يئدها في مهدها. وتتمثل هذه النغمة في فكرتهم (موقف الحركات الإسلامية من إسرائيل). وأقول لهؤلاء ولمن على شاكلتهم: إن من أولى الإشارات التي تدل على فساد الفكر، التوقيت الذي يخرج فيه هذا الفكر . لقد عاش العالم العربي في الفساد، ردحا من الزمن، فيما يزيد عن ستة عقود، واستطاع حكامه في هذه المرحلة، أن يغيبوا شعوبه عن هويتهم وثقافتهم وأصولهم، بترديهم في أحضان الغرب وتسبيحهم بحمده، سواء المعسكر الشرقي أو الغربي. وأعتقد أن هذا لا يخفى على عاقل. أما الأوطان بما فيها من مقدرات، فقد عمها الفساد في مكونات حياتها شتى، بأن أصبحت هذه المقدرات حكرا لهؤلاء المفسدين . والآن ماذا تفعل الحركات الإسلامية، التي استلمت البلاد العربية، قطعا من الرماد، داخليا ممثلا في: الفكر والعلم واالاقتصاد والاجتماع والسياسة ...إلخ، وخارجيا ممثلا في انحطاط الكرامة العربية، وتهميش المجتمع الدولى للبلاد العربية، في أعلى منظماته: مجلس الأمن والأمم المتحدة. أيتصور عاقل أن هذا الفساد الموروث في المجالات المختلفة للحياة، على مدى هذه العقود، يمكن له أن يتحول إلى صلاح بين عشية وضحاها ؟. أفي هذا الوقت نطالب الحركات الإسلامية التي لم تثبت أقدامها بعد بإعلان معادتها لإسرائيل، والدخول معها في مشكلات، في حين يظل ظهرها مكشوف بوطأة هذا الفساد؟ هل استقرت الحركات الإسلامية في الحكم بعد ؟. في مصر على سبيل المثال، والموجه إليها اللوم دائما، ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين، هل يوجد مجلس شعب، أو مجلس شورى، حتى الآن ؟. ناهيك عن كبرى المشكلات التي تواجه رئيسها، وعلى رأسها وضع العراقيل أمامه، من ذيول الحكم البائد، رغبة في إخفاقه. وفي بقية الأقطار العربية، هل استقرت الأمور في ليبيا وتونس واليمن ؟، بل والمخزي، هل رحل النظام السوري عن سماء سوريا ؟. أتترك الحركات الإسلامية هذا النظام اللعين في سوريا، وتتجه إلى إسرائيل؟ ما هذا الفكر ؟. في حالة واحدة، يمكن أن نؤمن بما تذهبون إليه، أن تتحول معظم ولا أقول كل الحكومات العربية إلى حكومات إسلامية، وتنهي مشكلاتها الداخلية والخارجية، وتصل إلى مرحلة الاستقرار، والتثبت. قولوا لي بالله عليكم: بأي جيش وبأي فكر، تواجه هذه الحركات إسرائيل؟ أبالجيوش التي قتلت شعبها في كثير من البلاد العربية، وما زالت تقتل حتى الآن؟ أم بالأفكار العلمانية القومية، التي تتنفس سما على الإسلام والمسلمين؟ أم بالشباب الذي أقعده اليأس عن النظر إلى المستقبل ؟. يا إخواني، الأمر يحتاج إلى بناء أرضية صلبة : فكرية ودينية وعلمية واجتماعية واقتصادية وسياسية ...إلخ. وحينها، عليكم أن تنظروا إلى أعدائنا، ماذا سيحدث لهم دون قتال. ألم يقل الحق سبحانه وتعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ...)؟ أين هذه القوة؟ ألم يصبر النبي صلى الله عليه وسلم، في المرحلة المكية، حتى تكون للإسلام شوكة، وحينها يبدأ في فتح البلاد المجاورة؟ هل حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم، قام بحرب أو غزوة إبان الدعوة في مكة، أم أنه ربى جيلا أستطاع فيما بعد نشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها؟ . في المرحلة السابقة، حدث للعالم العربي ما حدث من النكبات، ولم نسمع أنكم اتهمتم الأنظمة بالتقصير، بل ما كنتم لتتجرأوا على هذا. لماذا الحركات الإسلامية؟ هل أعضاء هذه الحركات هم المسلمون وحدهم، وأعضاء الزمرة البائدة كانوا كفارا ؟. أم أن الحركات الإسلامية هي التي ستسأل أمام الله، وغيرها لا يسأل؟ عليكم أن تدركوا عامل الوقت. أعتقد أنكم تفهمون هذا جيدا، وأعتقد أيضا أن الغرض من كل هذا ، هو الوقوع في لعبة التوريط، حتى يقوم الغرب على العالم العربي، ويحصد الأخضر واليابس، ويغدو الربيع العربي جحيما غربيا. ومن ثم، فإن أصحاب المسلك الثاني لا يختلفون عن أصحاب المسلك الأول، في موقفهم من الحركات الإسلامية، فالكل كاره، والكل يريد الإخفاق، وإن اختلفت المسالك. هداكم الله وهدانا معكم. ' كاتب مصري القدس العربي